الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
د/عبدالله أبو الغيث
الساسة إذ يتغزلون بتعز علناً ويهجونها سراً
الساعة 18:54
د/عبدالله أبو الغيث



   لا توجد محافظة يمنية تثير شؤونها ضجيجاً في طول اليمن وعرضها، جنوبها وشمالها، كما تفعل تعز، إنها تتفوق في ذلك حتى على العاصمتين صنعاء وعدن. وربما يعود ذلك لكونها تأتي في المرتبة الأولى في عدد سكانها بين المحافظات اليمنية، مع تمدن أهلها وتعلمهم، وانفتاحهم على كل الرؤى والأيديولوجيات، ونتشارهم في كل ربوع وطنهم اليمني.
   

فتعز تكاد تكون المدينة الوحيدة في اليمن التي يمكن لمختلف القوى السياسية المتصارعة أن تُسَيّر فيها مظاهرات حاشدة مؤيدة لها. وكانت تعز في كل الانتخابات النيابية التي شهدتها اليمن بمثابة المحافظة الوحيدة التي تضخ للبرلمان نواباً ينتمون لخمسة أحزاب، بينما ينحصر تمثيل بقية المحافظات في حزب أو حزبين وربما ثلاثة في حالات قليلة.

   ابن تعز يكاد يكون وحده من لديه استعداد للعمل في أي مكان من وطنه اليمن، ربما يشاركه في ذلك بعض أبناء إب، ويكيف نفسه مع كل البيئات الجغرافية والاجتماعية، يذهب ليعمل فقط ويخدم الناس ويتحصل على لقمة عيشه الحلال بعرق جبينه، بينما غيره لن يخرج من محافظته إلا للعمل مديراً أو مسؤولاً يشخط وينخط ويجمع الأموال الوفيرة. وعل الكثير لا يعرفون بأن تعز تكاد تكون من المحافظات القليلة التي يعد معظم مدراء فروع الوزارات والمؤسسات فيها من غير أبنائها، وتتفوق بهذا أيضاً حتى على العاصمتين صنعاء وعدن، وتكاد لا تنافسها في ذلك إلا الحديدة.

   كل الساسة اليمنيين في سلطات الدولة الرسمية والحزبية، جماعات وفرادى، يتغزلون بتعز ويتغنون بها في خطاباتهم وتصريحاتهم العلنية أكثر مما تغنى الإغريق في (افروديت) معبودة الحب لديهم، فتعز هي اليمن واليمن هي تعز، والصدق في ما يقولون. لكنهم في جلساتهم المغلقة عندما يتحررون من كلفة التمثيل وينزعون عن وجوههم الأقنعة وقشرة المكياج يقوم أكثرهم بتحويل قصائد الغزل تلك إلى قصائد هجاء، ويقولون عنها أكثر مما قال مالك في الخمر.

   يستوي الجميع في ذلك، السابقون واللاحقون، صالح وهادي، الحوثي واليدومي، البيض وناصر، وما ياسين عن ذلك ببعيد، فقط ربما كان الحمدي استثناءً بينهم، لأنه كان صادق السريرة والعلن، وكان يبحث عن كوادر مؤهلة ورجال دولة يكون ولاءهم للوطن مقدماً على الولاء للقبيلة والمنطقة، فوجدهم فيها، لكنه مَثّل لحظة عابرة يتذكرها أهل تعز كحلم سريع غطت عليه الكوابيس المتكاثرة.

   يحضر أبناؤها في المغارم ويتصدرون الصفوف، فهم وقود الثورات التي شهدتها اليمن، لكنهم يختفون أو يتم استبعادهم عند توزيع الغنائم بعد انتصار تلك الثورات، وتحضر توازنات أخرى لتقصيهم وتنبذهم. فقد كانوا على سبيل المثال في مقدمة المدافعين عن صنعاء أثناء حصار السبعين، لكنهم سُحِلوا في شوارعها بعد دحرهم لذلك الحصار حتى يتسنى للنافذين حصر الغنائم بين صفوفهم.

   خصص لهم صالح وحدة خاصة في جهاز الأمن القومي مهمتها تعميم السخرية منهم وابتكار النكت التي تسفههم، وحرض الحراك الجنوبي ضدهم وصورهم وكأنهم العدو الحقيقي للحراك والجنوب بحكم انتشارهم هناك. وتماهت قيادات كثيرة من الاشتراكي مع ذلك وبدأت تسوقه. ومع ذلك فالمؤتمر والاشتراكي عندما يريدون استعراض شعبيتهم لا يتبادر إلى ذهنهم إلا مناصريهم في تعز قبل غيرها.

   ومثلهم الإصلاح وجماعة الحوثي، فرغم أن أبناء تعز كانوا الورقة التي أجاد الإصلاح استخدامها في ثورة فبراير، لكن المناصب والمكاسب التي وزعها بعدها – كما كانت قبلها - ذهبت في معظمها شمالاً صوب أبناء القبائل، بحجة أنهم خط الدفاع الأول تجاه المنافسين. الآن وبعد أن سقط ذلك الخط بشكل دراماتيكي، كيف سيتصرف الإصلاح وتعز تكاد تصبح بمثابة خط دفاعه الأخير.

   أما جماعة الحوثي فعندما أرادت أن تنزل إلى تعز لم تثق بأحد أنصارها هناك وقررت أن تحضر لهم واحد من (أصحاب مطلع) يؤدب المبنطلين، وكذلك لم تجد شخصاً لتعينه مديراً لكلية الشرطة إلا صاحب محرقة تعز، ثم يخرج (السيد) بعد كل ذلك ليتغنى بتعز العز ويدعوها لنبذ الطائفية والمناطقية.

   ولا يخفى بأن أهل تعز يتحملون جزء من عملية إقصائهم تلك، بإخلاصهم الزائد للمبادئ التي يتبنونها، وتفانيهم في العمل من أجلها، وتضحيتهم بالغالي والنفيس لإنجاحها والانتصار لها. وذلك رغم إيجابيته من الناحية النظرية، لكنه يأخذ بعد سلبياً عندما يقاس بصراع محموم يبديه غيرهم للهيمنة والاستحواذ.

   وعلكم تتذكرون نكتة الثلاثة الذين أراد صالح - يوم كان رئيساً - مكافأتهم على إخلاصهم له، فطلب صاحب صنعاء أموال وأملاك كثيرة، واكتفى صاحب تعز بطلب وسام وشهادة تقدير، فما كان من صاحب عدن إلا التمني على الرئيس بأن يمكنه من أن (....) صاحب تعز ووطنيته الزائدة. تذكرت تلك النكتة وأنا أقرأ قبل أيام بأن الوفد التعزي الذي زار هادي في عدن رفض استلام ثمن الغداء منه كما تفعل بقية الوفود، وقالوا نحن لم نحضر من أجل الغداء ولكن من أجل الوطن.. ضحكت وقلت: تلك هي تعز بالضبط ، فإن شئتم فامدحوها أو ذموها كما هي، فمن الصعب تغيير ثقافة أهلها المتجذرة.

   خلاصة القول: ساسة اليمن بمختلف ألوان طيفهم يريدون الاستفادة من أهل تعز، بالزخم الشعبي الذي يمثلونه، وحضورهم الوطني في عموم الساحة اليمنية، ويرغب كل منهم بالاستحواذ على تلك المزايا لنفسه، وإن كان ذلك غير ممكن لأي منهم في اعتقادنا. لكنهم في المقابل يخشون منافسة كوادر تعز المؤهلة، وانطلاقهم في العمل من منظور وطني، وهو ما يعري تعصب هذا الطرف أو ذاك ويبدي عجزه عن المنافسة وفقاً لمعايير سليمة.. وتلك معضلة يصعب حلها في إطار آليات العمل والتعامل المتداولة في اليمن، على الأقل في المدى المنظور.

   في الأخير يظل أبناء تعز مثلهم مثل غيرهم من اليمنيين والبشر أجمعين، فيهم الصالح وفيهم من هو غير ذلك، لكنهم يَفْرِقُون عن كثير من بني وطنهم أن معظمهم يتعاملون مع وطن قبل أن يتعاملوا مع منطقة أو قبيلة أو أسرة، ونحسب أن تلك ميزة سوف تكرس الولاء الوطني في اليمن إن استفدنا منها وعملنا على تعميمها على بقية أبناء المحافظات الأخرى، بدلاً من التكالب عليها وتشويهها وتخويف الآخرين منها كما هو حاصل الآن.

   همسة أخيرة في أذن ساسة اليمن: المطلوب منكم فقط أن تتعاملوا مع محافظة تعز وكل محافظات الوطن الأخرى بوجه واحد، بحيث تكونون قادرين على الدفاع عن وجهة النظر التي تتبنونها، بغض النظر كانت مدحاً أو قدحاً، غزلاً أو هجاءً، المهم أن تتوافق سريرتكم مع علانيتكم.. ساعتها فقط لن يخشى أي منكم من مضمون أي مكالمات أو حوارات خاصة به يتم تسريبها.

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً