الاثنين 25 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
أحمد طارش خرصان
عن الإنحطاط في مجزرة إب
الساعة 17:26
أحمد طارش خرصان



ربما هي المرَّة الأولى، وقد لا تكون الأخيرة -كما أعتقد - تبعاً لواقع الحال المكتظ بالمتاريس والأحقاد المتوارثة ، إذْ كنت والموت وجهاً لوجه وفي مساحة لا تتعدى لحظة جنون مقدسةٍ ، لم يكن الموت فيها بخيلاً وقد ترك ما سيذكر وطناً ومدينةً بِهِبَتِهِ الكريمة وسخاءه الفائض. 
يحدث في أحايين كثيرة أن يدسك القدر في جيب الحظ قبل أن تستنشق روائح الجثث، وتلتهمك غطرسة البارود، في مهمةٍ قد تبدو مقدسةً لدى منفذيها ، ما يعكس حالة الإنتكاس الحقيقية للعقل وتفوق العقليات( المستلبة) ، كتوصيف صائب لتلك التبعية ، والتي لم تجد الوقت الكافي لتجاوز الإنهيار والوقوع في مصيدة الإساءة للدين والحياة.

إنفجر المكان وتطايرت الأشلاء، وأحسستُ بفداحة ما سيكون في قادم الأيام ، ولم أكن لأُفكر حينها من الفاعل ومن السبب؟
غيرَ أن قاتلاً موتوراً أجْبرَنا أثناء التدافع لأن ندوس بأقدام الهلع كتب المعرفة ، عبر بوابة المركز الثقافي المتصلة بصالة المكتبة والتي تهشمت بفعل ضغط الفزع والرعب، الباحث عن حياة ليس من بينها دويّ ذلك الإنفجار ، ومشهد الكتلة النارية وألسنة اللهب المصاحبة للإنفجار. 
تسلّق الناجون أسوار المركز الثقافي، وكنت أتأملهم بملامح من يراقب تدفق الموت على أسوار مدينة مكتظة بالعزل والمسالمين. 

لم يتبقَّ شيء ،وكل ما ظلّ يكاد يختزل في صورةٍ ، لم تعُد معنيةً بترقيع التشوهات التي ملأت وجه إب، والتنصل من تبعات ماحدث ، بإلقاء اللوم على تنظيم القاعدة ( أنصار الشريعة) كخطرٍ وداءٍ متأصل ، يكاد يلف حياة اليمنيين وحلمهم البسيط بوطنٍ ، يقف أطفالنا في طوابير الصباح وبحناجر - غير متسخة- ليغنوه : رددي أيتها الدنيا نشيدي....... .

حاولت جاهداً تجنب الفهلوة واللعب على منطق( من السبب؟) الحوثي أم المولد النبوي... حد قول العزيز محمد عايش في مقاله الخميس 2015/1/2م ، كي لا أدخل في خانة ( الأدنى إنحطاطاً) ، والذي عدَّه العزيز محمد عايش تبريراً لهذه المجزرة متى سأل أحدنا من السبب؟
كيف للعزيز محمد عايش أن يتفهم وجعي وفقْدي ومدينة إب لأجمل مافي إب من (شعراء..- نشطاء وسياسين... أصوات إنشادية وغنائية... حفظة قرآن ... وبسطاء ، وأفراد لجان شعبية.. وغيرهم)، فمن سيتحمل مسؤولية هذه الجريمة في إب...؟ هل نحمل الحوثيين أنفسهم على إعتبار أنهم من يتحكمون بالورقة الأمنية على الأرض والأجهزة الأمنية ، إعتماداً على تبعية وولاء مدير الأمن ، والذي بالكاد يمتلك صلاحية سجانٍ ، لا يجيد سوى انتظار وتنفيذ الأوامر والتوجيهات التي تصله من قائده السامي / أبو علي السالمي......؟ 

وهل التنديد بهذه الجريمة وإلصاقها بالقاعدة - مثلاً- يعفي الحوثيين من المسؤولية عن هذه المجزرة مع علمنا بإهمال الحوثيين وإخفاقهم في تأمين الحفل ، خاصةً وأن ساحة المركز الثقافي كانت مكتظة بالمسلحين التابعين للحوثيين، والذين لم يكلفوا أنفسهم عناء تفتيش الداخلين صالة المركز الثقافي..؟

لا أدري ما التوصيف اللائق بالحوثيين وهم يشعلون سماء إب إحتفاءً بذكرى ( المولد النبوي) -على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم- مساء اليوم التالي للمجزرة وإطلاق الألعاب النارية، دونما مراعاة لمشاعر مدينة فقدتْ فلذات روحها ، في مجزرة مروعة ، هزت الضمير الإنساني برمته..؟
وهل لنا أن نعدَّ ما قام به الحوثيون( إنحطاطاً) ، ولمَّا تفرغ إب من مواراة جثامين شهدائها....؟
وهل يتفهم العزيز محمد عايش هذه الجملة التي أطلقها شيخ مسن( مسْرع يحتفلوا ، عاد قبور الشهداء مَقَانِشِيْفِنْشْ)..؟ 

لم أستوعب حتى اللحظة ماحدث، وكم كنت آمل أن نظفر بنهايات جيدة ، غير أن وضعيات الحقد- التي لم تتغير- دفعتنا لأن نكون ضحايا أبرياء ، لعتهٍ وسوءٍ يتنقل بأريحية من تجرّد من كل قيم الإنسانية ، وأخلاقيات ديننا العظيمة. 

قد يبدو مقالاً مفككاً وجافاً، إذْ أن المجزرة تجاوزتْ قدرة أحدنا على استيعاب ما حدث ، وأفقدتنا القدرة على تحليل وقراءة أبعاد المجزرة ، غير أن ما لا يمكن لإب أن تغفله تماماً يكاد يكون في إستنتاج يقول
( إن القادم أسوأ...).

رحم الله شهداء المجزرة ، ودعواتنا بالشفاء لجميع الجرحى. 
كما أحتفظ بمقالتي عن الشهيد البهي والنقي ،ورفيقي دربي البسيط الشهيد صادق الشراعي رحمه الله وأسكنه الجنة، في مقالة منفردة إن شاء الله. 

كما أود أن أشكر محافظ المحافظة القاضي يحي الإرياني على مشاركته لأوجاع أهالي الشهداء وتعزيتهم ، وقام بعمل ما عجزت عنه الحكومة ورئاسة الجمهورية. 
ولا عزاء للقتلة.

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص