الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
بشرى المقطري
معارك ضدّ الحياة: عن المأساة الّتي تخلّفها الحرب في اليمن
الساعة 21:41
بشرى المقطري


منذ أكثر من ثلاثة أشهر، وتحديداً منذ 26 مارس الماضي، تدور حربان عنيفتان في اليمن، حرب داخليّة تقودها مليشيات جماعة الحوثيّ المدعومة من قوّات الجيش الموالية للرّئيس السّابق علي عبدالله صالح، وتواجه بمقاومة شعبيّة مسلّحة مناصرة لشرعيّة الرّئيس "هادي"، وأخرى خارجيّة ضد جماعة الحوثي، من قبل تحالف عشر دول عربيّة بقيادة المملكة العربيّة السعوديّة. ومع استمرار الحرب، تتضاعف معاناة اليمنيّين بكلفة مادّية وإنسانيّة مروّعة ، في حين تنتهك كلّ أطراف الصراع أمن اليمنيّين وسلامتهم وحريّتهم.

لقد تسبّبت الحرب واشتداد النزاعات بين كلاً تحالف الحوثي وصالح من جهة والمقاومة الشعبية من جهة أخرى، وكذا غارات قوّات التّحالف، بمقتل الآلاف من اليمنيّين، الّذين أصبحوا أهدافاً سهلة للقتل على يدّ مليشيات الحوثيّ وقوّات "صالح" الّتي استهدفت التجمّعات السكنيّة والمستشفيات في المدن المقاومة لها، كمدينة عدن وتعز والضالع ولحج، أو من جراء مضادّات الطيران الّتي تطلقها جماعة الحوثي ّوتسقط على الأحياء السكنيّة ممّا ألحق خسائر بالأرواح. كما تسبّبت الأخطاء المتكرّرة للطيران السعوديّ في قصف المنازل ومخيّم للنّازحين والقرى، وكذا الغارات الجويّة على مواقع عسكريّة ومخازن أسلحة قريبة من أحياء سكنيّة، وتركيز قصف طيران التّحالف على مدينة صعدة معقل جماعة الحوثيّ، واستخدام ذخائر عنقودّية، بحسب تقرير "هيومن رايتس ووتش"، بتضاعف عدد القتلى والجرحى.

تتفاوت الإحصائيّات حول عدد الضحايا، لاعتماد منظّمات الرصد الدوليّة على أطراف غير مهنية أو محايدة يمنيّة لإنجاز عمليلات الرصد، وعدم دقّتها في تقصّي الحقائق، وتكتّم جماعة الحوثيّ على خسائرها البشريّة. إذ أعلن مكتب الشئون المتحدة لتنسيق الشئون الانسانية أنّ "عدد القتلى بلغ 2.288 شخصاً، نصفهم من المدنيّين، بينما وصل عدد الجرحى إلى 9.755 شخصاً" حتّى مايو/أيّار، فيما ذكر بيان صحافيّ عن اليونيسف، في 24 مايو 2015، مقتل 135 طفلاً وإصابة 260 آخرين منذ اندلاع النزاع. بينما أشار تقرير لـ"مركز أبعاد للدراسات والبحوث"، نشر في 19 مايو 2015، إلى سقوط أكثر من 6.000 قتيل، غالبيتهم من المدنيين، منذ غزو جماعة الحوثيّ للمناطق الجنوبيّة في بداية مارس.

هذا وأفضت الحرب والغارات والحصار البريّ والجويّ والبحريّ، الّذي فرضته قوّات التّحالف إلى تفاقم الأزمة الإقتصاديّة في اليمن، بحيث بلغت خسائر القطاعين الإقتصاديّ والتجاريّ والمنشآت الصناعيّة منذ نهاية مارس وحتى بداية مايو 13 مليار دولار بحسب رئيس الغرفة التجاريّة الصناعيّة اليمنيّة، إذ اغلقت المصارف الدوليّة والمنظّمات الأجنبيّة مكاتبها في اليمن وتوقّف الاستثمار الأجنبيّ.

كما أوقف البنك الدوليّ تمويل مشاريعه في اليمن؛ في الوقت الّذي أوقفت فيه الشركات والمصانع اليمنيّة أعمالها، وأدّى ذلك إلى تسريح الآلاف من العمّال والموظّفين، الّذين لم يجدوا ما يواجهون به حاجاتهم اليوميّة، خصوصاً مع وقف التّحويلات الماليّة من الخارج، سوى إنفاق مخدّراتهم وبيع مقتنياتهم لشراء الموادّ الغذائيّة. وسبّب ارتفاع أسعار الموادّ الغذائيّة ونفاذها من الأسواق كارثة غذائيّة وإنسانيّة تتفاقم كلّ يوم، وازدهرت السوق السوداء، حيث تباع المشتقّات النفطيّة والموادّ الغذائيّة المخزّنة بأسعار مضاعفة تترواح بين 20-40 في المئة، ووصل سعر اللّيتر الواحد من البترول إلى حوالى 20 دولاراً، ومثله الديزل، بينما وصل سعر القمح والأرز إلى ثلاثة أضعاف ما كان عليه قبل بدء الحرب.

لم يقف تدهور الأوضاع في اليمن عند حدود أزمة الغذاء ونقص المياه اللّذين يعاني منهما أكثر من نصف السكّان، بل تحوّل إلى كارثة إنسانيّة لم يعرفها اليمنيّون في تاريخهم. فبعد توقّف الخدمات الأساسيّة إثر انعدام المشتقّات النفطيّة وخروج محطّة كهرباء مأرب عن الخدمة بسبب المواجهات المسلّحة، يعيش اليمنيّون في عموم البلاد دون كهرباء منذ أكثر من شهرين، ولا يقتصر الضرر الّذي يحدثه انقطاع الطّاقة الكهربائيّة لأيّام متواصلة على شلّ حياة اليمنيّين، بل يتسبّب بكارثة صحيّة، نتيجة توقّف غالبيّة المستشفيات عن العمل، ممّا يهدّد حياة الآلاف من المرضى، وفي مقدّمهم مرضى الفشل الكلوي في عدن والحديدة وتعز.

وفي واقع الحرب المفروضة على اليمنيّين، يتزايد الخطر الّذي يواجهونه من الموت والمجاعة وتفشّي الأوبئة، في ظلّ تعطيل حقوقهم السياسيّة والمدنيّة، إذ أنّ انهيار مؤسّسات الدولة اليمنيّة وسلطة الرّئيس "هادي" وتجاوزات الأشكال التنظيميّة الّتي أقامها الحوثيّون في العاصمة صنعاء بعد إحكام السيطرة عليها، جعلت اليمنيّين عرضة للانتهاكات من جماعة الحوثيّ أو من أطراف أخرى وجدت في غياب السلطة فرصة للسيطرة، كما فعل تنظيم القاعدة الّذي تمكّن من الاستيلاء على مدينة المكلا وأخضع المواطنين إلى قوانينه. في الوقت الّذي صودرت فيه حقوق اليمنيّين المدنيّة، كحريّة الحصول على المعلومة، بعد حجب جماعة الحوثيّ لعدد من المواقع الإلكترونيّة المعارضة، المصدر اون لاين، مأرب برس، الصحوة، وأخرى، كما صودر حقّهم في التّعبير عن آرائهم، فتعرّض عدد من الصحافيّين والمدافعين عن حقوق الإنسان والسياسيّين المعارضين لجماعة الحوثيّ إلى اعتقال غير قانونيّ وقتل عدد منهم؛ فيما يتعرّض صحافيّون في المكلا إلى تهديدات بالقتل من تنظيم القاعدة، ويخشى أن ينفذ التنظيم اعدامات بحق مواطنين يتهمهم بالعمل مع أجهزة الامن القومي.

واذا كانت الحرب قد طالت حياة اليمنيين فإنها في المقابل ألحقت اضراراً بمعالم اليمن التاريخية: سد مأرب الذي بني في مطلع الألف الأول قبل الميلاد في مدينة مأرب، وجامع الهادي ( بني عام 1200) في مدينة صعدة، وقلعة القاهرة في مدينة تعز، وصنعاء القديمة التي بنيت قبل 2500 عام، وهي مدرجة ضمن قائمة التراث العالمي، وأدانت ايرينا بوكوفا، مديرة اليونسكو، استهداف صنعاء القديمة. وقد تبادلت الاتهامات بين جماعة الحوثي وقوات التحالف في الطرف الذي تسبب بتدمير منازل المدينة الأثرية؛ في الوقت الذي ادانت.

تجمّد الحرب في اليمن كلّ مقوّمات الحياة الآدميّة، وتقوّض أسس المجتمع المدنيّ وتنتصر للسلاح، فلم يعد سوى صوت الغارات الجويّة والاشتباكات المسلّحة المظهر اليوميّ الوحيد الّذي يشاهده اليمنيّون، بعد أن توقّفت الأعمال والدراسة في كلّ المدارس، وحمل كثير من اليمنيّين السلاح في صفوف أطراف الصراع، من دون عقيدة وطنيّة غير الانتقام من قوى سياسيّة أو مقاومة فصيل مسلّح انقلب على شرعيّة رئيس منتخب كان جزءاً من فشل الدولة اليمنيّة.

لم تترك دوّامة الحرب لليمنيّين خيارات كثيرة، فإمّا أن يُقتلوا بالاشتباكات المسلّحة وغارات الطيران، أو أن يموتوا جوعاً ومرضاً، أو المخاطرة بالنزوح هرباً من جحيم الحرب. لذا، نزح اليمنيّون من مدنهم إلى أرياف بعيدة، حيث تشهد أرياف: تعز، ذمار، لحج، وأخرى، عودة أسر كثيرة هروباً من مناطق المواجهات في المدن التي يعيشون فيها. في حين نزح كثير من سكّان مدينة عدن والمناطق الجنوبيّة الّتي تشهد مواجهات وحصاراً إقتصاديّاً بحراً إلى مخيّمات النازحين في الصومال وجيبوتي، ويتزايد أعداد النازحين يوماً بعد آخر هرباً من الحرب والصراع، وحتّى من استطاع النزوح إلى الخارج لا يحظى بوضع إنساني أفضل بكثير.

ليس فقط احصائيات القتلى ومعطوبي الحرب، ما سيبقى شاهداً على الحرب في اليمن في السنوات مقبلة، بل سيبقى أيضاً تفكّك المجتمع اليمنيّ وتسلّط الجماعات المتطرّفة المسلّحة، وما يترتّب على ذلك من حروب طائفيّة، ودعوات التّقسيم بين الشمال والجنوب التّي ستخلق دوّامة عنف جديدة؛ وهذا ما لا تراعيه أطراف الصراع اليمنيّة ووكلاؤها الإقليميّون الّذين لا يفكّرون سوى بنهاية تلائم أجنداتهم السياسيّة، ولكن ماذا بعد الحسم العسكريّ وانتهاء المعارك؟ وما هي اليمن الّتي ستبقى بعد أن دمّرت الحرب حياة اليمنيّين وأحلامهم؟

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً