الجمعة 22 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
محمد أنعم
الصراع الحوثي - الحوثي.. والبحث عن قارب النجاة (1)
الساعة 16:14
محمد أنعم

الانتصارات المتواصلة لأبطال المقاومة في مختلف الجبهات بعموم الجمهورية وفي مقدمتها المقاومة المشتركة بالساحل الغربي وما تلحقه من هزائم نكراء بعصابة الحوثي، فاقمت حدة الصراعات بين أجنحة الحوثي، وبدأت تتضح للجميع هشاشة وضعف التركيبة الداخلية للحركة، وعدم انسجام قيادتها وتقاطع مصالحهم، وتناقض أهدافهم، وغياب وجود رؤية واحدة تجمعهم، إضافة إلى أنهم في الأساس لا يمتلكون مشروعا وطنيا، وكان من الطبيعي أن تصل الحركة إلى ما وصلت إليه الآن من تجنحات.

تشهد الساحة الوطنية جولات ضارية بين هذه الذئاب المسعورة التي تمارس لعبة الافتراس الدامي لبعضها البعض، ومهما خلناهم يعوون بصوت واحد، إلا أنهم يتحركون بأعين تتطاير منها نيران الأحقاد والكراهية ويتحين كل جناح الفرصة ليبطش بالآخر، إشباعاً لرغبتهم السادية، فهكذا هو تاريخ الجماعات الكهنوتية، يشبه حياة قطيع الذئاب، فهم يدورون في حلقة مفرغة. وبنفس العقول الجامدة، ويكررون أنفسهم بذات الوجيه القبيحة، والتفكير الهمجي.. قطيع غير قابلين للتطور، غير واعين بالمتغيرات في وعي المجتمعات والشعوب وتجاوزهم لماضي الدجل والخرافات وبيع الأوهام..
مؤخراً خرجت إلى السطح الصراعات بين أجنحة الحوثي (الحوثي – الحوثي) من جهة، ومن جهة ثانية بين جناحي (القبائل – الحوثي)، بعد أن خرقت دماء الضحايا حواجز الرعب الحديدية التي يفرضها الحوثي على حركته الإرهابية، وصارليس بمقدوره أن يخفي بشاعة تآمره وغدره بأقرب المقربين إليه والمخلصين له، والقضاء عليهم بدم بارد.

القائمة لا تتسع لذكر تفاصيل صراع الأجنحة داخل هذه الحركة الإرهابية، ونكتفي بالإشارة إلى الصراعات المحتدمة بعد اجتياح العاصمة صنعاء.

الصراع (الحوثي – الحوثي ):
يعد الصراع بين الأسر المكونة لجناح الحوثي، امتداداً لصراع مشتعل بينهم منذ القدم، لكننا نشير إلى الصراع بين أسرتي حميد الدين والحوثيين على أحقية من يحكم اليمن بعد تحريرها من الأتراك، حيث نجد أنه تم حسمه بخديعة لصالح يحيى حميد الدين، ومن ثم الصراع بين أسرة حميد الدين، وأسرة بيت الوزير، وقد حسم في انتكاسة ثورة 1948م... الخ، وتوالت الصراعات، لتمتد إلى داخل الحركة الحوثية اليوم.

منذ أواخر 2014م، اختفى صالح هبرة الرجل الثاني لجماعة الحوثي، ولا يُعرف شيءٌ عن مصيره حتى الآن، كما لم يجرؤ أي قيادي حوثي أن يسأل عنه خوفاً من أن يثير ذلك غضب عبد الملك الحوثي ويواجه نفس المصير.

أما أسرة وأقارب هبرة فيعيشون أهوالاً يومية، خوفاً من أن يبطش بهم الحوثي، لو تجرأ أحدهم وسأل عن مصيره، خصوصاً مع تضارب الأخبار حوله، فهناك معلومات تشير إلى أن صالح هبرة مرمي في قبو داخل أقبح الجروف في صعدة، بينما الروايات التي يتم تداولها سراً تفيد بأن قيادياً حوثياً كبيراً دس له سماً إيرانياً.

هذه العملية البشعة أرعبت قيادات الحركة ممن ينتمون لمحافظتي صنعاء وذمار وغيرهما، فأجبروا على ابتلاع ألسنتهم تاركين لجناح حوثة صعدة الحرية ليصول ويجول في العاصمة بدون حسيب أو رقيب..

وبعد نجاح الحوثي بالتخلص من هبرة أبرز منافس له، سواءً أكان ذلك بالسجن أو القتل، أو الإقامة الإجبارية، جاء الدور على القيادي يوسف الفيشي (أبومالك الفيشي) والذي يعد أيضاً من أبرز القيادات وقد شغل منصب الرجل الثاني للحركة بدلاً عن هبرة، حيث تحمل العديد من المهام ممثلاً للحوثة، منها عضواً في ما يسمى بالمجلس السياسي، لكن اتساع نفوذه وتميزه بالمرونة السياسية، أثار قلق وانزعاج عبدالملك الحوثي، فتم الإطاحة بالفيشي بشكل مهين، وعين بدلاً عنه في المجلس السياسي، مهدي المشاط.. ولم يتوقف الأمر عند هذا، بل إن الحوثي وفي إمعان على امتهان الفيشي قرر نفيه من العاصمة صنعاء إلى منطقة نائية، حيث عينه مشرفاً على الملاحيظ، إحدى مديريات محافظة صعدة.

وبتوالي تساقط رؤوس كبار من قيادات الحركة في هذا الصراع الحوثي – الحوثي، قامت جماعة ضحيان بعد انتفاضة ديسمبر 2017 بالتخلص من أبرز وأخطر قيادي دموي وهو يحيى محمد الشامي، والذي يمثل عائقاً حقيقياً يحول دون انفراد عبدالملك الحوثي وأسرته بالحكم أو ما يسميها الولاية التي يتغنى بها دائماً، ومن أجل أن يضمن لنفسه ذلك الحق المزعوم، تم استهداف يحيى الشامي، والذي تتضارب الأنباء حول مصيره منذ أن توارى نهائياً عن الأنظار عقب انتفاضة ديسمبر 2017م.

مقربون من أسرة الشامي يتهامسون سراً أنه تعرض لنوع من السموم الضحيانية أفقدته الذاكرة وتوازنه، وشلت حركته ونادراً ما يعود إلى وعيه، فيما تشير معلومات أخرى إلى أنه أصبح مشلولاً ونقل إلى أحد مستشفيات العاصمة صنعاء، ولكن تم إخراجه منه بسبب صراخه المتواصل، فتم أخذه إلى مكان مجهول، وتذهب الترجيحات إلى أنه يقبع في بدروم المجلس السياسي بالجراف..

ولم يكتفِ الحوثي بذلك، بل قام بإقالة الرجل الثاني لأسرة الشامي وهو محمد عبدالجليل الشامي، مدير أمن محافظة إب من منصبه، إضافة إلى التخلص من أبرز المقاتلين من أسرة الشامي الذين سبق أن أهلتهم الجماعة في إيران ولبنان تأهيلاً قتالياً عالياً، ومنهم يحيى عبدالجبار الشامي قائد ما تسمى بفرقة التدخل السريع ومعه أكثر من 90 شخصاً بينهم الكثير من أبناء عمومته والذين لقوا حتفهم في الساحل الغربي في مايو الماضي بضربة جوية للتحالف.

وهكذا يواصل عبدالملك الحوثي التخلص من الأقطاب المنافسة له الواحد تلو الآخر، ومن ذلك أنه في شهر سبتمبر الماضي أوكل للمدعو أحمد حامد (أبو محفوظ) والذي يشغل حالياً، منصب مدير مكتب الرئاسية للانقلابيين، مهمة تجريد علي محمد الكحلاني، لوجستي عصابة الحوثي، من كل مهامه، وعلى الفور قام أبو محفوظ بإيعاز تنفيذ المهمة إلى أحد العناصر من أبناء ضحيان، وقد تم بالفعل الإطاحة بالمدعو علي الكحلاني، الذي سخر كل خبراته التي اكتسبها أثناء تحمله مسؤولية مدير المؤسسة الاقتصادية، ووظفها لخدمة العصابة الحوثية..
كما تخلص في ذات الوقت من قيادات كبيرة من بيت المتوكل والكحلاني، وغيرهم برميهم في محرقة الساحل الغربي، بينما فرغ الحوثي نفسه وأركان أسرته، لنهب الأموال، وإحكام قبضتهم على أهم المناصب في العاصمة صنعاء بعد أن ضمنوا عدم وجود أي خطر أو مطامع تهددهم من أسرتي المتوكل والكحلاني وغيرها.

توالي الهزائم القاسية التي تتعرض عصابة الحوثي في الساحل الغربي وصعدة والبيضاء وتعز وحجة وغيرها، أدت إلى توسيع الخلافات بين أجنحة الحركة، خصوصاً بعد قيام معظم قياداتها بتهريب أولادهم وما نهبوه من أموال باهظة إلى الخارج، وفرارهم من جبهات القتال.. فتعمقت الخلافات بينهم، وانعدمت الثقة، وبات كل جناح يتأبط شراً بالآخر، وفي الوقت ذاته تتحرك بعض هذه الأجنحة للبحث عن قارب نجاة هرباً من الموت الحتمي، مدركين بأن نهايتهم اقتربت نتيجة لخسائرهم الكبيرة في الساحل الغربي، بعد فقدانهم لمعظم القيادات البارزة خلال الأشهر القليلة الماضية.

لقد أدركت قيادة هذه الأجنحة أن عبدالملك الحوثي وإخوانه، هدفهم من وراء استمرار خوض معركة الساحل الغربي، هو التخلص من معظم منافسيه داخل الحركة بأسرع وقت، لتتصدر أسرته المشهد، دون منازع من الأسر والقيادات القبلية الأخرى في حال تم التوصل لحل سياسي سلمي للازمة. فيما السبب الآخر لتفاقم الصراعات يتمثل باستحواذ جناح عبد الملك وعمه عبد الكريم ومحمد علي الحوثي وأركان أسرتهم على جميع المنهوبات وتهريبهم للمليارات من الأموال العامة والخاصة وإيداعها بأرصدتهم الخاصة في الخارج، بعد أن هربوا أولادهم إلى لبنان وإيران ولندن وألمانيا وكندا... وغيرها.

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص