الاثنين 25 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
عارف أبو حاتم
استقالة هادي ابتزاز لمستشاريه ودول الجوار
الساعة 03:01
عارف أبو حاتم

رافقت استقالة الرئيس اليمني هادي وحكومة المهندس خالد بحاح ضجة إعلامية مهولة وسخط شعبي عارم تجاه سلوك الجماعة الحوثية، فهذه مليشيا مسلحة تتسبب في استقالة رئيس دولة وحكومتين في أربعة أشهر فقط.

لكن لا أحد في الداخل اليمني يطالب هادي بالرجوع عن قراره غير الجماعة الحوثية التي تشكل تهديداً وضغطاً عليه للتراجع عن استقالته لأنها لن تجد رئيساً منحنياً كهادي، فقد مكنها من السيطرة على مفاصل الدولة، وفكك لأجلها المؤسستين العسكرية والأمنية، وتركها تتوسع في كل محافظة أرادتها، وسمح لها بالسيطرة على الأجهزة الأمنية والرقابية.

لقد عين هادي لها من قيادت جماعة الحوثي من تشاء في مؤسسات الدولة، وصرف لها مئات الملايين في السر والعلن، وعطل مؤسسات الدولة لأجل حضور مليشيا الحوثي المسلحة، ووفر غطاء شرعياً لكل خطوة حوثية، وأقحم الجيش في حروب الحوثيين كما فعل في البيضاء، حتى تحول هادي في نظر الحوثيين إلى أقل من موظف يحمل ختم الرئاسة.

التواطؤ المفتعل
ليس هناك ما يعبر عن استياء أو غضب أبداه الرئيس هادي تجاه الجماعة الحوثية، ومنذ توليه السلطة وحتى اللحظة لم يُصدر قراراً واحداً ضد السلوك المليشياوي، بل إنه يسير موازياً لرغبات الجماعة الحوثية، وأحياناً يمهد لها الطريق ويوفر لها فرصة الاحتجاجات المتبوعة بالاقتحام والتوسع، كقرار رفع الدعم عن المشتقات النفطية بصورة مجحفة جعلت البنك الدولي نفسه يبدي مخاوفه منها، ووفر بذلك ذريعة للحوثيين لإسقاط العاصمة، والتخلص من خصومهم السياسيين والعسكريين، وبعدها تراجع عن تلك الأسعار المجحفة.

ومنذ اختطاف الجماعة الحوثية لمدير مكتب رئاسة الجمهورية في 17 من الشهر الجاري وحتى اللحظة يرفض هادي أن يُصدر بياناً يدين فيه اختطاف مدير مكتبه؛ فهل هناك سلبية وعدمية أكثر من هذه؟!
ثم أعقب ذلك هجوم حوثي عنيف على القصر الرئاسي وألوية الحماية الرئاسية طوال نهار 19 يناير/كانون الثاني، وانتهى الأمر بسيطرة تامة للحوثيين على معسكرات الحماية الرئاسية (من بينها اللواء الأول واللواء الثالث حرس جمهوري سابقاً، الذي كان يقوده العميد طارق نجل شقيق الرئيس صالح).

هل يعقل أن خمس أو عشر سيارات تحمل مسلحين حوثيين تتمكن من السيطرة على اللواء الثالث وهو الأقوى في اليمن؟ وكيف يسيطر هذا الكم الضئيل من المسلحين على 230 دبابة من طراز T82 القادر على فصل الرأس عن الجسد من بُعد عدة كيلومترات؟
الحقيقة لم تكن غير توجيهات رئاسية صدرت بالتسليم الكامل للحوثيين، فقد قال هادي لقيادي حوثي رفيع إن اللواء الثالث لا يزال يتبع صالح ولذا سأسلمه لكم، وعليكم أن تتواجهوا مع "السناحنة" (نسبة إلى سنحان منطقة الرئيس السابق).

وكعادة الحوثي الذي يكسب دائماً من غباء الحكام الذين بلا خيال؛ فقد ابتلع عتاد الحماية الرئاسية ووضع يده المسلحة على القصر الرئاسي وما حوله من مرتفعات إستراتيجية، ثم عاد ليقتحم منزل هادي ويهينه في عقر داره!
ومنذ فجر الأربعاء 22 يناير كان رأس هادي في قبضة اليد الحوثية، فقد اقتحموا منزله بعد معارك استمرت ثلاث ساعات قتل فيها 11 من أفراد أسرته وحراسه وجرح 38 آخرون، بحسب تأكيد مستشاره سلطان العتواني.

أعلن هادي بعدها بثلاثة أيام استقالته احتجاجاً على تعنت الحوثيين في مطالبهم التي بدأت بفرض نائب للرئيس ونائب لرئيس الحكومة، وتعيين قادة عسكريين في مواقع كبيرة، والتوجه بجيش الدولة وطيرانها الحربي نحو محافظة مأرب النفطية، وتصفية رجالها البدويين المسالمين، وتمشيط الطريق أمام عربات الحوثي الآتية لتصفية الخصوم السياسيين وتفجير بيوتهم.

استقالة هادي
لم تأتِ استقالة هادي احتجاجاً على إسقاط الحوثيين لعمران ونهب أسلحة اللواء 310، ولا احتجاجاً على إسقاط العاصمة، ولا بسبب توسعهم في 10 محافظات، ولم تكن تعبيراً عن غضب بسبب اقتحام القصر الرئاسي أو محاصرة رئيس الحكومة، أو بسبب اقتحام بيت هادي وقتل ذلك الكم من أفراد أسرته وحراسه، وإنما جاءت الاستقالة احتجاجاً على مطالب الحوثيين، خاصة ما يتعلق منها بقيادة الدولة للحرب في مأرب، التي اعتبرتها السعودية جزءا من أمنها الداخلي.

ويمكن أن تُقرأ استقالة هادي على أنها جزء من عملية ابتزاز وضغط يمارسه ضد مستشاريه من قيادات الأحزاب أو دول الجوار ليضعهم بين حدين: إما أن تقبلوا بمطالب الحوثيين، أو يكون البديل هو الفراغ الدستوري والانفلات الأمني والاحتراب الداخلي.

وإذا لم يعره أحد اهتماما أو يجد مطالبة بالعدول عن قراره، فسيعود بذريعة أن ضغوطاً دولية وشعبية مورست عليه للتراجع عن قرار الاستقالة، وسيبحث لنفسه عن مخرج بلا قيمة، بدلاً من أن يطالب القوى المحلية والدولية بالضغط على الحوثي للتخفيف من مطالبه غير المشروعة، وتشذيب سلوكه المليشياوي.
سيفعل هادي المحال من أجل شركائه في الخراب من الحوثيين، يقدم لهم كل خدمة جليلة ويقدمون له الشتائم والمهانات في وسائل الإعلام، ويصمت هادي تحت ضغط الوثائق التي يملكونها بشأن قضايا فساد ونهب أموال بمئات ملايين الدولارات، مارسها هادي ونجله المثير للجدل جلال هادي.

وفي الجبهة السياسية الداخلية فقد كانت الاستقالة محط سخرية ولا مبالاة، ولا أدل على ذلك من إعلان رئيس الدولة استقالته (وقبلها بساعات أعلنت استقالة حكومة بلاده) عشية الجمعة، ويرد البرلمان بأنه سينظر في استقالة الرئيس يوم الأحد، وهو اليوم الذي غادر في عشيته رئيس البرلمان إلى السعودية لتقديم العزاء في وفاة الملك عبد الله، وفي اليوم التالي يُصدر البرلمان بلاغاً عن تأجيل جلسة النظر في استقالة الرئيس إلى أجل غير مسمى.

أما صالح -الذي أوعز لصديقه ورجله الأمين رئيس البرلمان بالذهاب إلى السعودية- فهو نفسه من أوفد الأمين العام لحزبه إلى صعدة للتفاوض مع الزعيم الحوثي بشأن ترتيب الوضع الرئاسي بعد استقالة هادي، في حين كانت السعودية -وهي دولة مؤثرة في صنع القرار اليمني- منشغلة بترتيب شأنها الداخلي بعد وفاة الملك.

الأحزاب الراضخة للسلاح
يجب توجيه التحية لأمينيْ الحزب الاشتراكي عمر السقاف والحزب الناصري عبد الله نعمان لموقفهما الرافض للتفاوض مع المبعوث الأممي جمال بنعمر (تذكروا فقط أن بنعمر جلس في صعدة خمسة أيام حتى يكمل الحوثي مهمة إسقاط العاصمة).

وعلى أحزاب "اللقاء المشترك" أن تتصرف كما يتصرف الضعيف القادر ولا تتحرك كالقوي العاجز، عليها رفض الجلوس مع مليشيات مسلحة، ودعوة أنصارها إلى الالتحاق بالساحات ولو شكلياً. أحسنوا التقاط اللحظة التاريخية، على الأقل ادفعوا بـ"المشترك" في اتجاه إصدار بيان لأنصاره للالتحاق بساحات التغيير وميادين الاعتصام، لا تسمحوا للوضع المليشياوي بالتمدد والتوسع.

سأكرر لكم السؤال الذي قلته قبل أشهر: لماذا توفرون الغطاء الشرعي للحوثيين؟ ولماذا تعلنون صراحة الانحياز إلى صف هادي وأنتم تعلمون خيانته للمسؤولية وتفكيكه للجيش وتسليمه مؤسسات الدولة للمليشيا؟ تصرفوا كسياسيين أذكياء، ومن المناسب أن تغضوا الطرف عن أي إشارة لمن تصفونه بـ"الرئيس".

قولوا له: ابحث عن ضغط خارجي يخرجك من مأزق أنت من وضعت نفسك فيه!
التقطوا فرصة أن السعودية باغضة للحوثي، وتعتبر مأرب جزءا من أمنها الداخلي،
الحقوا والتحقوا بذوي الصدور العارية في المعتقلات، دعوا الحوثي يمارس التعري الأخلاقي في كل ساعة، ولا تتركوه يهدأ ساعة واحدة، قولوا للعالم الخارجي إن مليشيا تسببت في استقالة رئيس دولة وحكومتين في أربعة أشهر فقط.

لقد كان "المشترك" بالأمس الرافعة السياسية لثورة فبراير، واليوم تحول إلى عورة في العمل السياسي يجب سترها.
المصدر : الجزيرة

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص