الأحد 24 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
أحمد طارش خرصان
جغرافيا الموت
الساعة 19:10
أحمد طارش خرصان

كأنه حكم علينا أن نظل -هكذا -ضحايا جاهزين للموت ، يتقاسم دمنا قاتلان ، وعلينا كيمنيين أن نختار ، إمَّا أن نكون ممراً لائقاً بمجاهدي عبدالملك الحوثي ، أثناء ما يؤدون واجبهم المقدس والوطني ( النزيه) ، ويعملون - بتفانٍ ووطنية - على تطهير البلد من الدواعش والتكفيريين ، وإمَّا أن نكون قرابين لإعادة الشرعية ، وكأننا من نزع الشرعية وعطل أجهزة الدولة ، وحول اليمن إلى ما يشبه سجناً كبيراً ، يقف على بابه فتى مؤمن ، لا يعرف من الحياة سوى الموت والموت فقط. 

يطل عبدالملك الحوثي من على شاشة المسيرة مهدداً ومتوعداً العدوان - متجاهلاً خياراته الإستراتيجية التي هدد بها المرة السابقة - في بيئة أثبتت جهوزيتها العالية لممارسة الفشل وإدارة العصابات والعبث بحياة اليمنيين وأرواحهم. 

تبث قناة المسيرة الكثير من المشاهد المسلحة ذات النفس الجغرافي الواحد والمذهب الواحد ، في أسوأ مشاهد العصبوية تكريساً للتخلف والإستغلال ، وكأن (صالح )اجتزأ هذه الجغرافيا ، وعمل على أن تظل على أهبة الإستعداد وبكامل عتادها العسكري ، كي تخوض معارك حامية وتحت شعارات مخادعة (الوحدة - السيادة - الكرامة ..) ، ليضيف عبدالملك الحوثي إلى هذه الحروب ما يجعلها مقدسة وواجبة .

طيلة ثلاثة عقود وأكثر عمل الرئيس السابق صالح على رعاية هذه الجغرافيا الممتدة من ذمار وحتى الجوف وصعدة ومأرب - مع تحفظنا على مأرب التي أفلتتْ من قبضته ، لتقع في قبضة مناوئيه الذين استخدموها - لهدفٍ لا يختلف عن هدف صالح - بنفس الكيفية والكفاءة التي يدير بها صالح بقية المناطق المجتزأة ، وبما يجعلها جيشاً كامناً ، ما يلبث أن يرسل طلائعه وينشر آلياته وقواته ، كلما أدرك صالح أن ثمة من يتطلع إلى هدم أساسات المركز المقدس ، أو يحاول - بأي شكل - تجاوز هذا المركز والعبث ببنيته وقدراته. 

نجح صالح خلال فترة حكمه في تنظيم بنى وقواعد هذا المركز ، ودفعها للإنخراط في مؤسسة عسكرية - وبمعايير ومقاييس ليست وطنية البتة -لهدفٍ لم يغب عن الجميع ، بمن فيهم النخب السياسية والإجتماعية ، بالنظر إلى مكونات وتركيبة هذه المؤسسة ، والتي تفسر - بوضوح - سبب ما نحن فيه اليوم. 

يغامر الحوثي واهماً أن الآلاف من الجثامين الحية ، ستكون قادرة على إهدائه وجبة نصر - ولو خفيفة وسريعة - قد تعمل على تهدئة غروره المضطرب ومجازفاته الخاسرة ، وتمنحه شيئاً من التواجد حتى وإن كان مزيفاً وهزيلاً ، ولعل المشهد يكون على هذاالنحو يحشو عبدالملك الحوثي عقول أنصاره بحقائق ومسلمات إيمانية ، تدفعهم - دونما تفكير - للموت وبإبتسامةٍ ، لم يجرب أحدهم - يوماً - رسْمَها على وجه طفله.. أمه ...زوجته ....أبيه.....يحشو أنصاره بذلك وأشياء كثيرة ، فيما تتناسل الثارات في مداخل المنازل ، وتنبت الأحقاد في جدران الحجرات المزدحمة بصور من قيل إنهم نالوا الشهادة أخيراً ، في مشهدٍ موجع وقاسٍ ، عاد منه ذووا الشهداء - كما يطلق عليهم - بأقل ما يمكن أن يهبه قاتل لضحيته ( إبن الشهيد - أم الشهيد - أخ الشهيد - زوجة الشهيد - أب الشهيد) ، وبصورة فوتوغرافية يعلوها شعار الصرخة ، وآية قرآنية تعزز من اللقب الذي حصلوا عليه ، معلنين الجاهزية لتقديم ضحايا جدد ، في معركة لا وطنية ولا قداسة فيها البتة. 

ينحسر مدّ الحوثيين وتنكمش قدراتهم ( الأسطورية) ، ومع هذا الإنحسار تتزايد رقعة الرغبة في الإنتقام اتساعاً ،وتطفو على السطح عناوين ومشاريع عنف قادمة ، لم يكن يمنع من ظهورها بهذا الشكل المقرف، سوى سطوة الحوثيين وعنفهم .

تُبرزُ معضلة الإنتقام الحالة غير السوية والتطرف المشابه تماماً لتطرف الحوثيين - أنفسهم - وتكاد أن تكون مؤشراً حقيقياً على الخلل في بنية القيم والأخلاق ، وإعلاناً صريحاً بإنطلاق شرارة الحرب ذات المنطلقات العصبوية البغيضة ، وهذا يحتم على الجميع الوقوف في وجهها ومواجهتها ، مهما كانت دواعي المنتقم وأسبابه ومبرراته .

تتزايد مخاوفنا يومياً من عدم انحسار فكرة الموت والواجب المقدس والجهاد وشعارات وطنية أخرى ،من عقل عبدالملك الحوثي ، وإعادة تموضعها بالصورة التي تحمل الآخرين على مواجهتها بنفس الكيفية والأدوات ، وهو ما سيخلق بؤر إنتقام طائفية وسلالية ، ستجعل من الحياة في ظل هذه الإنتقامات صعبة إن لم نقل مستحيلة. 

نتحدث عن التسامح ورغبتنا في تجاوز هذه الهوة ، فيما يواصل الحوثيون ممارساتهم دونما رادع من دين أو عُرفٍ ، وبهمجية - يبدو أنها - لا تكترث بتأثير مثل هذه الممارسات في قادم الأيام ، ولعل الجميع ينظر بعين الريبة لحالات الثأر التي خلفتها مثل هذه الممارسات والإجراءات .

ربما نجح عبدالملك الحوثي والرئيس السابق صالح في خلْق ، ما يشبه العداء والضدية لتلك الجغرافيا ، والتي عبر عنها قيادي كبير ومزدوج الإنتماء( الحوثصالحي) قائلاً :
لقد وضعنا هذا ال...... في مواجهة المجتمع كاملاً ، ويعلم الله أيش الخاتمة - وأشار بيده -لو مالت كذيّة .. أيش بايكون مصيرنا، وقد تديَّنا من كل الناس...)

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص