الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
د/عبدالله أبو الغيث
من سيطارد الآخر هادي أم الحوثي؟!
الساعة 18:38
د/عبدالله أبو الغيث


   تمكن هادي يوم أمس السبت من الهروب من قبضة الحوثي ووصل إلى مدينة عدن، ومن سوء حظ اليمن أن ذلك الحادث قد تصادف مع خلو الساحة العربية والعالمية من حدث مهم، فتفرغت الفضائيات العربية (ومحللوها) لنفخ الكير في اليمن، ونسأل الله أن يشغلهم بحدث ما كما أشغلهم بموت الملك عبدالله يوم إعلان الرئيس هادي لاستقالته، وذلك ليتمكن أهل اليمن من تقديم حل للخروج من مأزقهم الذي صار يهدد بانهيار الكيان الهش للدولة اليمنية برمته.
   

وأعتقد أنه ليس مهماً أن نشغل أنفسنا بأسئلة من مثل: هل كان الحوثيون محاصرون للرئيس هادي في صنعاء أم كانوا فقط يؤَمنون حمايته كما يقولون؟ وهل غادر هادي صنعاء بموافقتهم أم رغماً عنهم؟ وهل خرج متنكراً أم بصورة طبيعية؟ ومن هي الجهة أو الجهات التي خططت للهروب أو ساعدت على إتمامه؟ وعلينا بدلاً من كل ذلك أن نتعامل مع حقيقة واحدة مفادها أن الرئيس هادي قد صار في عدن، وأن ما بعد يوم خروجه من صنعاء سيختلف بالتأكيد عما قبله.

   والسؤال الذي يجب أن نطرحه هنا، هو: ما طبيعة ذلك الاختلاف؟ وكيف نجعله يسير في الطريق الصحيح لما فيه مصلحة كل أبناء الشعب اليمني من صعدة إلى المهرة، ونمنع الدعوات المتشنجة من هذا الطراف أو ذاك لإشعال صراع دموي! وكأننا لم نشبع من رؤية حمرة الدماء بعد، ونصمم أن نرى المزيد منها!.. فعلى رسلكم يا هؤلاء فالحروب ليست نزهة، ولنا في أحداث الصومال والعراق وسوريا وليبيا وغيرها من البلدان عظة وعبرة.

   علينا جميعاً أن نلجم شياطين الجن والإنس ولا نسمح لها بأن تتحكم بزمام القيادة، وأن نتذكر بأن أبناء اليمن هم أهل الإيمان والحكمة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكذب ولا ينطق عن الهوى. فهروب هادي واستعادته لسلطاته الشرعية صار أمراً واقعاً، وسيطرة الحوثي على العاصمة صنعاء ومعها كثير من المحافظات صار أمر واقع أيضاً، ولكل منهما قوته القتالية والسياسية، ولجوء أي منهما للتفكير بحسم الموضوع بشكل عسكري جريمة؛ تتمثل مهمة جميع الحكماء في وقفها بكل الوسائل.

   فنصرة الرئيس هادي لا تكون بعرض خدماتنا القتالية عليه لإنهاء التمرد الحوثي كما فعلت كثير من القبائل والقوى، فالواقع يقول بأن الحوثي ليس فأرا صغيراً يسهل القبض عليه أو إعادته إلى جحره، وبالمقابل فأبناء الجنوب ليسوا شقاة مع الحوثي سيخرجون ليسلموه هادي كما ردد ناطقوه بشكل ساذج طوال يوم أمس في حواراتهم مع القنوات الفضائية.

   فالحل إذاً لا يكمن باتخاذ خطوات انفرادية من صنعاء أو عدن، وستكون خطوة غير محسوبة العواقب أن رد الحوثيون على هروب هادي باتخاذ إجراءات لفرض إعلانهم (الدستوري)، فهم يدركون قبل غيرهم بأن خطوة مثل هذه إنما ستعزلهم داخلياً وخارجياً في جزء من أرض اليمن، وإذا كانوا قد عجزوا عن تنفيذه والرئيس هادي مقدم لاستقالته ومحاصر بعساكرهم، فهم أعجز عن تنفيذه بعد خروجه من صنعاء.

   وفي المقابل فالحل لا يكمن في إعلان صنعاء عاصمة محتلة وحصار الحوثي في إقليم آزال كما يطالب البعض، لأننا نعرف أن ذلك لن يؤدي إلى حل المشكلة لكنه سوف يفاقمها، وستكون نتيجته إعادة تقسيم اليمن من جديد؛ ولكن هذه المرة على أسس مذهبية وليست جغرافية، ما سيقودنا إلى حروب طائفية سيكون لها بداية ولن يكون لها نهاية.

   على أنصار الرئيس هادي أن لا يتصرفوا وكأنه ملاك منقذ هبط من السماء فهو جزء من المشكلة ويتحمل كثير من وزر وصولنا إلى هذه المرحلة من التشظي، وإن كان ذلك لا يقدح من شرعيته بكونه رئيساً منتخباً. ومثله الحوثي الذي عليه أن يوقف حديثه عن الشرعية الثورية التي يتحتم عليه تنفيذ أرادتها، وأن لا يقدم نفسه بأنه الشعب! فهو يعرف بأن أحد لم يعد يصدقه، بمن فيهم كثير من الذين تمترسوا معه في شارع المطار وعدوه فارس اليمن القادم، لكنه أحرق كل أوراقه أمامهم بشكل لا يحسد عليه.

   خلاصة القول: الحرب ليست نزهة، والحل لا يكمن فيها مطلقاً، والدمار الذي تخلفه الحروب يبدأ بطلقة طائشة يطلقها متهور أو أحمق، وسيلعن التاريخ والشعب والرب من فوقهم من سيتخذ الخطوة الأولى صوب جر اليمن إلى حروب أهلية لا يعلم إلا الله حجم الفضائع التي ستخلفها. فلنحافظ على الشعرة التي ما زالت تفصلنا عن ذلك المصير المأساوي المدمر للجميع، ولن ينجو أحد منه حتى أن أوهمتنا (الشياطين) بعكس ذلك.

   والبديل لكل ذلك إنما يتمثل باستمرار المفاوضات التي كانت قائمة في موفنبيك صنعاء، مع إضافة ممثلين للرئيس هادي إليها، ونقلها من صنعاء، ولكن ليس إلى عدن فهي لم تعد طرفاً محايداً بمنطق الحوثي، كما هو حال صنعاء بمنطق هادي، وربما تكون تعز هي نقطة الوسط لاجتماع المتفاوضين سواء من الناحية الجغرافية أو الناحية الموضوعية.

   آخر الكلام: انقطاع المفاوضات يعني اشتعال الحرب، واشتعال الحرب يعني تشظي اليمن إلى أشطار قد لا يكون بمقدورنا عدها ورسمها على الخريطة، وذلك سيكون بعد أنهار من الدماء ستخلف جراحات لا يمكن لها أن تندمل، فيلجم كل منا شيطانه، وليحكم عقله، فالعقل هو الزينة والهبة التي ميز بها الله بني آدم عن سائر المخلوقات والبهائم.

   ومن سيلجأ للتفاوض ويرفض اللجوء إلى العنف هو الذي سوف يتمكن من مطاردة الآخر، وذلك الآخر هو الذي سيخسر كل شيء في نهاية المطاف، مع أن الكل سيكونون في مقام الخسارة.

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً