الاثنين 25 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
وفاء صندي
الملك سلمان على خطى اسلافه
الساعة 17:49
وفاء صندي


في ظرفية اقليمية ودولية صعبة واستثنائية انتقل الى رحمة الله العاهل السعودي عبدالله بن عبدالعزيز، الذي تم وصفه بالملك العصري وصانع السلام والملك البناء والمصلح وصاحب مرحلة تحولية، ليتربع على عرش المملكة الملك سلمان بن عبدالعزيز، أمين سر العائلة ورئيس مجلسها والمستشار الشخصي لملوك المملكة، الذي تنتظره ملفات ساخنة سواء في الداخل او اساسا تلك المتعلقة بالسياسة الخارجية السعودية، والتي بدأ الحديث منذ اول يوم عن تغيير مرتقب في استراتيجيتها بعد سلسلة القرارات التي تم اتخاذها عشية وفاة الملك عبدالله، ومنها تنصيب الأمير محمد بن نايف وليا لولي العهد بدل الامير متعب بن عبدالله الذي تربطه علاقات شخصية وطيدة بحكام الامارات، وإعفاء خالد التويجري، الرجل القوي في الديوان الملكي للملك عبد الله، من جميع مناصبه، وهو المواطن، الذي يعتبره امراء السعودية، تجاوز حدوده ليتحول من منفذ للقرارات الى صانع لها وصاحبها في الكثير من القضايا التي تخص الدولة والاسرة.

وفي الوقت الذي حضر مراسيم تشييع جثمان الملك عبد الله امير قطر والرئيس التركي رجب طيب اردوغان غاب عنها رئيس دولة الامارات الشيخ خليفة بن زايد وشقيقه الحاكم الفعلي محمد بن زايد، صديق وحليف الامير متعب بن عبدالله المعزول من منصبه، في حديث عن بوادر فتور في العلاقات بين السعودية والامارات. فيما ارجع غياب الرئيس عبدالفتاح السيسي عن جنازة الملك الراحل، وان كان قد ذهب بعد ذلك لتقديم واجب العزاء، الذي كان له خير سند سياسي ومالي والمعروف ايضا بدعم التويجري له ولثورة 30 يونيو، الى احتمال تراجع السعودية، في شخص حاكمها الجديد، عن دعم مصر السيسي. بل واكثر، هناك حديث عن توقف السعودية عن التدخل ودعم الثورات المضادة، ومن ثم تقليص دعم الأنظمة الناشئة عنها ماليا، مقابل الحديث عن مصالحة واعادة تنظيم علاقات السعودية بالحركات الإسلامية في المنطقة وعلى رأسها الإخوان وقبولها لحركات الإسلام السياسي المعتدلة لتقويض النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط وتوغل الجهاديين، وإيجاد حل للصراع في سوريا والعراق وليبيا ومصر، بالتفاهم مع الإخوان والتفاوض مع قطر وتركيا.

والحقيقة أن الانقلاب الذي حدث داخل القصر الملكي السعودي لا يعني الانقلاب على السياسة الخارجية السعودية، ليس فقط لأن سياسة الملك عبد الله بعد 2011 كانت مبنية اساسا على حماية السعودية من ان تصلها رياح التغيير، فانصبت تحركاتها على وقف وتعطيل الربيع العربي في تونس ومصر، واخماد الحراكات والتصدي للقوى القادرة على القيام بمعارضة فعالة في دول الخليج، واسقاط جماعة الاخوان المسلمين في مصر والتي كانت تحاول اقامة نظام منافس للسعودية، ولأن المحافظة على الاستقرار هي من اولويات الملك الجديد. ولكن ايضا لأن الخطر الذي كان قائما منذ 2011 لا يزال مستمرا الى اليوم، ويتمثل هذه المرة في خطر داعش الذي يهدد شمال المملكة، والتمدد الايراني في الشمال والجنوب السعودي، عن طريق العراق واليمن والبحرين، وتحول ليبيا الى ارض خصبة للارهاب وايواء الارهابيين، مما يعني حاجة السعودية الى استمرار في تنسيقها مع حلفائها، ومصر بالتحديد، وعدم السماح بأي فتور في علاقتها مع الاشقاء الخليجيين، والامارات بالتحديد.

نقطة ثانية اساسية، وهي  ما عبر عنه العاهل السعودي في اول كلمة له بعد توليه العرش، حيث أكد أنه سيواصل السير على خطى اسلافه وان لا تتغير السياسة السعودية. والمقصود هنا، في اعتقادي، ليس فقط السياسة الداخلية ولكن الخارجية ايضا. اولا، لأن سياسات المملكة هي تقريبا ثابتة ولاتتغير. ثانيا، لأن الملك سلمان كان مهتما بالشأن السياسي الخارجي لعقود طويلة، وكان جزءا من صناعة القرار، وأحد اركان الحكم السعودي كونه كان له مقعدا في اللجان العليا التي تعد القرارات الرئيسية في المملكة.

ومعروف ان مؤسسة الحكم في السعودية تتميز بمجموعة من الخاصيات اهمها التشاور فيما بينها ومع الجهات الحكومية قبل اتخاذ أي قرار، وان كان الحسم فيه لملك البلد، مما يعني ان سياسات الملك عبدالله لم تكن بعيدة او غريبة عن ارادة الملك سلمان وهو العالم بها وبمبرراتها. وبالتالي متوقع ان تكون هناك استمرارية في معظم جوانب السياسة الخارجية السعودية، مع اضفاء بعض الخصوصية للحاكم الجديد، ولكن ليس القطيعة او الانقلاب خصوصا على النظام الحاكم في مصر كما يتوقع او يتمنى البعض.

اما زيارة اوباما للسعودية فيمكن قراءتها على انها تأكيد على استمرار السعودية في نفس نهج سياستها الخارجية، خصوصا لما خرج منه لقاء قائدا البلدين من نتائج اهمها التأكيد على تواصل التحالف بين البلدين في الحرب على التنظيم الارهابي “داعش”، والتأكيد على الجهود المشتركة لمكافحة الارهاب والتطرف بكافة اشكاله. وما يمكن استنتاجه من اتفاق بخصوص حماية مصالح الدين الإسلامي وشعوب المسلمين، من خلال قيادة الحرب على المتطرفين والإرهابيين (من دواعش وجبهة نصرة وقواعد وحوثيين واخوان (كما تم تصنيفهم من المملكة قبل سنة)).

ومع ذلك تبقي كل هذه القراءات مجرد تكهنات في انتظار ما سوف توضحه الأيام القادمة التي ستشهد نقاط تماس هامة في مسار السياسة الخارجية السعودية. لكن الاكيد ان ملفات وقضايا كبيرة وثقيلة تلك التي تنتظر الملك سلمان، المعروف بقوته وحكمته ايضا، وهي تمتد من ازدياد المد الشيعي في المنطقة، الى اتساع رقعة الارهاب، الذي بات يهدد العالم اجمع، الى الازمة السورية واليمنية وملف العراق، مما سيجعل من فترة حكم الملك الجديد فترة صعبة وحاسمة يتنظر فيها المحافظة على الاستقرار مع تنفيذ إصلاحات اجتماعية واقتصادية داخليا، والمحافظة على التوازنات والمصالح خارجيا.
رأي اليوم كاتبة مغربية

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص