الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
د/عبدالله أبو الغيث
بوادر على قرب انفراج في الأزمة اليمنية
الساعة 18:14
د/عبدالله أبو الغيث

سنحاول من خلال هذا المقال الربط بين الأحداث المختلفة لنتتبع من خلالها ما نعتقده ظهور بوادر تدل على قرب انفراج في الأزمة اليمنية الراهنة، وتتمثل تلك البوادر في السعي الحثيث الذي تبديه  أطراف خارجية وداخلية للذهاب بالأزمة اليمنية صوب خيارات الحل السلمي وإيقاف الحروب الدائرة، ويمكن ترتيب تلك البوادر على النحو التالي:

أولاً: تصريحات الخارجية التركية بأن تركيا مستعدة للعب دور فعال لإيقاف الحرب ولخروج من الأزمة اليمنية، وتتمثل أهمية تلك التصريحات كونها تأتي إثر زيارة قام بها الرئيس التركي لإيران، مع ما سبقها من لقاء بين الرئيس التركي وولي ولي العهد السعودي وزير الداخلية قبيل مغادرة الأول إلى طهران، ولا يخفي بأن تركيا باتت مؤهلة في اللحظة الراهنة للعب مثل ذلك الدور بحكم علاقتها الجيدة مع الطرفين الإقليميين المؤثرين على الساحة اليمنية (السعودية وإيران).

ثانياً: التحولات التي من المتوقع أن تشهدها السياسة الإيرانية بعد توقيعها على الاتفاق النووي مع الدول الكبرى، حيث من المتوقع أن تتجه إيران لصناعة امبراطوريتها الاقتصادية، مستفيدة من رفع الحصار الذي كان مفروضاً عليها. وذلك سيتطلب منها تخفيف سياساتها المعتمدة على إثارة حالة الطوارئ في منطقة الشرق الأوسط وتأجيج الصراع المذهبي فيه، لأن مثل تلك السياسية تضعف رغبتها في تشكيل نفوذ اقتصادي وسياسي عام، إلى جانب ضعف حاجتها لمثل تلك التوجهات التي كانت تبديها أثناء مفوضاتها مع الدول الغربية لتوحي من خلالها بقوة نفوذها المتعاظم في المنطقة، ولعل تواصلها الحالي مع سلطنة عمان لإيقاف الحرب الدائرة في اليمن وإيجاد حل سلمي لها يوحي لنا بالتوجه الجديد للسياسة الإيرانية، خصوصاً والإيرانيون باتوا يعرفون بأن العالم الذي تفهم بعض مخاوفهم في العراق وربما سوريا لن يتفهم طروحاتهم الخاصة باليمن لكونها لا تعد ضمن مجالهم الحيوي. وهي رسائل ستحاول افهامها لحلفائها في اليمن بصورة تدفعهم لقبول الخيار السلمي.

ثالثاً: إدراك السعودية أنها قد تمكنت عبر عاصفة الحزم من توجيه ضربة مؤلمة لقوات الجيش اليمني ومليشيات الحوثي، خصوصاً تدمير الصواريخ الباليستية التي كانت تقلقها، وقد ضمنت بذلك منع أي تهديدات جادة توجه ضدها من الأراضي اليمنية، على الأقل في المديين القريب والمتوسط ، وذلك سيجعلها تتعامل مع أي مبادرات سلمية بجدية، خصوصاً وهي باتت تدرك صعوبة القضاء النهائي على حلف الحوثي وصالح، وذلك للعقبات التي تعترض طريق التدخل البري الشامل، في ظل الامتناع الباكستاني والتلكؤ المصري، ما يعني أن الاستمرار في تلك الحرب إنما سيقود الأمور إلى اشعال حرب أهلية يمنية شاملة لن تكون السعودية بعيدة عن آثارها المدمرة، وهو ما أوضحناه في المقال السابق المعنون "عاصفة الحزم هل تنهي بحرب أهلية يمنية طويلة الأمد؟).

رابعاً: المواقف المتعاطفة مع الرئيس السابق صالح وجماعة الحوثي التي تبديها بعض الدول المشاركة في عاصفة الحزم، مثل مصر والإمارات والأردن، سيجعلها تفضل الاتجاه في الضغط صوب بلورة حل سلمي يوقف الحرب الدائرة، وذلك بممارسة الضغوط على الحلف الحوثي العفاشي من جهة، والدفع لقبول السعودية وبقية الدول المساندة لها بخيار الحل السلمي بدلاً من مواصلة الحرب لتتخلص من حرج الموقف الذي صارت فيه.

خامساً: إدراك الحلف الحوثي العفاشي في اليمن بان عاصفة الحزم رغم عدم قدرتها بالقضاء النهائي عليه واستمراره كطرف رئيسي على الساحة اليمنية، إلا أنه صار يعي بأن ضربات طيران العاصفة قد جعلت أطماعه بالانفراد بالسيطرة على الدولة اليمنية كما كان يخطط من أحلام الماضي، وكسرت حاجز الخوف منه وولدت مقاومة شعبية متنامية ضده (سلمية ومسلحة). وهو ما يؤكده تخبطه في اتخاذ قرارات غير مدروسة العواقب، مثل اعتقالهم لبعض قيادات حزب الإصلاح والعديد من ناشطيه والحديث عن حله، رغم إدراكهم بأن ذلك يعد مجرد لعب في الوقت الضائع، ليس فقط للتغيرات الداخلية والخارجية التي نتجت عن عاصفة الحزم، ولكن أيضاً لأن طرق اتخاذ القرار في إطار حزب الإصلاح تجعل مثل تلك الاعتقالات بعيدة عن التأثير على الحزب وإضعاف قدراته، وهي فقط تصب في اتجاه الإصلاح صوب اتخاذ مواقف متشددة تحت ضغوطات قواعده الغاضبة.

سادساً: الرئيس اليمني هادي بات يدرك هو الآخر بأن شرعيته ستصير مجرد ورقة ضغط بيد القوى المؤيدة له داخلياً وخارجياً لتحسين مواقفها في أي مفاوضات قادمة، لكنها في حقيقة الأمر تنظر إليه كشخص عاجز وضعيف لا يمكنها التعويل عليه مستقبلاً، وهو ما سيجعلها تقدم تنازلات عند الحديث حول التوافق على أي شرعية بديلة، أو اسناده بمجموعة من النواب بصلاحيات محددة يمثلون القوى الرئيسية على الساحة اليمنية.

سابعاً: الموقف الأمريكي رغم إعلانه تقديم الدعم اللوجستي ولاستخباراتي لعاصفة الحزم، لكن طبيعة علاقته الجديدة مع الجانب الإيراني ستجعله يميل إلى بلورة حل سلمي للأزمة اليمنية بدلاً من تشجيع السير في خيار الحسم العسكري حتى النهاية، ويعتقد بأن الموقف الأوروبي سوف يسير في نفس الاتجاه، مدعوماً بالضغوطات الروسية والصينية.

ثامناً: المبادرة السلمية التي أعلنها الحزب الاشتراكي اليمني مساء الأمس نعتقد أنها يمكن أن تشكل لبنة أساسية تبلور من خلالها القوى الداخلية والخارجية مبادرة كاملة لحل الأزمة اليمنية بصورة سلمية، ليس فقط لأن مبادرة الاشتراكي تحتوي على بنود متزنة يمكن أن تشكل نقطة وسط يلتقي من حولها الجميع، ولكن أيضاً لكون الحزب الاشتراكي هو الطرف المؤهل داخلياً في اللحظة الراهنة للعب دور الوسيط والمصلح أكثر من غيره، نظراً للعلاقات الجيدة التي تربطه بمعظم أطراف الأزمة.

تاسعاً: تأييد نائب الرئيس اليمني الأسبق البيض (اللاعب الرئيسي في الحراك الجنوبي) لعاصفة الحزم رغم التنسيقات التي يعتقد أنها كانت قائمة بينه وبين الحلف الحوثي العفاشي يجعل موقفه ذلك يشكل ورقة في اتجاه الذهاب نحو الخيار السلمي. وإذا أضفنا إليه سقوط محافظة حضرموت بيد قوات القاعدة – بغض النظر عن العوامل والجهات التي ساعدت على ذلك – سيجعلنا نقول بأن ذلك سيدفع بالعديد من الأطراف الداخلية والخارجية لتكثيف ضغوطاتها على أطراف الحرب اليمنية (المحلية والإقليمية) لوقف خياراتها العسكرية والذهاب صوب طاولة المفوضات.

عاشراً: الأوضاع المأساوية التي بات يعيشها المواطن اليمني، سواء المعارض لعاصفة الحزم أو المؤيد لها، وذهاب اليمن صوب أزمة طاحنة من الجوع والعطش حسبما تحذر تقارير العديد من المنظمات الدولية المتخصصة، كل ذلك سيجعل الشعب اليمني يكفر بالحروب ودعاتها ويقلب الطاولة فوق رؤوس الجميع، وهو ما نجزم أن كل أطراف الحرب تتابعه وتعمل له ألف حساب.. واشتدي أزمة تنفرجي.

ختاماً: من المتوقع أن يصدر اليوم الأربعاء قراراً عن مجلس الأمن بخصوص الأزمة اليمنية، لكننا نقول بأن صدور القرار بالطريقة التي تطرحها دول الخليج لن يعني إنهاء قوة الحلف الحوثي العفاشي من اليمن، حتى وإن أثر على بعض القيادات فيه. وكذلك أيضاً صدوره بصيغة مخففة لن يعني قدرة الحلف الحوثي العفاشي على فرض خياراته العسكرية التي كان قد بدأها بتوجهه صوب تعز وعدن وبعض محافظات الجنوب. ما يعني بأن الخيار السلمي صار رغبة مشتركة تساعد على إخراج جميع الأطراف المتصارعة في اليمن من مأزقها الذ صارت تعيشه.

آخر الكلام: هذه قراءة حاولنا من خلالها وضع خطوط لملامح المشهد اليمني خلال الفترة القريبة القادمة، وتوجهه صوب رسم خيار سلمي للخروج من الأزمة الراهنة بحروبها المدمرة، وقد اعتمدنا في ذلك على افتراض أن هناك أناس عقلاء في كل أطراف الأزمة يتابعون تطورات المشهد داخلياً وخارجاً، وبإمكانهم التقاط طرف الخيط في اللحظة المناسبة، أما إن قررت تلك الأطراف – كلها أو بعضها – السير صوب خيارات انتحارية، والعمل وفق مبدأ (عليّ وعلى أعدائي) فتلك مسألة أخرى.. ولكل حادثة حديث.

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً