الاثنين 23 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
أحمد طارش خرصان
صديقي الذي فقَدتٌّه
الساعة 02:31
أحمد طارش خرصان


إنفجار آخر وضحايا بالعشرات ،وجرحى لن تتسع لهم مشافي البلد - كما هو معتاد- في مثل هذه المجازر والكوارث المروّعة. 

إزدحمت صفحات التواصل بمشاهد الضحايا ، كما ازدحمت القلوب بالوجع والحزن والدموع .
يتوغل الحزن في مساءاتنا المعتمة، ونهاراتنا المزدانة بالموت والإيمان. 
يحصد الجهل ضحايا جدد ، ويقتطف الموتورون أناقة الحلم ، وبدوافع سيكون من بينها الإنتصار لله، والذود عن الدين وقيمه وتعاليمه. 

ها هم يتراشقون - ومن خلف المتاريس -بأرواح الأبرياء ، وسيجدون الوقت الكافي لمطالبة الدولة أن تتحمل مسؤوليتها في حماية المواطنين ، مبدين تذمرهم من تقاعس الدولة وعدم تعاونها مع كافة الجهود المبذولة لحفظ الأمن والإستقرار. 

بين الإيمان والإيمان المضاد يقف اليمنيون على حافة بركانٍ ، ها نحن نفتتح عامنا الجديد بمجزرةٍ ، ستكون البداية لوطنٍ..،سنصحو لنجده وقد أضحى عبوة ناسفةٍ في يد معتوه ، يعتقد وبإيمان فائضٍ أنه قام بما يتوجب عليه. 

يبدو أن معركتنا مع الإرهاب ستطول، وبالقدر نفسه مع محاولات السطو على وظيفة الدولة وسيادتها ، وحقها الحصري في إمتلاك القرار ومحاربة الإرهاب والعنف. 
تتواجد القاعدة منذُ وقت طويل وبشرعية مغلوطة ، أساءت للإسلام كديانة سماوية، خرجت - بفضل هؤلاء - عن وظيفتها الحقيقية وحادتْ بممارساتهم عن هدفها ، والذي كان الإنسان محور هذا الهدف ، وبما يمنحه الحياة....لا الموت والعنف والدمار. 

لم يترك الإرهاب لنا فرصةً، لإلتقاط أنفاسنا ، ولم يعد بوسع أحدنا إحصاء وتذكر الضحايا ، غير أن بوسعنا الجزم من أن قاتلاً عَلِقَ بحياتنا ، ومرَّر موتاً باتجاه الأبرياء .
كيف يمكن - لمثلي - أن يقاوم شتاءات الموت وجولاته التي لن تنتهي ..؟
ومن أين لي وأنا أقف مواجهاً الفاجعة ، أن أعرف من الذي طالته يدُ السوء ، ولاكته
لوثات حمقٍ إستوطنتْ - دون أن ندرك - عقليات تالفة ومعطوبة...؟

يحاول البعض تجريدك من كل قيمك ومبادئك ، ومحاصرتك بخبث ولؤمٍ ، وبما يمكِّنه من جعلك أعزلاً حتى من أخلاقك، وكأنك أحد المتواطئين مع الموت ، لا أحد النّاجين من قبضته وسطوته الموجهة. 

يموت صادق الشراعي ببدلته وروحه الأنيقة، تاركاً متكأه في القلب ، لحشائش وفطريات سامة ،ما تلبث أن تفتك بي، وكأنني الكولونيل في رواية( ليس للكولونيل من يكاتبه) لغارسيا ماركيز. 

لقد عاش صادق الشراعي حياته واضحاً ، وشفافاً كصوفيٍ أدرك القيمة الحقيقية للمحبة، فعاشها سلوكاً ووممارسةً في مجتمعٍ ، آثر التعامل مع مثل هذه القيم والأخلاقيات بمقاييس مادية تعتمد على مدى ما ربحه أحدنا أو خسره في هذه الحياة. 

لم أعد أتذكر اللحظة التي جمعتني بالشهيد صادق الشراعي ، وكلّ ما أتذكره الآن أنه كان صديقي ورفيق دربٍ ، كم كنت أتمنى أن نكمله معاً ، كطفلين كلّما تشاجرا ،أحسَّا بحاجتهما للتصالح فسارعا إليه.
بين منزله على طريق بعدان، وبين مقر التنظيم الوحدوي الناصري وبين ساحة خليج الحرية ، توزعت أحلام الشهيد صادق الشراعي وآماله وطموحاته ، وامتلك من نُبْل القيم ودماثة الخلق ، ما مكَّنهُ من التوفيق بين مسؤولياته تجاه أسرته وتنظيمه ومجتمعه . 

في حياة صادق الشراعي رحمه الله ، ما يمكن الحديث عنه( سيرته... نزاهته.... إيمانه العميق بمبادئه... تدينه وعلاقته بالله.... نظافة يده وضميره..... طموحه النبيل..... أحلامه البسيطة... ضحكته الصافية إزاء مشاكساتي له... والرفقة الجيدة التي منحني إياها ). 

لم يكن الشهيد صادق الشراعي سوى نموذج جيد لرجلٍ نذَر حياته للوطن، فعاشه بمقاسات مبادئه وانتمائه للقيم والمُثل الناصرية الحقّة دون تطرفٍ أو غلوٍ ، ولقد أتقن دوره في الحياة متّشحاً بقيمه النبيلة وطيبته غير المصطنعة، إذْ لم يكن بارعاً في لعب الأدوار المضادة لشخصيته وسيكولوجيته .

مات صادق الشراعي رحمه الله - كأي ناصريٍ شريف - مكتملاً بمظلمة بلدٍ ..، وجد نفسه- أسيراً - في قبضة الميليشيات المسلحة وأنصار المُقَدَّسْ .

أدرك أنني أخفقت في الواجب الذي علي لكتابة مايشبه مرثيةً في وداع رفيق درب ، كل ما يمكن القول عنه : إنّه كان إنعكاساً جيداً لتربية صالحة، وبساطةٍ متقنة.

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً