الجمعة 22 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
علي البخيتي
الشعب اليمني المُغَيَب.. لماذا يتعاطف الغرب مع الحوثيين؟
الساعة 18:03
علي البخيتي

لا يعرف العقل الغربي والأجنبي عموماً من منطقتنا الا النفط، فهو الثروة الوحيدة التي جعلت المنطقة تظهر على خريطة الاهتمام العالمي، ولولاها لما ذكر أحد دولة من دول المنطقة، فمساهمة الدول العربية مجتمعة في عالم اليوم من مختلف الجوانب صفر، فهي لا تساوي حتى 1 في الألف من مساهمة إسرائيل العلمية والتكنولوجية مثلاً.

على العموم ذلك ليس موضوعنا، لكنه مدخل للحديث عن الحرب في اليمن، والتي يتعاطى معها العقل الغربي والأجنبي عموماً كذلك من خلال تأثيرها على تدفق الامدادات النفطية وليس من خلال تدفق دماء المدنيين اليمنيين.

لن أخوض في تفاصيل النزاع وأخبار الحرب فذلك ليس موضوعي الآن، فما يهمني هنا هي النظرة الغربية للصراع في اليمن وأسباب التعاطف مع حركة الحوثيين، لا أتحدث هنا عن تعاطف الجهات الرسمية، فالمصالح هي المتحكمة بها ولا دخل للعاطفة، بل عن تعاطف الأفراد - بما فيهم ذوي الصفات الرسمية - والمنظمات والصحفيين والكُتاب والأكاديميين ووسائل الاعلام ومستشاري مراكز البحث ودوائر صنع القرار المدنية الموازية، وذلك ما لمسته من خلال جولاتي ولقاءاتي المختلفة.

ذلك التعاطف في الوعي الباطن لدى تلك الشريحة حتماً مرده ليس ديني أو طائفي، ولا علاقة له بمحركات ودوافع الصراع البينية في المنطقة، بل لاعتبارات أخرى تماماً، يحتاج تتبعها الى بعض التأمل.

فمن خلال الحديث مع أفراد كُثر منهم تبين لدي أن مرد ذلك التعاطف يعود لنظرتهم الى الصراع في اليمن وماهية أطرافه، وهنا تحديداً يكمن الخل، حيث أن نظرة تلك الأطراف قاصرة تماماً في هذا الجانب، اذ تعتبر أن الصراع هو بين السعودية من ناحية، وبين أقلية شيعية يمنية تتلقى دعم محدود من ايران، وهناك تغييب شبه كلي للشعب اليمني ولأطراف الصراع المحلية الأخرى، إذ يُعتقد أنها مجرد أدوات مع السعودية، ووجودها ضعيف على الأرض.

وعندما يقارن العقل الغربي بين إمكانات السعودية والامارات المالية الهائلة والقوة العسكرية الضاربة والبحر الشعبي السني الهائل المحيط بتلك الأقلية ذات التسليح التقليدي والدعم المحدود فإنه لا يملك الا أن يتعاطف مع الحوثيين.

كما أن العقل الغربي لا يتتبع ولا يدرس بشكل حثيث ممارسات الحوثيين القمعية على الأرض ولا انتهاكاتهم الجسيمة ليتمكن من تصنيف جماعة الحوثي، فهو مشغول بتتبع ورصد ما ترتكبه طائرات التحالف من جرائم بحق المدنيين مغفلاً وبشكل شبه تام انتهاكات الحوثيين، فضجيج الغارات الجوية والتكنلوجيا التي يستخدمها التحالف أكثر لفتاً للأنظار من كاتيوشا ومدفعية الحوثيين التقليدية التي تقتل مدنيين كذلك، إضافة الى أن الغرب لا يهتم برصد انتهاكات الحوثيين فلا ارصدة مالية ولا استثمارات لهم ولا إمكانات لعقد صفقات تجارية أو تسليحية معهم حتى يتم رصد انتهاكاتهم ومن ثم تُستخدم التقارير لابتزازهم، وبمعنى أكثر وضوحاً فالغرب لا يهتم برصد وتوثيق انتهاكات الجماعات التي لا أموال ولا أرصدة لها لأنه لا مصلحة مستقبلية له من ذلك الجهد.

ومع ان انتهاكات وممارسات جماعة الحوثيين وصلت الى درجة الإرهاب لم يُلقى الضوء عليها بعد، فتفجير منازل الخصوم واقتحام البيوت والاعتداء حتى على الأطفال والنساء إضافة الى سجن وتعذيب الآلاف في السجون الخاصة ووفاة بعض السجناء واعدام البعض الآخر، كلها أعمال إرهابية تعترف بها الجماعة وتمارسها علناً وبشكل يومي، ويصورون تفجير المنازل مثلاً ويتفاخرون بذلك، ومع كل هذا والى اليوم لم يتم ادراج الجماعة أو بعض أجنحتها في قوائم الإرهاب، ولا يزال التعاطف الدولي معها قائماً، على المستوى الشعبي والرسمي، وكل ذلك نابع من أنها تقاتل في جزء من معركتها السعودية وما أدراك ما السعودية في نظر الغرب.

لا يدرك الغرب أن جماعة الحوثي تختطف أكثر من 17 مليون يمني كرهائن، وتمارس بحقهم أبشع الجرائم والانتهاكات المنهجية لكن لان السعودية طرف في المعركة فالتركيز عليها فقط، وأنا هنا لا أدافع عن التحالف ولا عن المملكة ومع رصد كل الجرائم التي تحدث نتيجة لغاراتهم ومحاسبة المسؤولين عنها، لكني أطالب كذلك بأن ينظر الغرب كذلك الى أننا شعب تختطفه عصابة وتستخدمه كدرع بشري وتنتهك كل حقوقه وتسعى جاهدة لإحداث تغيير مذهبي وثقافي وفي شكل نظام الحكم، كما تعمل على تعديل المناهج وأدلجة الكادر الوظيفي، مدنيين وعسكريين، وسنكون خلال سنوات من الآن أمام كتلة بشرية متوحشة ومجندة في مشروع إقليمي قد يُطبق على المنطقة.

هذه العصابة الحوثية لا فرق بينها وبين داعش والقاعدة في الكثير من الممارسات التي يصنفها الغرب إرهابية، لكن لأنها لم تتعرض لأجانب وغربيين بالأخص لا يهتم أحد برصد جرائمها ولا بضمها الى قوائم الجماعات الإرهابية، على العكس فهناك من يعتبر أنها حليف في مكافحة الإرهاب باعتبارها تقاتل القاعدة، دون أن يتم الالتفات الى ما ترتكبه بحق الشعب اليمني الأعزل الرهينة بيدها، ودون الانتباه كذلك الى أن سيطرة جماعة الحوثيين الطائفية على مساحات واسعة من اليمن ساعد في تعزيز موقف القاعدة وباقي التنظيمات الإرهابية في اليمن وساهم في توسعها داخل المجتمع المناهض للحوثيين والمختلف معهم مذهبياً بل ومنحها حاضنة شعبية باعتبارها الأقدر على مواجهة التطرف والقمع الحوثي.

ومع ذلك يجب ألا نغفل ان هناك قصور في أداء الأطراف المعارضة للحوثيين، والتي عجزت حتى اللحظة عن إيصال صورة الحوثيين الحقيقية، ونقلها الى قلب العالم الغربي –مراكز أبحاث ومنظمات حقوقية ومدنية ومعاهد متخصصة بالإرهاب وناشطين حقوقيين ودوائر صنع القرار ووسائل الاعلام والمنظمات الدولية ومختلف المنابر المهتمة- وبشكل موضوعي بحثي موثق، نعم هناك قصور يمني، فشرعية هادي المؤيدة للتحالف تهتم بتبرير جرائمه أكثر من نقل جرائم الحوثيين لذلك فقدت مصداقيتها، إضافة الى أن التحركات السعودية ومهما كانت لا يمكن تصديقها لعدة اعتبارات أهمها فارق القوة مع الحوثيين إضافة الى أن ما تحدثه غارات التحالف من دمار وقتل يطال في كثير منه أبرياء ومدنيين يجعل أي مساعي سعودية للحديث عن جرائم الحوثيين فاشلة قبل أن تبدأ ولا تعدوا كونها مضيعة للوقت واهدار للجهد والمال، وعلى العكس من ذلك فإنها تأتي بأثر رجعي غالباً لأنها تفتح شهية الكثير لابتزاز المملكة.

وحتى لا تبقى صورة الحوثيين جميلة وانتهاكاتهم منسية وخارج دائرة اهتمام تلك الجهات والجماعات الحقوقية يجب تشكيل فريق يمني غير منخرط في الحرب ولا يؤيد أحد أطرافها، لتغطية ذلك النقص في المعلومات تجاه جماعة الحوثي، ولينقل صورتهم الحقيقية الى تلك الجهات، وليبين معاناة المواطنين اليمنيين منهم، لتصل رسالة مفادها أن الصراع في اليمن ليس بين الحوثيين والسعودية، بل بين اليمنيين والحوثيين بشكل أساسي، وبدأ قبل أكثر من 13 عاماً، وما التدخل السعودي الا نتيجة للصراع وليس منتج له، فهناك شعب بأكمله –عدى أقلية بسيطة- يعترض على حُكم الحوثيين ويتجرع الويلات بسبب ذلك.

وإذا ما استمر تغييب الشعب اليمني عن المعادلة، والنظر للحرب من زاوية السعودية والحوثيين فقط، وعدم معرفة العالم بالإرهاب الذي تمارسه تلك الجماعة بحق الموطنين اليمنيين سيستمر ذلك الفهم الخاطئ والصورة النمطية المغلوطة وبالتالي سيستمر التعاطف الدولي مع جماعة الحوثي.

لسنا معنيين بالدفاع عن السعودية ولا التحالف، لكن يجب تصحيح صورة الوضع في اليمن وتبيين حقيقة جماعة الحوثي حتى لا يضل البعض مزهواً بها بسبب الفهم الخاطئ أو النقص في المعلومة، وعلى الغرب أن يفهم أن هناك جماعات ارهاب شيعية ومن المدعية انتمائها للمذهب الزيدي كذلك، ولا يقتصر التطرف على بعض الجماعات المحسوبة على المذهب السني فقط.

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص