بادىء ذي بدء تهم الإلحاد والتشكيك والتحرش بالذات الإلهية والردةَّ التي وجهت إلى "أشرف فياض" هي بحد ذاتها إساءة للذات الإلهية، وسأكشف بأسلوب مُدلل عن هذه الإساءة في الأسطر القادمة. لقد جاء قصور الفقهاء الذين أصدروا حكم الإعدام بحق "أشرف فياض" من عدم استيعابهم لعدة مبادئ أساسية أشار إليها التنزيل الحكيم صراحة، نورد لك شيئاً منها:

(1) التنزيل الحكيم من ألفه إلى ياءه لم يشر إطلاقاً إلى عقوبة للمرتد، أو إلى أي عقوبات من أي نوع عندما استخدم تعبير "حدود الله" حيث أن العقوبات التي وردت في التنزيل الحكيم لا تتجاوز خمساً من بين ستة الآلف آية، وهي عقوبة السرقة والقذف والقصاص والحرابة والزنا. والمواضيع التي ورد فيها تعبير "حدود الله" في التنزيل الحكيم كلها تمحورت حول المرأة والصيام والميراث أو ما أشبه، وليس فيها أي إشارة إلى عقوبات مقدرة- أي بما أنزل الله- وبالتعيين عندما تحدث عن "حدود الله" وما يثبته تقصي الآيات أن "حدود الله" ضمت العديد من التوجيهات والأوامر في الميراث، وفي حقوق المرأة (الطلاق) وفي الصيام فقط.

(2) أنه لا صحة لإيمان ولا اعتبار لكفر، لقوله تعالى: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ (النحل: 106) وقوله سُبحانه: أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (يونس: 99)

(3) لقد عَبْر التنزيل الحكيم عن الحرية التي تقوم على الاختيار ونفى جنس الإكراه وعلى رأسها حرية الفكر والاعتقاد والممارسة في قوله تعالى: لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ (البقرة: 256) وفي هذا المبدأ الأصيل يتجلى تكريم الحق سُبحانه وتعالى للإنسان، وترك أمره لنفسه، وتحمله تبعة عمله، وحساب نفسه، وهذه هي أخص خصائص التحرر الإنساني.

(4) القضاء السعودي لم يستوعب قط بأنَّ حكم الناس باسم الله يحتاج إلى تفويض صريح منه، وإلى سلطة دينية لتنفيذه، هذه السلطة الدينية التنفيذية لم يملكها حتى الرسول الكريم (ع) لأنها بحد ذاتها أداة إكراه. تأمل في قوله تعالى إن شئتـ: فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطَر إِلَّا مَنْ تَوَلَّىٰ وَكَفَرَ فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (الغاشية: 26﴾

(4) القضاء السعودي ضرب بعرض الحائط بقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (المائدة: 54)

وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِۖ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (البقرة: 217)

الحديث في الآيتين يدور حول الردة عن الدين حصراً، وهو المنهج السلوكي العام، بدءاً من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر والعمل الصالح، وغير ذلك هو من باب التقول والاستدراك على الله، أو المزايدة عليه، لا أكثر ولا أقل من ذلك. لذا فإننا نوصي قارئ التنزيل الحكيم بأن يقارن بين العقوبات الخمس المذكورة في التنزيل الحكيم، السرقة والقصاص والحرابة والزنا ورمي المحصنات التي جاءت صريحة في التنزيل الحكيم مع عقوبة المرتد في آية البقرة 217 التي اقتصرت على حبوط عمله وبطلانه في الدنيا والآخرة، واستبدال المرتدين عن دينهم بقوم يحبهم الله ويحبونه.

فهل ستخضع أفئدة القُضاة أو الذين بيدهم القول الفصل لقوله تعالى، ويستجيبوا بإلغاء الحكم الجائر الصادر بحق "أشرف فياض" أم سيظل اسم "أشرف فياض" مجرد اسم ورقم على قائمة تطول شيئاً فشيئاً لضحايا الرأي الآخر في دولة قمعية أشهر من نار على علم، ما زالت تعيش في القرن الأول من الهجرة تجتر الماضي السحيق وتعيش فيه؟!

ملاحظة: لقد تضاربت الأنباء حول السبب الحقيقي لاعتقال فياض، حيث ذكر والده في مقابلة صحفية على قناة فرانس 24 أن ابنه اعتقل من المقهى بعد مشادّة كلاميّة بينه وبين أحد أصدقائه على إثر مباراةٍ لكرة القدم، هدده صديقه أثناءها بالترحيل من السعودية ووضعه في السجن بحكم علاقته الوطيدة مع جماعة "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" أي أنّ الدعوى كيديّة وباطلة ولا أساس لها من الصحّة، فيما تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي ما سمّوه "السبب الحقيق لاعتقال فياض" وهو فيديو نسب لفياض تصويره، وهو يوثّق اعتداء جماعة الأمر بالمعروف على طفل وتعنيفه، وكلا الأمرين محتمل إلّا أن الثاني أكثر منطقيّة ربّما..