الاثنين 23 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
سحر رجب
اليمن.. سيطرة للحوثي أم اقتلاع للإخوان؟
الساعة 18:17
سحر رجب

ليست الجغرافيا وحدها المعقّدة فى اليمن، بل الخارطة السكانية بتكويناتها القبلية والمذهبية والعسكرية المختلفة تقوم بواجبها فى هذا الصدد، وبالإضافة إلى التباين الكبير فى التكوين الثقافى والمعرفى للإنسان فى شمال اليمن عن جنوبه، وكذلك التحالفات والعداوات، التى أفرزتها هذه الاختلافات، مما ينعكس بشكل جلى وواضح على الوضع السياسى لليمن بشقيه الشمالى والجنوبى، وإرث الإمامة الذى لا يزال يلقى بظله باتجاه التفاضل العرقى والدينى، جعلت الانسان اليمنى يكون ولاؤه الأكبر للقبيلة أو المذهب أو كتيبته العسكرية أو حتى الحزبية منها وليس الولاء للدولة أو الوطن، وهى أزمة مدمرة فى بلد تشكل فيه الأمية والفقر أكثر من 55% من عدد سكانه، وانتشار السلاح الذى يكاد يكون فى كل بيت، كل هذه العوامل شكلت بشكل او بآخر،التركيبة السكانية لليمن.

 

مما جعل الإنسان اليمنى يعانى العوز على مدى مراحل عمره سواء قبل الإطاحة بنظام على عبدالله صالح " المخلوع "، أو بعد ثورة الشباب فبراير 2011، على الرغم من وضع اليمن على خارطة الدول الغنية بالثروات التعدينية والنفطية منها إلا أن نهب هذه الثروات لجيوب بعض المتنفذين حال دون تحسين حالة المواطن اليمنى الذى يعانى دوما من العوز والفقر ليس الفقر العادى الذى تقره المنظمات الدولية ولكن الفقر بمعناه المدقع فالمواطن جائع وحافى – كما يردد بعض الباحثين اليمنيين – وكذلك التصارعات والتناحرات السياسية فى ظل وجود دولة هشة لا تقوى على حماية أمنها وأمن مواطنيها الذين يذبجون كالذبائح فى شوراع حضرموت ومدن يمنية أخرى تحت مرأى ومسمع من الجميع، ولم تحرك الدولة ساكنا أو تصدر بيان إدانة وتتوعد فيه من فعل هذه الفعلة الشنيعة، باعتبار أن أرخص شىء فى عالمنا المعاش هو المواطن العربى.. ولقد ساهم غياب الأمن والاستقرار فى الحد من تدفق استثمارات هذه الدولة الفقيرة وتخوف بعض الشركات العالمية ومصادر الاستثمار من العمل فى هذه المنطقة.

 

ولقد أثبت للعالم أجمع سقوط العاصمة اليمنية صنعاء بيد جماعة الحوثى "أنصار الله" دون أدنى مقاومة هشاشة الدولة وضعفها وتفكك مؤسساتها، التى ناصر الكثير منها الحوثى فى الساعات الأولى من دخول العاصمة، مما يدل على عدم وطنية هذه المؤسسات وخضوعها للولاءات القبيلة والحزبية والعقائدية.. مما جعل المبعوث الأممى إلى اليمن جمال بن عمر يفسر سيطرة الحوثى على صنعاء بأقل الخسائر بأنه انهيار واضح للقوات المسلحة، ووصف ما حدث بأنه كان مفاجئة لجميع الأطراف واعتبرها خارقة للعادة.

 

وطرح عدد من التساؤلات كيف تم هذا الانهيار؟! وبمساعدة من!؟ وكيف تم التخطيط له!؟ وقال "أترك هذا للمحللين السياسيين والعسكريين وللمؤرخين ولكن ما حدث هو خارق للعادة ومعظم الأطراف لم تتوقع ما حصل وبهذه الطريقة بالضبط". ولم تمض الساعات الأولى لسقوط صنعاء بيد أنصار الله حتى تم توقيع اتفاقية السلم والشراكة والتى بدورها قضت على المبادرة الخليجية وفتحت أمام اليمنيين خيارات أخرى للاعب سياسى جديد، والغريب فى الأمر أن الاتفاق حظى بترحيب واسع لمعظم شرائح المجتمع اليمنى لتشكيله مخرجا للأزمة، باستثناء حزب التجمع اليمنى للإصلاح "الإخوان المسلمين"، الذى استطاع الحوثى الانقضاض عليه بوثبة واحدة عملت إخراجه من الحلبة باعتباره العدو اللدود للحوثى. وفى الوقت الذى قلل البعض من الاتفاق، الذى تعهدت الأطراف اليمنية بموجبه إزالة جميع عناصر التوتر السياسى والأمنى من أجل حل أى نزاع عبر الحوار وتمكين الدولة من ممارسة سلطتها ووقف جميع أعمال العنف فى العاصمة ومحيطها. يذهب الكثير من الكتاب والمحليين إلى الاعتراف بأن الحوثيين هم جزء من التكوين اليمنى، إلا إنهم يبدون تخوفهم من تمددهم الطائفى، واكتسابهم القوة البشرية والعسكرية، معتبرين أن ذلك جاء من عدة مصادر على رأسها إيران التى نجحت بتحويل المذهب الزيدى إلى اثنى عشر لغايات مذهبية واستراتيجية، وخاصة ضد المملكة العربية السعودية، التى ترى فيها الخصومة الكبرى كراعية للسنة، والمخاوف أن تنكسر حلقات الهلال الشيعى الممتد من العراق إلى لبنان، ليأتى البديل فى الداخل اليمنى. واللعبة السياسية إذا ما امتزجت وتلاحمت مع القبيلة والدين والطائفة، فإنه يبقى من السهل انتشارها بين تلك الفئات وخاصة فى الدول التى تعانى الفقر.

 

ومن الناحية اليمنية ليس بإمكان جماعة انصار الله القضاء على اللواءعلى محسن الأحمر ولا على الأطراف المسلحة من حزبه لولا أن أبرز القيادات السياسية والعسكرية والقبلية فى الحكومة اليمنية أرادت ذلك. لقد كانت معركة شرسة بالفعل ذهب ضحيتها المئات من القتلى والجرحى. ولو أرادت القوى اليمنية الأخرى أن تطيل الأمر لكان لها ذلك. فى اليمن يصعب اقتلاع شيخ قبيلة صغير من موقعه بهذه السهولة فكيف بجنرال له قوّات عسكرية موالية وبحزب يشارك فى حكم اليمن منذ ربع قرن. معظم الكتابات من السعودية وصفت ما حدث بأنه سقوط اليمن فى يد إيران وبداية محاصرة السعودية العدو اللدود لايران من الناحية الجنوبية وهى اليمن مع توسع النفوذ الإيرانى فى المنطقة بأثرها وبالأخص السيطرة على مضيق باب المندب المجرى المائى، وبعض الآراء توقعت حمامات دم تغرق كل شوارع العاصمة اليمنية صنعاء جراء هذه السيطرة، ولكن حدث تفادى لكل هذا لسرعة قراءة الأحداث بالنسبة للحوثى والإخوان على حد سواء فإخوان اليمن أدركت مما لا مجال للشك بأن هنا تحالفا دوليا وإقليميا قرر اقتلاع الإخوان المسلمين من الحياة السياسية فى اليمن بمباركة السعودية فتلقى الضربة بحنكة وسارع بالاستسلام رغم ما زال الإصلاح يدير معارك فى أطراف العاصمة باسم القاعدة التى تعتبر جناحه العسكرى والحوثى ولكن بعيدا عن العاصمة. وهناك وجهة نظر آخرى ترى أن ما حدث لم يكن سقوطاً لصنعاء فى يد إيران ولا حتى فى يد الحوثيين، بل هو سقوط نهائى لحزب الإصلاح "الإخوان المسلمين" ولعلى محسن الأحمر، وهما طرفان أساسيّان فى الفساد والطغيان وتغذية الإرهاب ودعم القاعدة فى اليمن.

 

والمتابع للمشهد يرى أنَّ ما حدث صعود لنفوذ الحوثيين، وهذا الصعود ليس فى مصلحة السعودية باعتبار التحالف الثلاثى الموجود بين حزب الله وإيران والحوثيين. ولكن هذا النفوذ بكل ما فيه من مخاطر إلا أنه أقل خطورة من استمرار سيطرة «الإخوان المسلمين» وحلفائهم على الحكومة اليمنية. 

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً