الاثنين 25 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
وفاء صندي
المؤامرة بين النظرية والواقع
الساعة 19:48
وفاء صندي

التحول في منطقة الشرق الاوسط: المؤامرة بين النظرية والواقع

كان لاستخدام التكنولوجيا المعلوماتية في العالم العربي تأثيره الكبير لما شهدته المنطقة من بعد، فعلى حين غفلة من الانظمة، تم السماح للشعوب بالانفتاح على العالم الخارجي كنوع من فكر جديد وثقافة جديدة لمواكبة عصر الإعلام المفتوح والانترنت والتي استخدمها النظام كنوع من أنواع الحريات التي يمنحها لشعبه، لكن في نفس الوقت يتم مراقبة هذه الحرية الافتراضية في الخفاء حيث تم تخصيص إدارة أمنية لهذه المراقبة داخل أجهزة الشرطة المختلفة في البلاد العربية، مع تحكم الدولة الكامل في بث أو قطع أو تقوية أو اضعاف شبكة النت بشكل عام، وعلى الرغم من ذلك، فقد  أعطى الفضاء الإعلامي والتواصل عبر شبكات الانترنت مساحات في التعبير والحرية دون حذف أو تعديل ما يكتب أو ينشر أو يبث، وقد استغلها الجميع بما فيهم النظام والشعب والمعارضة والناشطين، مما أدى إلى اتساع هامش الحرية للنقد ووصول الكلمة لأعلى مستوى وفي العلن.

هذا الهامش من فضاء الحرية الافتراضية الذي فرضته الإدارة الامريكية على الأنظمة العربية في ضرورة استخدام التكنولوجية الحاسوبية المتطورة في التواصل الاجتماعي، حيث كان بلا شك وسيلة من وسائل سقوط الانظمة العربية التي قامت بفتح أجوائها للتكنولوجيا الجديدة دون أن تفهمها وتعيها جيدا، بل تعاملت معها بالعقلية الأمنية دون أن تخلق أجيالا مؤهلة لاستخدامها التقني كنوع من أنواع الرفاهية لا كنوع من ممارسة الكبت السياسي المغتصب لحرية الأجيال في هذه الشعوب.

الانظمة العربية دون أن تنتبه زرعت سلاحا جديدا في كل بيت عربي اسمه الحاسوب والنت والاتصال بمختلف الأفكار والايديولوجيات، وهذا السلاح كان هو المحرك الفعلي للحراك الثوري بعيدا عن مزاعم المؤامرة.

الحراك الثوري الذي بدأ فعاليته كان بمثابة حرب إليكترونية سقط فيها الرؤساء العرب الأكثر شيخوخة فكرية غير مدركين قواعد اللعبة العالمية الجديدة في “فلسفة الاختراق الناعم”، وهي ببساطة اختراق الشعوب التي قامت بدورها في اختراق شيخوخة آليات القبضة الأمنية للأنظمة العربية، وتركيع بطش وجبروت هذه الاليات بسلمية الحراك الثوري الذي عجزت أعتى الانظمة القمعية في الصمود أمام سلميته حيث سقط الجهاز الأمني لبن علي ومبارك وصالح.

ووفقا لنظرية المؤامرة التي يؤمن بها البعض وكررها حتى مع تلاحق الأنظمة التي افرزها الربيع العربي، لكنها اتخذت هذه المرة ابعادا أخرى أكثر خرافية وكأنها حرب كونية ضد الاسلام غير مدركين أن العالم الأن غير مستعد لدخول حروب مسلحة بين أطرافه من أجل أو ضد الإسلام، وإن حدث فسوف تكون نزهة عسكرية مثلما حدث في ليبيا مع حلف الناتو والخاسر دوما سيكون الأكثر ضعفا والأكثر تغييبا عن اللحظة التاريخية التي يفرضها قانون التطور للتعايش الحر وانفتاح العالم. السيطرة الأن لحرية الإنسان التي تنص عليها كافة الدساتير العالمية.

الاختيار الأكبر لحرية الإنسان الذي واكب التكنولوجيا الحديثة والسماء الفضائية المفتوحة على مختلف التيارات والأفكار. هذا الاختيار هو الحرب الكبرى الكونية التي فشل فيها العرب، كالعادة، وسقطوا، كالعادة، وربما سوف يتم التقسيم، كالعادة أيضا. وهذه هي المؤامرة الحقيقية بين الانسان والتطور، إما النهوض للحرية أو السقوط كما سقطت الانظمة السابقة. وهذا ما كان يجب أن تفهمه عقلية انظمة ما بعد الربيع العربي حتى لا يزداد لغط حول مؤامرات العالم ضد الاسلام وجر الاسلام الى حرب لا ناقة له فيها ولا جمل.

إن حالة الصقيع التي عاشها العرب بسبب حراكهم الثوري، ما هي إلا النتيجة الحتمية لضبابية المشهد العام والمفهوم المغلوط لدولة القانون التي تعود فيها السيادة للشعب على عكس ما حاولت التيارات الاسلامية الترويج له من خلال خلق مفهوم يعتمد على “السيادة لله”. هذا الخلط الذي مارسته من قبل الانظمة السابقة من خلال طرح اشكالية المزج بين السيادة للشعب وللحاكم ولله قد أدى إلى سقوط الجميع. فضلا عن الصدفة التي وضعت جماعات معينة دون غيرها في سدنة الحكم مع تكرار الصدفة أيضا في صناعة نمور معارضة من ورق. مما أفسد واقع الحراك الثوري على مستوى نخبته.

والصدفة التي اتحدث عنها هنا هي الفقر وسوء التعليم والتمسح بالقشرة الدينية ممن كانوا من اهم العوامل التي مهدت الطريق لوصول الاسلام السياسي الى الحكم، يضاف الى ذلك وهي الميزة التي تحسب لجماعة الإخوان في مصر بأنهم رجال ممارسة وانخراط مع الطبقات الدنيا داخل عمق المجتمع المصري، مما سهل لهم السيطرة على هذه الطبقات وتوجيهها عبر المساجد وعبر الخدمات السلعية والعينية والمادية من باب الصورة المثالية للجماعة التي تمثل جمالية الإسلام في اطعام الفقير. وقد تمكنوا من الشعب وجذب أصواته الانتخابية مرتكزين على: “التأكيد” بأنهم رجال دين وصلاح، “التكرار” بترديد طوال الوقت بأنهم أصحاب الثورة والتغيير، “العدوى” والتي ساهموا في انتقالها بسهولة بين عامة الشعب كالمرض في شيوع “التأكيد” عنهم و”تكرار” ما يقولونه وما يصفون أنفسهم به.

وبعيدا عن اي فكر تآمري يبقى ما صفقت له الجماهير في أجواء من ربيع الدهشة الذي تفاعل معه الحراك الشعبي وبات بعدها خريفا وصفعة من الأحزاب الحاكمة التي لم تقدم جديدا عمن سبقوها، بل وساهمت في  جر المنطقة الى حرب داخلية ومستنقع عنف ودم وارهاب هو بسبب عدم استيعاب الجميع نخبة وشعب للحظة التاريخية الفارقة التي وجدوا انفسهم منغمسين فيها دون سابق انذار او جاهزية. والغرب لا يعترف الا بالاقوى، ولم يتواني في حماية مصالحه واستغلال الحدث الثوري وتوجيهه لما يخدم اجندته في المنطقة دون مراعاة لاهداف الشعوب العربية ومطامحها.

اما في دول الحراك الثوري، فالصراع والنزاع حول السلطة قد انتقل إلى الضد وإلى الضرب في الذات العربية بكل قيمها وثوابتها حيث أن ثمة تحولات مريبة تضرب في العمق لتغيير خارطة المنطقة ليس تغييرا سياسيا فحسب بل تغييرا ثقافيا وفكريا، والطامة الكبرى السير في اتجاه ضرب الشعوب نفسها بنفسها دون وعي في غياب قيم الادراك والثوابت الحضارية لهذه الشعوب التي تتجه كما القطيع للمذبح.

نحن أمام حالة أغرب ما فيها هو الغياب الكامل لآليات التفكير المنطقي المسبب القائم على رصد المقدمات وصولا إلى نتائج معينة تفيد بناء المرحلة الحرجة التي تعيشها المنطقة. هذا التغييب برغم اصرار البعض من الخبراء بوصفه “ثورة”، فهو لا يعكس إلا أزمة حقيقية لدى النخبة العربية فيما يدل على أن هذا النخبة غير مؤهلة تاريخيا لقيادة هذه المرحلة وإن الحراك الشعبي كان أكبر من ادراك النخبة في التفسير وفي الطرح وفي التدبر وفي قيادة الأمة والشعوب نحو الأفضل.

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص