الاثنين 25 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
محمود الطاهر
الدور المصري في اليمن
الساعة 12:42
محمود الطاهر


لا يمكن حصر ما يحصل في اليمن اليوم بمجرد خلاف بين تيارين سياسيين، ولا يمكن فصل هذا الخلاف عن الصراع بين قطبين إقليميين متخاصمين؛ لاسيما بعد أن وافق مجلس التعاون الخليجي على طلب الرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي بنقل الحوار إلى الرياض، وسبقها تحركات من طرف الحوثيين لمد جسر التواصل مع إيران، بحسب مراقبين للوضع في اليمن.

إيران الساعية لضم اليمن عبر الحوثيين إلى هلالها الشيعي، والمملكة السعودية الخائفة من هذا الهلال الذي بدا يطوقها من العراق إلى سوريا ولبنان ووصولا إلى اليمن، وبين هذين التوجهين يبدو اليمن عرضة للتقسيم مجددا أو على أبواب تفجير عسكري شبيه بما يحصل في ليبيا، قد تصل شظاياه إلى الوطن العربي لاسيما وأنها نقطة محورية ومفصل مهم للأمن القومي العربي.

مجلس التعاون الخليجي ناقش يوم الخميس الماضي في اجتماعه الاعتيادي، رسالة الرئيس اليمني إلى مجلس التعاون الخليجي طالب فيها نقل الحوار اليمني إلى مقر المجلس في الرياض، حضي بقبول دول الأعضاء.

لكن الدولة المقرر أن تستضيف الحوار وهي المملكة العربية السعودية، تصنف كل من جماعة الإخوان المسلمين في اليمن، والحوثيين، كجماعتين إرهابيتين، وهو ما يعني عدم التعامل معهما أو مع أي قيادة لهاتين الجماعتين، وكذلك الحال بالنسبة للإمارات العربية المتحدة التي تصنف جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، وهو ما يثير العديد من علامات التعجب!

إن دعوة الأطراف اليمنية الراغبة في "وحدة اليمن واستقراره" بحسب ما جاء في المؤتمر الصحفي عقب الجلسة لأمين عام مجلس التعاون الخليجي عبد اللطيف الزياني، إلى المملكة العربية السعودية، تبين عدم جدية دول مجلس التعاون الخليجي لاحتضان كافة الأطراف والتعامل معهم بحيادية للخروج بحل جذري من أزمة اليمن، وهو ما يعني غياب أطراف مهمة في الصراع اليمني..

قد يكون لنتائج قبول استضافة الأطراف اليمنية المتخاصمة في الرياض، وصيغة الدعوة التي وجهت من قبل الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي، محاور عدة تفضي إلى فشل تحقيق أي تقدم لحل الأزمة اليمنية.

الخليجيون تركوا الدعوة مفتوحة وهي " لكل من يريد استقرار اليمن" وهذا يعني أنه وفي حال تغيب الحوثيين "يعتبره الخليجيون أقلية من الأقلية الزيدية"، لا يعني الشيء الكثير.

فالخليجيون وضعوا سيناريو في حالة رفض الحوثيين للحوار في ا لرياض، وهوعقد اجتماع واتخاذ قرارات، ومن ثم نقلها إلى مجلس الأمن، وبالتالي فإن الأخير سيكون أمام امتحان صعب جدا، خاصة بعد أن رفض الحوثي لقرار 1201 الذي أمهلهم 15 يوما، الذي انتهى دون أن يستجيبوا لذلك.

وبحسب السيناريو فإن الخليجيون سيطالبون مجلس التعاون الخليجي بإدراج اليمن إلى الباب السابع وهو باب التنفيذ والإكراه..

للتذكير، فإن أن مجلس الأمن أصدر خمسة قرارات في شأن اليمن، كان أولها في العام 2011 وثانيها في العام 2012، ولم يصدر أي قرار في عام الحوار الوطني في 2013، بينما أصدر قراراً ثالثاً في العام 2014، وتلاه قراران متتاليان في شهري يناير وفبراير الماضيين، بعد أن تفاقم الوضع في اليمن بصورة خطيرة.

ونصّ القرار رقم 2204، الصادر في 24 فبراير، على أن "الحالة في اليمن لا تزال تشكل خطراً يهدد السلم والأمن الدوليين، ويؤكد أن مجلس الأمن يتصرّف بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة". 
ويتألف الفصل السابع من 13 مادة، تُفصّل جميعها الأعمال المتدرجة، التي يُمكن أن يتخذها مجلس الأمن لمواجهة أي أزمة في أي بقعة من العالم، إذا ما ظهر فيها ما يهدد السلم والإخلال به ووقوع العدوان.

وفي الحالة اليمنية، فإن أهم مادتين في الفصل السابع، هما المادة 41 والمادة 42، تُتيح المادة 41 لمجلس الأمن، تقرير ما يجب اتخاذه من تدابير، لا تتطلب استخدام القوة لتنفيذ قراراته، وفي حال لم تنجح الأمور، فإن المادة 42 تُمكّنه من اللجوء إلى القوة لحفظ السلم والأمن، أو لإعادته إلى نصابه.

لكن الخليجيون غير مكترثين بما سيترتب عليه من نتائج كارثية في حال وأن استمروا في تنفيذ السيناريوهات في اليمن، لا سيما وأنها الحديقة الخلفية لهم، والبوابة الرئيسية للبحر الأحمر، وبذلك يملك عقد استراتيجي مهم جدا.. وأمن الخليج سيتعرض للاهتزاز إن استمر الوضع الأمني في اليمن على ما هو عليه، فكيف لو نفذت السيناريوهات الأخرى، منها تغذية أطراف على حساب أخرى، آخرها مطالبة مجلس الأمن الدولي بتنفيذ البند السابع؟

السيناريوهات التي وضعتها دول الخليج ليس من السهولة تنفيذها في اليمن، ولا يمكن إعادة التجربة اللبنانية في هذا البلد المنكوب، لأن ذلك قد يجر إلى صوملة البلاد، ومن ثم تفجير الوضع عسكريًا، أول من ينكوي بنيران ذلك هي المملكة العربية السعودية، بحسابات الجيوسياسية المترابطة بين اليمن وقبائلها، وخاصة المنطقة الشرقية في المملكة.

وفي ظل ذلك تدعو أطرافا يمنية وأخرى عربية جمهورية مصر لإنقاذ اليمن، وعدم تركها لمصيرها المجهول بحكم تاريخهما المترابط منذ القدم، وخصوصا أن القاهرة غير الرياض، فهي تحظى بقبول من قبل كافة الأطراف اليمنية، ومنها جماعة الحوثي.

ويتحدث مسئولين ومواطنين من مختلف الأطياف في اليمن أن الدولة المصرية هي البيت الثاني لليمني، وشعبيهما تربطهما علاقات أخوية متينة منذ المشاركة المصرية في الثورة اليمنية ومساندتها للنظام الجمهوري في السادس والعشرين من سبتمبر عام  1962، مشيرين مرارًا وتكرارًا إلى المساعي الدولية والداخلية إلى تدمير هذه الانجازات، ويشددون على أهمية دور المشاركة المصرية في التصدي لهذه المساعي السوداء.

 ونتيجة لذلك فإنه إذا بادرت جمهورية مصر العربية بدعوة كافة الفرقاء لجلسات حوار تمهيدية في القاهرة، فلن يسمح يمني واحد بفشل الجهود المصرية بل سيسعي اليمنيون، كل اليمنيين، لإنجاح الدور المصري، فمصر تملك رصيدا تاريخيا من التقدير والحب والاحترام من الشعب اليمني، وليست لها مطامع في البلاد، وستكون حريصة على الحفاظ علي اليمن وشعبه ولا تنحاز لأي تيار أو حزب أو قبيلة، وستسعى لتوافق يمني وطني وحل لا يميل لطرف من أطراف الصراع. 

انفراج الأزمة في اليمن ليس ببعيد إذا ما استجابت القاهرة لنداء أهل اليمن، فهم الذين يملكون في الواقع مفتاح الحل، وعندما يسلمونه لمن يثقون به.

صحيح أن دول مجلس التعاون الخليجي تمارس ضغوط غير اعتيادية، ونتيجة لذلك يرجح محللون سياسيون أن يُعقد  الحوار اليمني قبل نهاية شهر مارس الحالي، لاسيما بعد أن أعلن زعيم جماعة أنصار الله الحوثية أثناء لقائه بصحفيين عن اتصالات غير مباشرة مع السعودية لإعادة العلاقة بين البلدين "وفق قاعدة الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وتبادل المنافع المشتركة".

لكن محللون سياسيون يتوقعون فشل تلك المحادثات، نتيجة لما تسعى إليه دول خليجية لأن تقصي أطرافا ضد أخرى في الحوار، وإعادة ما أسموه إنتاج الوضع اللبناني في اليمن.

وينتظر اليمنيون الكثير من مصر دورًا  فاعلًا ومؤثرًا لتقريب وجهات النظر بين كافة أطراف الأزمة اليمنية لما لمصر من مكانة وحضور وقبول لدى تلك الأطراف، ولاسيما أن لمصر مصلحة وطنية وقومية في استقرار اليمن وأمنه والحفاظ على وحدته وباعتبار ذلك يخدم الأمة والاستقرار الإقليمي.

ويعتبر الكثير من المحللين السياسيين أن سحب مصر لسفيرها لدى اليمن في ظروف صعبة تمر بها البلاد كان "خطأ سياسي فادح"، لاسيما وأنها تسعى لأن تعيد دورها المحوري والمؤثر للمنطقة العربية، وكان الأجدر بها أن تعمل على تقريب وجهات النظر لتحل الأزمة في بلد يُعد سياسيًا وجغرافيا وتاريخيًا عمقا استراتيجي لمصر العربية.

ويؤكد الكثير من السياسيين والمحللين اليمنيين، والعرب أن مفتاح حل الأزمة اليمنية يكمن لدى جمهورية مصر العربية، داعيين إياها للتحرك العاجل، بالتنسيق أيضا مع مجلس التعاون الخليجي، لإنقاذ اليمن وانتشالها من الوضع الراهن قبل فوات الأوان. 
(عن محيط)

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص