الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
بشرى العامري
انا ووردة وريحانة وطن مزقته المصالح والاحقاد
الساعة 02:30
بشرى العامري


كنا ثلاث صديقات وردة وريحانة وانا ..
منذ كنا ثلاث طفلات صغيرات لم نفترق يوما ..
لا اذكر متى اصبحنا صديقات حتى. يبدو اننا وعينا واحسسنا بوجودنا في هذه الدنيا معاً فأمهاتنا ايضاً كنّ صديقات منذ امد بعيد.

حبونا معاً ومشينا معاً ونطقنا معاً وتلعثمنا معاً, واكاد اجزم ان اول كلمة نطقت بها كل واحدة منّا هي اسميّ الآخرتين ..
كبرنا وتنقلنا بين فصول الدراسة الطويلة معاً وكنا نجلس على مقعد ثلاثي واحد ذاكرنا سوياً, ضحكنا مرحنا لعبنا ضُربنا عوقبنا لذات الاسباب معاً.

 كان جيبنا واحدٌ وطعامنا واحدٌ ونُصرُ دوماً ان نرتدي ذات الثياب ونحمل حقائب متشابهة ومن يرانا يعتقد اننا ثلاث اخوات لا يفترقن ابدا.
كبرنا اكثر والتحقنا بذات الكلية وتخرجنا وتزوجنا , وانجبنا الاطفال, ولم تفرقنا يوماً مقاعد الدراسة او مشاغل الحياة او خلافات الصغار.

لا يمر يوم ٌ دون ان نجتمع فيه , وان استحال ذلك نتصل لنطمئن فيها على بعض, وتمر ساعات وساعات ونحن نتحدث عبر معظم وسائل الاتصالات الممكنة من هاتف وفيس بوك مرورا بالشات وحتى الواتس لاحقاً .

وفي العام 2011 توحدت رؤانا واتفقنا ان نكون سبّاقات في النزول الى ساحات الاعتصام والسير معاً في مقدمة المسيرات الرافضة للفساد والظلم والجهل ونهب ثروات البلاد ...
صرخنا معاً ( الشعب يريد اسقاط النظام) رفعنا عاليا شعارات الثورة حملنا الطعام للخيام, داوينا معاً الجرحى, حملنا سوياً الزهور ووزعناها لأفراد الجيش الذين كانوا يحاصرون مسيراتنا مؤكدين لهم اننا لا نحمل معنا الا السلام ونطالب بمستقبل افضل لنا ولهم ولأجيالنا من بعدنا.

وفي جمعة الكرامة هرعنا ثلاثتنا لبذل كل ما نستطيع لتخفيف معاناة الجرحى ومواساة اهالي الشهداء, وفي مجزرة بنك الدم كنا ثلاثتنا ايضاً هناك يومها تلاحمت ايادينا تحت وابل الرصاص واقسمنا الا نترك بعضنا واننا سنعود ثلاثتنا معاً لأطفالنا واهلنا وانه لن يصيبنا اي مكروه.

كنا نطمئن على بعض حال عودتنا كان لدينا ايمانٌ قوي بنجاح ثورتنا واننا سنكون غداً اكثر تلاحماً وتوافقاً وسيزهر حتماً مستقبل اولادنا, الذي سيكون بالتأكيد افضل من حاضرنا.
دارت الاحداث والايام ..
فجأة تغيرت وردة التي التحقت منذ مدة بجامعة الايمان واصبح حديثها معنا يحمل طابعاً اكثر حدة, تُكفر كثيراً من افكارنا وتصرفاتنا, تتهمنا بتقليد الغرب واتباع رغباتهم .
ترى في نضالنا ضد قضايا مجتمعية كفر عظيم وخروج عن الملة.

وطالبت مراراً وتكراراً من ريحانة ان ترتدي النقاب وتخفي وجهها والا فإنها مخالفة للشرع وخارجة عنه مؤكدة انها ناصحة لها وتخاف عليها من عذاب الله لأنها فتنة, وناشدتني اكثر من مرة ان اترك عملي كناشطة حقوقية لأنها تقليد غربي بحت وان ارتدي جلبابا طويلا مثلها لان حجابي الذي ارتديه زينة والتحق بدور التحفيظ واصبح داعية مثلها اجدى لي ولأخرتي من التوعية بالحقوق والحريات الغربية حد قولها.

اختلفنا كثيراً معها لكنها كانت تنهي جدالنا الذي يحتد معها ونغلبها مراراً بحجتنا قائلة ( الله يهديكن بس الله يهديكن).

وفجأة ثانية تغيرت ريحانة هي الاخرى وصارت تتحدث عن فضل ال البيت واتباعهم الطاهرين واحفادهم وان بلاء الامة الاسلامية راجع لان من يحكمنا اليوم ليسوا من سلالة ال البيت, فهم المعصومون عن الخطأ وهم الاحق والاجدر بقيادة البلاد والعباد واخراجنا من الظلمات الى النور .

وبدأت تتهم اي شخص يخالفها بالدعشنة وتصمه بحليف القاعدة , واختلفتا وردةٌ وريحانة وكنت احاول جاهدة الاصلاح بينهما وتذكيرهن بأيامنا الخوالي لكن دون جدوى .

احياناً كنّ يصمتن ازاء دموعي التي كانت تنهمر خوفاً وهلعاً مما اصابنا وخشية ان تكون النهاية بيننا , ويتصالحن لكن لا يلبثن اياماً او حتى لحظات حتى يدخلن في نقاش وخصام الد واعتى .
وفي احد الايام هاجمت جماعة الحوثي المسلحة جامعة الايمان وكان زوج ريحانة هناك, فقد كان يعمل سائقا لإحدى الباصات التابعة للجامعة التي تنقل الطلاب من والى الجامعة ووصلنا خبر مقتله بإحدى القذائف التي سقطت في الجامعة .

هرعتُ اليها اواسيها واصريت بعد الحاح طويل على ريحانة ان تأتي معي ففوجئنا بوردة توجه اللوم والتهمة على ريحانة ومن معها بقتل زوجها وانها لن تنسى ذلك الالم الذي الحقته بها صديقة عمرها لأن زوج ريحانة واخوتها ايضا كانوا ضمن اللجان التي هاجمت جامعة الايمان.

اخبرتني ريحانة ونحن عائدات انها ليست حزينة على مقتل زوج وردة فهو داعشي تكفيري وانهم ليسوا طلبة علم وانما قتلة استغربت منها هذا الحديث كيف ونحن تربينا وعشنا معاً, ويجب ان يكون ظننا ببعض هكذا ذكرتها بيوم ولادتها بابنها وكيف تعسرت ولادتها واحتاجت لإجراء عملية عاجلة ونقل دم لأنها نزفت كثيرأ وكانت فصيلة دمها نادرة ولم يستطع احد نقل دم لها الا ريحانة قلت لها ( كيف تقولين عنها هكذا ودمائها تجري في عروقك )
ضحكت باستهزاء وقالت( انت مخدوعة فيها ولولا هذه الدماء المزعومة لما حضرت لمنزلها اليوم ولكنها اختارت العداء فانتهت بيننا تلك الصلات )

انضوت وردة في منزلها وابتعدت عن الجميع وقاطعت كل من يعرفها وظلت هائمة على ذكريات زوجها وذات يوم زارتني مودعة تخبرني بانها ستغادر قريباً الى مكان ما تلملم فيه جراحها بعيدا عن الوطن, وان جماعة الحوثي لم تتركها لحالها وان مضايقاتهم مستمرة لها ولأولادها .

سألتها ان كانت ستودع ريحانة ايضا ؟ فأخبرتني انها لم تعد تمثل لها شيء سوى انها مجوسية رافضيه من اذناب ايران وانهم لايمتون للإسلام بصلة مهما ادعوا الايمان, وانها عدوتها اللدود من الان وصاعدا, ذكرتها كيف حمتها ريحانة من ضرب جنود  الفرقة الاولى لنا بأعقاب البنادق في احدى مسيرات ثورتنا التي وحدتنا جميعا, وكانت تغطيها بجسدها وتتلقى كل الضربات عوضا عنها لخوفها الشديد عليها ان تسقط حملها حينها, فقالت متهكمة كل هذه الافعال تقية يتخذونها لننخدع بهم ولو فدتني حينها بحياتها لما صدقتها اليوم .

ناقشتها كثيرا واخبرتها ان تخندق كل طرف تحت معتقداته واتهامه للأخر بالزندقة والكفر والخروج عن الملة هو من سيؤدي بنا وببلادنا الى الهاوية وان من توحدنا بالأمس ضده اليوم استطاع زرع الفرقة بيننا وخدعنا واوهمنا باننا اعداء لينتصر علينا وان اعدائنا يتخذون دوما قاعدة فرق تسد ونحن مخدوعين نسير على الطريق الذي رسموه لنا بغباء , وقلت لها ( نحن نؤمن جميعا برب واحد ونبي واحد ونصلي ونصوم ونزكي , وما بعد ذلك هي اختلافات فقهية تجمع ولا تفرق ) فأخبرتني الا حوار ولا تفاهم معهم وانهم آفة يجب استئصالها من مجتمعنا وابتسمت قائلة ( نصرنا قريب ثقي بذلك ) واختفت بعدها.

في داخلي جرح عميق فقدتُ احدى اعز صديقاتي شعرتُ باني كمن فقد جزءٌ من قلبه وذاته ..
عدتُ لريحانة فقالت دعيها تذهب بمثل هؤلاء ستهلك البلاد .
وماهي الا ايام حتى سمعت خبر مقتل زوج ريحانة بتفجير ارهابي وهو يحضر حفلا لجماعتهم في مدينة اب, ذهبت لمواساتها جازعة لما حلّ بصديقتيّ اللتين تأدلجتا بثياب الحزبية والطائفية تحاول كل منهما عبثاً فناء الاخرى واقصائها من واجهة الحياة , فلم ينالهن الا الحزن والجزع واصبحتا ارملتان وحيدتان..

 قالت لي ريحانة وهي تنتحب ( الدواعش الاوغاد الاصلاحيين القاعدة الوهابيين السنة قتلوا زوجي , كلهم قتلة ولن نهنأ حتى نقتلهم جميعاً) سألتها في هلع  ( انا سنية فهل انا قاتلة؟ ) قالت ( بل انت غافلة , ومضحوك عليك انصحك بقراءة ملازم السيد عبد الملك رضوان الله عليه وسماع خطبه وانسي ابن تيميه الملعون, وغيره من الضالين وهو من سيهديك الى سواء السبيل وكوني عوناً لنا لا علينا في قتل اعداءنا كل من يخالفنا ولا يرضخ لأوامر السيد ولا يطيعه فهو وحده من يملك الحكمة والرأي السديد)
عدت ادراجي تائهة جازعة فقدت صديقتي الاخرى جزءٌ اخر من قلبي وذاتي واصبحت ممزقة الى اشلاء مبعثرة جذع خاو بلا اي ملامح او مستقبل. وفقدت معهن اجمل ايامي وكل احلامي وطموحاتي.

 تنقلت كل واحدة منهن بين البيوت والتجمعات النسوية تخطب وترعد وتزبد محرضة ضد الطرف الاخر مستندة لآيات واحاديث وروايات تدعم حجتها وتنسب تهماً وجرائم دون تحقق من صحتها او مرتكبها.
ثم غادرت وردة البلاد وتنقلت ريحانة بين صعده وحجه ومحافظات عدة وبقيت هنا وحيدة اشعر بالضياع..

معقول ان كل احلامنا وطموحاتنا وما رسمناه من مستقبل لأولادنا سويا قد تلاشى فجأة هكذا.. تذكرت ضحكاتنا مرحنا بكائنا ازماتنا وقوفنا معاً في وقت الشدائد قسمنا الا يفرق بيننا الا الموت فقط , فما الذي اليوم استطاع تفريقنا ؟؟؟
آه يا وردة وريحانة تركتما جرحين عميقين في قلبي وشرخاً في حياتي ..

 انا وحيدة الان في ظلام دامس في دوامة عبث لا تنتهي , يقتلني الخوف والفزع من القادم الاسوء..
متى تخلعان عنكما عباءة الحزبية والطائفية وتعودان لرشدكما لنعود كالسابق معاً في كل شيء نكمل ما بدأناه ...

اسمع الان صوت القصف قادم بقو ة من كل مكان وصوت هدير الرعد وزخات المطر المنهمرة بغضب من السماء, ..
كل شيء حولي ينهار لكني لازلت ارقب عودتكما لنوحد صفوفنا مرة اخرى ونعود لاستكمال مشوار حلمنا وبناء وطننا من جديد ...

اسمع صوت نقرات خفيفة على الباب التفت نحو الباب بلهفة تختفي تلك النقرات ترى هل ستعودان وردة ريحانة افتقدكما هل ستعودان حقا كما كنتما صديقتاي الحميمتان ؟؟؟ ام اني سأضل الى الابد وحيدة هنا وسأواجه الموت منفردة دونكما؟؟

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
1
2015/04/05
علي عبدالخالق
أنتي الربحانه
أنتي الربحانه يا أختي الفاضلة.... من هؤلاء الصدقيات بغير أحسن
2
2015/04/05
م.هاني
صلاة الشكر
حان وقت صلاة الشكر
لا تبكي على مافات وكل ماهو ات آت
الحياة لا تتوقف عند فقدان احد
والحزن لن يزيد شيئا
ابتسمي وعيشي حياتك وتذكري رُب ضرة نافعه
وقد تجدي صديقات غيرهن
مودتي
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً