الأحد 24 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
جمال خاشقجي
سلام في اليمن ... سلام في السعودية
الساعة 18:46
جمال خاشقجي

لدي خبر جيد لليمنيين، لقد باتت السعودية ملتزمة باليمن حتى بعد الانتصار في الحرب وسقوط الحوثيين والرئيس المخلوع ودولته العميقة، لم يقل ذلك أي مسؤول سعودي ولكنه من مقتضيات الحال، فالانتصار هناك بالنسبة للمملكة، ليس بتحقيق تلك الأهداف قصيرة الأجل وإن كانت مهمة، وإنما بتحقيق سلام كامل في اليمن، كي يكون هناك سلام في السعودية.

لقد أسقط جورج بوش الابن، صدام حسين ونظامه في العراق، ولكنه فشل في بناء عراق مستقر جديد على رغم قوة أميركا وجبروتها، ولا يزال الأميركيون وقبلهم العرب والعراقيون يسخطون عليه. الخبر الآخر الجيد أن السعوديين أحكم من جورج بوش.

الانتصار لن يكون بعودة الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى صنعاء، وإنما بتحقيق أهداف ثورة 2011 اليمنية ببناء يمن تعددي جديد يقوم على مبادئ الحرية والعدالة واحترام سيادة القانون، وما عدا ذلك يكون استمراراً للحال التي أوصلت اليمن إلى ما كان عليه قبل انقلاب الحوثيين والرئيس المخلوع، وإهداراً للجهد والروح الإيجابية التي سادت المنطقة بعد إطلاق «عاصفة الحزم»،

فالشرعية هناك ليست في هادي فقط وإن كان الرمز المتبقي منها، ومنها تأتي أهميته والقبول به على رغم تحفظات شتى القوى اليمنية على أدائه، الشرعية هي للثورة وأهدافها التي أوصلت الرئيس هادي إلى منصب الرئيس ليرعى عملية سياسية تفاوضية تنتهي وبالتوافق بين كل مكونات المجتمع إلى يمن جديد صيغت ملامحه في حلم شباب ضحى بحياته في ميادين التغيير طوال شهور مؤلمة عدة قبل أربعة أعوام قاسية.

تدريجياً، وبعد كل عملية قصف، وتقدم تحققه المقاومة الشعبية على الأرض، والانتصارات السياسية التي حققتها المملكة في مجلس الأمن والأروقة الدولية، يتأكد أن السعودية باتت مسؤولة عن اليمن أكثر من أي يوم مضى حتى يتحقق سلام كامل فيه، ومن ثم مشروع تنمية يجعل الزمن يبتسم لليمن بعدما بلغ حد إعلانه «بلداً فاشلاً» قبل هذه الأزمة، بل حتى قبل انفجار الربيع العربي في وجه استبداد صالح.

ربما «سلام كامل» يحتاج إلى عام أو اثنين، ولكن لا بد أن تبدأ عملية سياسية في اليمن بعدما تضع الحرب أوزارها لكي تعلن الرياض أنها حققت أهدافها، وستكون أكثر من أي وقت مضى مراقباً وضامناً وراعياً لها، ولكن لضمان نجاح العملية يجب عليها أن تعيد قراءة الحدث اليمني، فتتخلى عن تلك القراءة الخاطئة التي قادت إلى المبادرة الخليجية الشهيرة، الحريصة على «الاستقرار» فقط بالمحافظة على «النظام» وما هو بنظام وإنما دولة صالح الخربة التي انفجرت لاحقاً في وجه المملكة، وتستبدلها بقراءة صحيحة للتاريخ، وهي أن ثورة فبراير 2011 تطور حتمي وطبيعي لليمن، وتعبير عن تطلعات غالبية شعبه وهم الشباب، الرافضون للاستبداد، كان حوثياً أو عسكرياً يحكم باليمن مرة أخرى من خلال أمن ومخابرات، وإنما صيغة تشاركية تنظم تعددية المجتمع.

لقد رفضت المملكة طغيان الحوثي، ليس لأنه واجهة لتمدد إيراني لا تحتمله بجوارها فقط، بل لأنه أيضاً نظام حكم لن ينجح إلا بالقمع والتجبر على بقية مكونات الشعب هناك، بل سيكون أسوأ من صالح، فالأخير لم يكن عقائدياً يريد فرض «هوية» مختلفة على اليمنيين، إنما كان مهتماً بالحكم فقط، مستعداً أن يكون سعودياً، أو صدامياً، أو «إخوان مسلمين» وآخر تحولاته حوثي، طالماً أنه يحكم.

أما الحوثي فلديه مشروع ورؤية يريد فرضهما على اليمنيين، ولو استقر له الأمر فستشتعل ثورات واحتجاجات، فيقمعها مثل كل انقلاب، فيسيل دم جديد يجدد الثورة والغضب، يقسّم اليمن، هذا سبب آخر للسعودية دفعها للتدخل، وبالتالي يجب ألا تسمح الرياض بخروج نظام جديد يحكم اليمن يشبه صالح أو الحوثيين بعد الانتصار عليهما.

القراءة الصحيحة للتاريخ، أن الشرعية التي تدعمها المملكة في اليمن وتريد عودتها إليه، لا تقتصر على الرئيس هادي، إنه مجرد رمز عابر لها، بل إن ثورة فبراير 2011 هي قوامها، فهي التي أوصلت هادي إلى السلطة، ومعه منظومة كاملة من تطلعات شباب اليمن والذين غيبوا عن الساحة ولكن تسللت أفكارهم إلى لجان اجتمعت خلال جلسات الحوار الوطني ومسودة دستور.

للتعبير عنها، اتصلت بأحدهم، ممن شارك في الثورة، وعاش انتصارها، ثم اختطافها فهزيمتها، اسمه مأرب الورد، هذا اسمه الحقيقي وليس الكودي، صحافي يمني فحددها قائلاً: «ثورة فبراير رفعت مطلب إسقاط النظام السياسي وإقامة نظام ديموقراطي بديلاً عنه بالتدريج وإعادة الاعتبار للشعب كمالك للسلطة، بما يؤدي إلى بناء دولة حديثة يسودها حكم القانون والعدالة والمواطنة»، ويؤمن مأرب الورد بأن «مخرجات الحوار» التي لا تزال كل الأطراف اليمنية وعلى رغم الحرب والانقلاب تعتبرها مرجعية العملية السياسية الواجب العودة لها من قبل كل الأطراف بما في ذلك الحوثيون، إنما هي تعبير عن «عملية التغيير لتحقيق أهداف الثورة، ونؤمن بأنها وفرت حلولاً لمشكلات البلاد كافة، لكن الانتكاسة حصلت بعد ذلك وعدنا إلى ما قبل الثورة، حيث عاد صالح متخفياً بلافتة الحوثي، واتضح لنا أنه كان يملك دولة عميقة - إن صح التعبير - إذ ظهر أن كل شيء كان بيده من أجهزة أمنية وعسكرية وقضاء ومصالح اقتصادية، وهذا ما أدى إلى الانقلاب على العملية السياسية التوافقية الشرعية وإجهاض حلم شباب الثورة».

هذه القناعة جعلت مأرب وشباب الثورة يؤمنون بأن «بناء دولة مدنية لا يمكن أن يتم في بلد يعج بملايين من قطع السلاح المختلفة وخصوصاً المتوسطة والثقيلة منها، فلا بد من حصر حق تملك السلاح بيد الدولة، فهي الجهة الشرعية المخولة باستخدام القوة، لضمان التكافؤ وعدم استخدام طرف لقوته ضد آخر يفوز بأي استحقاق انتخابي، وهذا وحده كان الضامن لتداول سلمي للسلطة، لا تداول العنف والصراعات».

يعتقد مأرب أن سحب السلاح من السياسة اليمنية هو الحل، ويطالب بأن يكون بين أهداف عاصفة الحزم، فيقول: «الحوثيون ونتيجة لامتلاكهم أسلحة تماثل قوة الجيش لم يلتزموا بمخرجات الحوار التي شاركوا بها، ولم يحترموا العملية السياسية لقناعتهم بأن القوة كفيلة بتحقيق ما لم يحصلوا عليه بغيرها»، ويرى أنه «لو تم إجبارهم على التخلي عنها (الأسلحة الثقيلة) كشرط أو مقابل لإشراكهم بالحوار ولو أصرّ على ذلك (المبعوث الأممي المستقيل جمال بنعمر) لما وصلنا إلى هذا الحال، لكن للأسف لم يحصل حتى بعد انتهاء الحوار».

بل إنه يذهب إلى أبعد من ذلك، إذ يرى أن أفضل ما تفعله عاصفة الحزم هو «إنهاء الترسانة العسكرية للحوثيين وصالح، مع أني أعلم أنها مقدرات الجيش والأمن التي نهبوها وسيطروا عليها، ولكنّ إنهاءها سيوفر بيئة آمنة وحقيقية لبناء دولة للجميع ليس فيها قوي يستطيع أن ينقضّ عليها في أي وقت».

ما هي الدولة التي حلم بها مأرب الورد ورفاقه عندما كانوا يعتصمون في ساحة التغيير بصنعاء قبل أربعة أعوام؟ أجابني قائلاً الثورة «دولة ترعى مصالح المواطنين لا دولة الواسطة والحياد. دولة تحكم بالقانون لا بالعرف القبلي، دولة تستمع لصوت كل مواطنيها لا مشايخ القبائل ممن يبتزونها، دولة لا تحضر في السلم جابية للغنائم والضرائب وفي الحروب (الداخلية) تلوذ بالحياد حتى وهي طرف في الصراع».

اختتم حديثه بأن إصلاح القضاء كان في أعلى أولويات الثورة لبناء دولة قانون، «فالجهاز القضائي هو المناط به إنفاذ سلطة القانون، لأن القضاء كان غائباً وفي خدمة النظام لا الحق وإنصاف الناس».

إنها طلبات منطقية، ولو حققتها المملكة لشعب اليمن، لا بتدخل مباشر وإنما بحماية عملية سياسية آمنة تفضي إليها، فإن ذلك كفيل بتحويل اليمن إلى بلد سعيد منتج، لا فاشل يحكمه ديكتاتور يستجدي المملكة والخليج مالاً لكي يوفر استقراراً عجز عن توفيره بسوء إدارته وإقصائيته.

*الحياة.

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص