الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
بشرى المقطري
حزينة جداً على استشهاد فتحي عبدالمجيد
الساعة 01:58
بشرى المقطري

حزينة جداً على استشهاد فتحي عبدالمجيد، حزينة على كل هذا الموت العبثي الذي يطالنا كل يوم، أعيد نشر ما كتبه الصديق العزيز Sami Ghaleb في هذه الفاجعة:
استشهاد فتحي علي عبد المجيد نجل السندباد الذي قبض عليه صالح والقمش قبل ثلث قرن 
________________________________________
منذ ساعتين وأنا مصعوق جراء نبأ استشهاد الصديق العزيز فتحي علي عبدالمجيد في عمل جنائي كارثي (جراء شجار عائلي) حدث مساء أمس في قريته الأشاوز، في الاعبوس، محافظة تعز.
يصعب عليّ الكتابة عن هذا الرجل الذي ترك أثرا عميقا فيّ منذ زارني في مكتبي في صحيفة النداء في مايو 2007. أكاد أقول أن فتحي هو احد أهم الأشخاص الذين أثروا في حياتي، كصحفي وكإنسان. 
دعوته إلى الجلوس في مكتبي، وتحدثنا لمدة ساعتين تقريبا، وعندما غادر كان قد حفر عميقا في وجداني. 
الحق انني لم أصادف في حياتي شخصا بنبل ورسوخ ويقين وحزن هذا الرجل.

أحد أبطالي غادر هذه "البقعة" الغارقة في الحزن والبغض والحقد والتطرف والإرهاب. 
غادر قبل ان ينجز المهمة التي بدأها وهو في العاشرة من عمرة عندما غادر والدته واخوته الأصغر منه، وقدم إلى "العاصمة" بحثا عن أبيه المناضل اليساري علي عبدالمجيد الذي اعتقله ضباط في المخابرات عام 1983 ووضعوه في معتقل جهاز الأمن الوطني ولم يظهر بعدها قط. 

قامت ثورة في 2001. انخرط فتحي وكل أبناء المختفين قسريا في الشمال والجنوب، قبل الوحدة وبعدها، في ساحاتها أملا في استعادة حيواتهم، اعمارهم، ابائهم. لكن السلطة التي قامت عقب الثورة انقلبت أول ما انقلبت، على الثوار، وعلى اشواق اليمنيين. لقد تحايلت على كل القضايا الوطنية، وتعالت على كل المظلومين والمحرومين، إلى أن انقض الحوثيون على العاصمة صنعاء. وقد أظهر هؤلاء أنهم لا تنقصهم اخلاق اسلافهم (صالح وعلي محسن وهادي وكل الرجال السيئين الذين عملوا معهم)، وبعد وعد بكشف مصائر المختفين قسريا، وبينهم والد فتحي علي عبدالمجيد، انضم الحوثيون إلى قائمة المتورطين في جرائم الاختفاء القسري. بدلا من اغلاق ملف هذه الجرائم، انفتحت قائمة المجرمين على عضو جديد هو "جماعة الحوثي" التي تختطف منذ أشهر المئات، وتخفيهم قسريا بمظنة أن التاريخ انتهى عند اجتياحها العاصمة في 21 سبتمبر. 

                                                       ***
استشهد فتحي في واقعة كارثية. 
خبرت خلال الساعتين الماضيتين معنى أن يرحل رجل من الناس العاديين، غير عادي بالمرة. لكن لا استطيع ان اتصور قط تأثير هذا الغياب على والدته "منى"، المرأة التي ربته وربت اخوته الصغار بعد انتزاع شريكها من عالمها في واحدة من أحقر جرائم نظام الرئيس السابق. (أقوال منى وقصة علي عبدالمجيد تجدونها في هذا الرابط، الحلقة 4، في الرابط الذي تجدونه في التعليق الأول)
هذا يوم حزين من أيام هذه الحرب. 


هذا ليلة كارثية أخرى لأسرة المختفي قسريا علي عبدالمجيد. 
هذا فقدان غير انساني بالمرة، للوالدة الكريمة منى عبده حسن التي لخصت ملف "الاختفاء القسري" قبل 8 سنوات في 4 كلمات قالتها للزميلة بشرى العنسي التي زارتها في منزل نجلها شفيع في العاصمة صنعاء؛ قالت: "راح عمرنا مع الغائبين".

هذا رجل فذ آخر تختطفه الجريمة من عالم هذه "الأم العظيمة" التي لم يطلب منها أحد من الرجال الضحلين والمنحطين في العاصمة الصفح عما اقترفته السلطات المتعاقبة من جرائم مستمرة في حقها. 
هذه خسارة لكل أولئك الذين كان فتحي بطلهم وقدوتهم في التمسك بالحق وقهر اليأس، وفي المقدمة اخوته الصغار (الذين كبروا في كنف أمهم وفي أعيننا): شفيع ووائلة وفتحية. 

هذه خسارة لأسر المختفين قسريا جميعا، ولرابطة أسر المختفين قسريا التي كان فتحي في صدارة مؤسسيها، ولم يتخلف أبدا عن دعم مشروعها. 
هذا صديق عزيز آخر يغادرنا شهيدا مغدورا به في "عام الخراب" هذا. 

                                                        ***
أنا حزين. 
اتمالك بالكاد نفسي. 
هناك جريمة مستمرة في حق اسرة "الطباخ" السندباد علي عبدالمجيد، هذه الواقعة الجارحة ليست آخر فصولها. 
رحماك يا الله. 

                                               ****
هنا أقوال فتحي علي عبدالمجيد المنشورة في النداء في 2007:
"حامل الراية.. والأثقال
«أنا متُ قبل 24 سنة»، يقول فتحي في معرض تفسير أسباب عدم خوفه من إمكانية تعرضه للخطر جراء مثابرته على استرداد أبيه.
ما من شك في أنه حي. رجل في الـ 36 يقف في كبرياء راكناً إلى عمود انتظمت فقراته من الحب والكدح والألم والولاء.


في 11 فبراير 1983 كان في الثانية عشرة من عمره. مذَّاك بدأ الإبن البكر لمنى بمغادرة البيت في القرية لسببين: العلم والعمل.
بعد 5 سنوات كان قد أكمل الإعدادية، وانتقل إلى العاصمة باحثاً عن أب... ووظيفة.
وجد وظيفة في وزارة المواصلات، وما يزال يجهد في البحث عن أبيه.

بعد أسابيع من انتقاله إلى صنعاء، حرَّر فتحي مذكرة إلى رئيس الجمهورية باعتباره -حسب نص المذكرة- المسؤول الأول والأخير عن (أمن) المواطن، طالب فيها الرئيس بالسماح له بزيارة أبيه المختطف من قبل الأمن الوطني، أو إطلاق سراحه. وإذ شدَّد على أن ما وقع لأبيه هو محض اختطاف أمني، ذكَّر الرئيس القائد بالله الجبار المتكبر المنتقم.

تحمل فتحي باكراً مهمة ملء حيز من الدور الشاغر. صار رجلاً قبل الآوان، لكنه لم يترجل قط. وقد تأكدت «النداء» من مصادر عديدة بأنه أضطلع بالمهمة المستحيلة منذ 1988.
كان أخوه الكبير (طارق) قد غادر إلى الصين، وكان رفاق أبيه الكبار مطاردين في كل مكان، وكان قدره أن يحمل الرأية و حده.

تجاوب الرئيس علي عبدالله صالح مع مذكرة الفتى الطالع من صلب أبيه. وفي 1989 صدرت مذكرة مذيلة بتوقيع الرئيس تطلب من رئيس جهاز الأمن الوطني «الاطلاع على شكوى أولاد علي عبدالمجيد عبدالقادر أنعم العبسي،والإيضاح عن ذلك».

طبق إفادة فتحي فإن مدير مكتب الرئيس امتنع عن وضع الختم على توقيع الرئيس.
لكن المدير وجه مذكرة في 26 نوفمبر 1989 إلى العقيد غالب القمش، يطلب فيها «الإطلاع على مذكرة فتحي بخصوص اختفاء والده، والتوجيه بما ترونه».

كانت المذكرات المتبادلة بين الرئاسة والجهاز تتم عبر قنوات سرية، لكن الباحث المتشوق لأبيه لم يعدم وسيلة للحصول على نسخ منها. وكان ظاهراً في المذكرات الرسمية نية المتورطين في إطالة أمد البحث، إذ تعمدوا دوماً استخدام مفردة اختفاء، عوض «اعتقال» التي يعتمدها دوماً «رب الأسرة» الصغير.
وقد علم فتحي في وقت لاحق من عام 1990، أن مكتب الرئاسة حرر مذكرة تعقيبية أخرى موجهة إلى رئيس جهاز الأمن الوطني. كانت مجرد مذكرات!

لم يعرف اليأس طريقاً إلى قلب الفتى وفي 31 يناير 1990، تمكن من استصدار مذكرة من النائب العام علي محمد اليناعي، موجهة إلى رئيس جهاز الأمن الوطني، جاء فيها:
بخصوص شكوى أولاد المدعو علي عبدالمجيد (...) والتي مفادها بأنه قد اختفى في عام 1983، ولم يعرف عن مصيره شيء (...) وعليه نأمل الإطلاع والإفادة إذا لديكم أي معلومات».
قال لـ«النداء»: ذهبت مذكرة النائب العام بقناة رسمية، وقد تابعت مكتب النائب العام وقيادة الجهاز، ولم يكن هناك أي رد»، ثم أردف ممتعضاً: «كانت مجرد مذكرة لشراء سكوتك».

قبل أسابيع من قيام الوحدة، بلغ الشاب فتحي أن جار الله عمر وقياديين آخرين من الحزب الديمقراطي، موجودون ضمن وفد في فندق رمادة حدة. سارع إلى الفندق حاملاً ملف أبيه: «أستمع جار الله لقضيتي، وعرضت عليه وثائق ومذكرات، ووعدني بطرح الموضوع في اللقاءات التي ستتم في قيادات عليا». استعاد مشهد اللقاء بالقيادي الاشتراكي اللامع.

صباح اليوم الذي ألقى فيه علي سالم البيض خطابه الشهير في ميدان السبعين قبل الوحدة، قرَّر فتحي المجازفة، وحمل نسخة من مذكرة الرئيس، وطرق باب عبدالله محرم المسؤول البارز في جهاز الأمن الوطني. دلف إلى حوش «منزل محرم»، وتقدم من الرجل الذي كان يستعد لطلوع سيارته، فتح ذراعه ليسلمه المذكرة الرئاسية.

لم يخف محرم إنزعاجه. وبحسب فتحي، فإنه «هتر (انتزع) المذكرة من يدي، ثم نهرني بشدة قائلاً: ما هوش عندنا».

قبل أن تنطلق سيارة المسؤول الأمني، قرر فتحي أن يضع اللمسة الأخيرة على المشهد، فأطلق صيحة مغموسة بمرارات سنين: «لكنه معتقل عندكم»، غادرت السيارة مسرعة» باتجاه ميدان السبعين حيث سيلقي قادة الوحدة الموعودة خطابات على الجماهير الغفيرة... الغفورة!
<<<«تفاءلنا بقيام الوحدة»، زفر فتحي الذي استنزفت سنوات الوحدة الـ17 رصيده من التفاؤل.

أعلنوا عهد التسامح والوئام وإغلاق ملفات الماضي -تحدث دون حماسة- صدَّقنا وقلنا موضوع أبونا إنساني. وزاد: بعد الوحدة أُفرج عن معتقل من نفس الفترة إسمه علي نعمان، لكن أبي لم يخرج. ذهبت إلى علي نعمان وسألته عن أبي، فأفاد بأنه في فترة التحقيقات كان يتواصل مع أبي عبر إطلاق أصوات محددة، كما كان يسمح المحققين أو السجانين ينادون عليه بالإسم، لكن التواصل انقطع بعد قرابة 3 أشهر.
بعد سنة عرض حامل الراية، على ياسين سعيد نعمان رئيس مجلس النواب، قضية والده في مذكرة وقعها عن الأسرة الصابرة، أشار فيها إلى معاناة أسرته جراء تسويف واستعلاء الجهات الأمنية، وكتب: عندما كنا نتابع الأمن الوطني كانوا يفيدوننا بأنه غير موجود، ومرات يقولون إنه قد خرج منذ فترة و نزل يعمل في عدن (...) سئمنا من الاكاذيب، ونحن (الآن) على ثقة بأننا في ظل الجمهورية اليمنية سنلتقي بوالدنا». حرر المذكرة نيابة عن 8 من أفراد أسرته هم أخوة طارق (الكان يدرس في الصين) وشقيقه شفيع، وشقيقتاه فتحية ووائلة... وجداه (من أبيه) عبدالمجيد عبدالقادر، وحمامة دماج.

مات الجد عبدالمجيد بعد أشهر من تحرير المذكرة التي أحالها رئيس مجلس النواب إلى لجنة حقوق الإنسان للمتابعة. وبعد 4 سنوات ماتت الجدة حمامة.
وسائل شتى لجأ إليها فتحي «المتشائل»، وقد طرق قنوات متنوعة، ولاذ بوسطاء، وغالباً ما تم تجاهله، وأحياناً جاءه الرد يحمل نبرة وعيد من مغبة الاستمرار في «البحث عن طباخ ماهر»، لم يتذوق سجانوه أصنافه!
لكن الطفل الذي تذوق «كيكاً فاخراً باللوز والفستق»، ما يزال يتابع البحث عن مصير «الشيف» علي عبدالمجيد."

                                                           ***
هنا منشور كتبته في 18 يوليو 2012 لمناسبة "صورة" و"حدث" كان فتحي يتصدرهما:
"" لم يعد فتحي علي عبدالمجيد وحيدا, هذا الرجل الخارق الذي حار اليأس في التصرف معه! يخوض حرب استرداد ضارية منذ طفولته الباكرة ضد القهر والإنكار والتهوين والتجاهل والتعامي... قبل 30 عاما توقفت رحلة أبيه السندباد علي عبدالمجيد, أمهر طباخي الستينات والسبعينات في عدن ثم صنعاء. اعتقله رجال الامن الوطني ثم لم يظهر قط. كان فتحي في العاشرة, وبعد سنوات طلع إلى العاصمة يريد أبيه, وقف عشرات المرات, أعزلا وحيدا, امام مقرات المسؤولين وبيوت الامنيين وأماكن نزول الوفود الحقوقية, وقف أمام فندق حدة للقاء قياديين اشتراكيين أثناء مفاوضات الوحدة, وطرق مكتب ياسين سعيد نعمان رئيس مجلس النواب بعد الوحدة, اقترب من بيوت القمش والصرمي والانسي وكل الرجال الرحيمين في دولة الفيد والامتيازات!
واليوم, اليوم فقط كان فتحي, عضو الهيئة الإدارية لرابطة أسر المخفيين قسريا, يتقدم صفوف أسر المخفيين قسريا في وقفة احتجاجية قبالة منزل الرئيس هادي, وقف لاول مرة دون ان يكون ظهره مكشوفا. هتف مع الامهات والزوجات والأبناء والأخوة والاخوات ضد مشروع قانون العدالة الانتقالية سيئ الصيت, هتف ضد عذابات 30 سنة, وضد كل أعدائه المباشرين وغير المباشرين...
أمعنت فيه, استعدت قصته كلها, تذكرت زيارته الاولى لمكتبي في صحيفة النداء في مايو 2007, وأثر تلك الزيارة في العمل على الملف وتوسيع نطاقه... وإذ ضبطته صباح اليوم متلبسا بالانجاز, مخلفا خيباته وراءه حاملا صورة أبيه بيمناه ووعوده كلها بفؤاده, استدعيت للتو بيت شعر للبردوني يشير إلى فتحي, فتحي الرجل والقيمة والوجهة: "لأنك الكل فردا.. كيفية لا تكيف", أما الفرد الذي وقف وظهره محمي لأول مرة منذ 30 عاما فقد كان لسان حاله يقول: ها أنذا أيها القتلة قد جئت مجددا لكني هذه المرة لست وحدي! "
(الصورة المرفقة يظهر فيها فتحي في أول فعالية لرابطة اسر المختفين قسريا، وكانت أمام منزل الرئيس الانتقالي هادي، الذي يعد هو نفسه أحد المتورطين في جرائم الاخفاء القسري منذ احداث 86 ثم في حرب 94).


(اعتذر للأصدقاء الكرام ولأسر المختفين قسريا لعدم توفر روابط من صحيفة النداء عن المختفين قسريا ولعدم ظهور الصور في الرابط في التعليق الأول، فلسبب ما تم في قبراير 2014 إنهاء موقع صحيفة النداء من قبل الشركة المضيفة ووكيلها المحلي في اليمن)

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً