الاثنين 25 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
عبد الباري عطوان
ثلاثة تطورات تدفع بالمشهد اليمني الى قلب الحرب الاهلية الطائفية
الساعة 18:37
عبد الباري عطوان


ثلاثة تطورات تدفع بالمشهد اليمني الى قلب الحرب الاهلية الطائفية.. وسيناريو حرب الانفصال عام 1994 قد يتكرر مع سقوط مطار تعز في ايدي الحوثيين.. ما هي ملامح المستقبل؟ وهل يرجح الرئيس صالح كفة الحوثيين؟ وكيف؟

 نجزم بأن معظم المحللين والخبراء السياسيين، عربا كانوا او اجانب، لم يتوقعوا مطلقا ان ينجرف اليمن الى هذه الهاوية السحيقة من الانهيار على الصعد كافة، ولا نبالغ اذا قلنا في الوقت نفسه، ان هؤلاء، وبعد نجاح الثورة اليمنية في اطاحة النظام السابق عبر “المبادرة” الخليجية التي ادت الى الانتقال السلمي للسلطة، توقعوا استقرارا وامنا ورخاء ماليا واقتصاديا، انطلاقا من كون عملية التغيير تقف خلفها المملكة العربية السعودية وشقيقاتها الخليجيات، لما تملكه هذه الدول، منفردة او مجتمعة، من نفوذ سياسي ومالي وقبلي في هذا البلد الفقير المعدم، والمليء بالكرامة وعزة النفس والاباء في الوقت نفسه.

الصورة الآن تبدو شديدة القتامة في ظل تصاعد حدة الصدامات “الطائفية”، والانقسامات المناطقية، ووصول التفجيرات الى المساجد ومقتل المئات واصابة الآلاف من جرائها، في ظل صراع على الحكم والنفوذ ليس جديدا على هذا البلد.

ثلاثة تطورات على درجة كبيرة من الاهمية احتلت مكانة بارزة في المشهد اليمني في الايام الثلاثة الماضية:
الاول: مطالبة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، من عاصمته المؤقتة عدن، مجلس الامن الدولي بتقديم مساعدة عاجلة لوقف عدوان مسلحي الحوثي بقرار بموجب الفصل السابع الذي يتيح استخدام القوة العسكرية.

الثاني: سيطرة التحالف المشترك لقوات تنظيم “انصار الله” الحوثي والموالين للرئيس السابق علي عبد الله صالح على مطار تعز ونسبة كبيرة من احيائها، وهي مدينة تعتبر ثالث اكبر مدن البلاد وبوابة عدن الشمالية الرئيسية.

الثالث: سحب الولايات المتحدة الامريكية لـ”خبرائها” العسكريين الذين كانوا متمركزين في قاعدة “العند” في الجنوب اليمني، ويديرون الحرب بالتعاون مع الجيش اليمني، على تنظيم “القاعدة” منذ سنوات.
من الصعب القول ان مجلس الامن الدولي سيتجاوب مع دعوة الرئيس هادي ويتدخل لوقف “عدوان” مسلحي الحوثي، وانقاذ نظام حكمه وسقوط عاصمته المؤقتة التي لجأ اليها بعد فراره من مقره في العاصمة صنعاء قبل شهر، ليس لانه، اي المجلس، لا يريد وقف “العدوان” وانما لانه عاجز، وصحنه مليء بالمشاكل والحروب الشرق اوسطية، فهناك حرب في ليبيا واخرى في العراق، وثالثة في سورية، ورابعة في سيناء المصرية، علاوة على الحرب الملتهبة في اليمن، فأين سيتدخل هذا المجلس، واين لا يتدخل وكيف؟

الولايات المتحدة الامريكية التي تعتبر القوة الرئيسية الداعمة للرئيس هادي في اليمن تقاتل جنبا الى جنب مع انصار ايران في العراق ضد قوات “الدولة الاسلامية” في تكريت، فكيف ستقف ضد فرعهم في اليمن المتمثل في تيار انصار الله؟ انها معضلة كبرى شديدة التعقيد وتحتاج الى عبقرية اينشتاين الحسابية لحلها، فالوقوف ضد الحوثيين قد يؤدي الى فرط سبحة تحالفها في العراق والحرب ضد “الدولة الاسلامية”.

سيطرت قوات “انصار الله” الحوثية على مطار تعز واقترابها من عدن يعني انها تتقدم بسرعة وتوسع قاعدتها الجغرافية في اليمن جنوبا ونحو الوسط بعد ان سيطرت على العاصمة صنعاء ومعظم الشمال، الامر الذي يذكرنا بتقدم قوات الرئيس علي عبد الله صالح ضد قوات الانفصالين في حرب عام 1994، وهو التقدم الذي انتهى بدخول قوات جيشه مدينة عدن وانطلق منها شرقا الى حضرموت بعد الاستيلاء على قاعدة “العند”، القاعدة العسكرية السوفييتية السابقة التي تعتبر الاضخم والاكثر تحصينا في الشرق الاوسط، فهل يعيد التاريخ نفسه؟

المفارقة ان الخصمين اللدودين في حرب الانفصال عام 1994 وهما علي عبد الله صالح من جهة والسيد علي سالم البيض في الجهة المقابلة يقفان في المعسكر نفسه هذه الايام، اي المعسكر الحوثي المدعوم ايرانيا، الامر الذي يوضح طبيعة المتغيرات السياسية والاستراتيجية المتسارعة في اليمن هذه الايام.

تصاعد الاحاديث عن الحوار كمخرج للازمة ربما يكون من نوع ذر الرماد في العيون وخداع النفس، لان اللغة الغالبة الآن في اليمن هي لغة القوة، وبات من المؤكد ان التحالف الحوثي الجديد الذي يضم الموالين للرئيس السابق وبعض قوى الحراك الجنوبي، بات الاكثر نفوذا وقوة في البلاد، لانه يملك طائرات ومعدات عسكرية حديثة وقوات نظامية مدربة الى جانب ميليشيا عقائدية مسلحة تسليحا جيدا، وفوق كل هذا وذاك الدعم الايراني الواضح والصلب، بينما لا يملك الرئيس هادي غير اطلاق نداءات الاستغاثة، والتأكيد على انه الرئيس الشرعي للبلاد.

وجود الرئيس علي عبد الله صالح في خندق الحوثيين هو الذي رجح كفتهم، ليس لان له انصارا اقوياء، عددا وعدة، في الجيش اليمني والقبائل اليمنية او بعضها، وانما ايضا لان الرجل يملك خبرة طويلة في الحكم، وقدرات عالية على كسب الانصار، وتحييد الخصوم، اذا لم يستطع كسبهم الى صالحه، والا لما بقي في الحكم اكثر من ثلاثين عاما في بلد يصعب حكمه.

اليمن ينجرف بسرعة نحو الحرب الاهلية الطائفية، ومن غير المستبعد ان يتكرر فيه سيناريو العراق بطريقة او باخرى، وتفجيرات المساجد التي وقعت في صنعاء قبل يومين وقتل فيها 137 شخصا وجرح المئات من انصار الحوثيين تعيد الى الاذهان نظيرتها العراقية في بغداد وغيرها التي بلغت ذروتها في الفترة من 2006 الى 2008، فتنظيم “القاعدة” موجود وراسخ، و”الدولة الاسلامية” تبني قواعدها، والسلاح في كل مكان.

ايام اليمن القادمة صعبة ولا تبشر بالخير لابنائه ودول الجوار الخليجي على وجه الخصوص، والامر لا يحتاج الى بلورة سحرية للتنبؤ بهذه النتيجة الدموية المأساوية.. نقوب هذا بكل الم واسف..
“راي اليوم”

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص