الاثنين 25 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
وفاء صندي
"عاصفة الحزم".. واليمن الخاسرة
الساعة 18:16
وفاء صندي


في تغيير مفاجئ في استراتيجيتها اتجاه الوضع السياسي والامني في اليمن، وفي تصعيد غير مسبوق، أطلقت المملكة السعودية، بتحالف مشكل من 10 دول عربية، عملية “عاصفة الحزم”، حيث شنت طائراتها المقاتلة سلسلة غارات ضد أهداف تابعة لجماعة الحوثيين، بعدما اكتشفت السعودية، التي حصلت على دعم خليجي خلال قمة الدوحة للتصرف بالملف اليمني وفق مصالحها ومصالح دول الخليج، ان رهانها على الرئيس عبد ربه منصور هادي، الذي اثبت ضعفه وقلة خبرته في ادارة البلاد وفشله في مواجهة المد الحوثي ومجابهة الرئيس السابق علي عبدالله صالح، لن يوقف سيطرة الحوثيين على السلطة ولا محاولات ايران بسط نفوذها في اليمن.

وأن التدخل غير المباشر، عن طريق دعم او تشكيل تحالفات قبائلية تدعمها المملكة بالمال والسلاح، لن يستطيع الوقوف في وجه جماعة الحوثيين ومن خلفها ايران التي عملت منذ خروج علي عبدالله صالح من السلطة على تقوية هذه الجماعة الشيعية المتمردة اعلاميا وسياسيا وامدادها بالمال والسلاح.

 إيران، التي تسعى الى مد نفوذها الاقليمي، واعادة صياغة موازين القوى، ولعب دور اقليمي قوي تضغط به لأجل القبول بها وبمشاريعها وخططها في المنطقة، وجدت في فوضى اليمن الفرصة التي كانت تنتظرها لبسط سيطرتها على هذه الرقعة من الارض التي تمثل بالنسبة إليها، اولا، حلما تاريخيا واعتقادا مذهبيا، اذ ان اليمن كانت ولاية تابعة للإمبراطورية الفارسية تسعى اليوم الى استعادتها، وهناك آراء فقهية شيعية تعتبر أن ما يحدث في العالم هو تسريع لعودة “الإمام الغائب” أو “سيناريو نهاية العالم”، وأن انتصار الحوثيين في اليمن والشيعة في العراق هو جزء من هذا السيناريو..

وثانيا، مطمعا اقتصاديا، اذا ما علمنا ما تتميز به اليمن من موقع استراتيجي يجعلها تقع بين دول غنية بالنفط والقرن الإفريقي، وتتوفر على مضيق باب المندب الذي يعتبر من أهم الممرات المائية في العالم، والذي تعني السيطرة عليه التحكم في طرق الملاحة والامداد العالمية. وثالثا، اداة للتضييق على السعودية ودول الخليج والمنطقة العربية ككل وتهديد لامنها القومي من خلال حصارها بالتواجد الايراني في الجنوب والشمال عبر سوريا ولبنان والعراق والحوثيين في اليمن، بالاضافة الى التواجد الاسرائيلي في الغرب.

وقد استغلت ايران حالة الضياع والفشل اللذان يشكلان السمة الاساسية لليمن ما بعد الثورة في ظل تفشي الفوضى وانعدام الاستقرار، وانقسام الجيش والامن، وتدهور الاوضاع الاقتصادية وتأثير ذلك على الحالة المعيشية لليمنيين، وتنامي الصراعات الداخلية بين الفرقاء السياسيين والتي تحولت الى حرب اهلية، بالاضافة الى تواجد تنظيم القاعدة الذي انتعش نشاطه مع احداث اليمن، من اجل دعم تيارات سياسية وتنظيمات مسلحة وتجنيد شبكات جاسوسية بغرض التدخل في اليمن.

كما قامت بفتح قنوات اتصال مع قوى سياسية فاعلة لضمان قبول التحالف أو التنسيق مع الحوثيين كقوة ممثلة لإيران في اليمن على غرار حزب الله في لبنان. وقد تم ذلك وحصلت جماعة الحوثيين بعد تنحي صالح على فرصة تعزيز سيطرتها على شمال غرب البلاد والمشاركة بعدها في مؤتمر الحوار الوطني، قبل ان تستفيد مرة اخرى من الاوضاع المتدهورة في اليمن وتنفذ هجومها الذي وسعت به من سيطرتها الجغرافية الى ان وصلت إلى العاصمة  صنعاء، وكل ذلك بفضل الدعم الايراني لا محدود.

وامام خطر توسع الحوثيين ومن ورائهم خطر المد الايراني الطموح، لم تجد السعودية حلا في عهدها الجديد سوى الضربة العسكرية التي قادتها يوم امس، والتي اختارت لها “الدفاع عن الشرعية” كغطاء (الشرعية التي تضاربت معانيها عندنا واصبحنا لا نعرف متى تبدأ ومتى تنتهي)، والاستجابة الخليجية لطلب الرئيس هادي بحماية الشعب اليمني من ميلشيات الحوثي كإضفاء للشرعية والتأييد لهذه العملية العسكرية، بينما الغرض الاساسي من العملية هو التصدي العربي للمد الايراني المتعاظم واعادة التوازن الى المنطقة. لكن هل ستحقق الضربة العسكرية الاهداف المرجوة منها؟ وهل ستوقف المد الحوثي ومن خلاله المد الايراني؟ وهل ستعيد الاستقرار الى اليمن؟

من ناحية التصدي للمد الايراني، فأمام الترسانة الحربية الضخمة للسعودية والضربة المفاجئة التي كانت بمتابة الصفعة لايران، مقابل الحصار البحري العربي والباكستاني لموانئ اليمن سيجعل أي امداد جديد للحوثيين بالسلاح صعبا، وبالتالي خيارات التصعيد العسكري ستبقى قليلة مما سيجعل جهود ايران تتركز حول دعم صمود الحوثيين لفرض حل سياسي يضمن بقاءهم في المشهد بدل القضاء عليهم نهائيا.

او ستختار التضحية بهم، ولو مؤقتا، مقابل التوصل لاتفاق نووي يشرع وجودها كقوة إقليمية، وما يجعل هذا الاحتمال واردا هو الدعم الامريكي للضربة العسكرية السعودية، مما يعني تخلي امريكا عن إيران كشريك مستقبلي لإدارة الإقليم، وبالتالي بحث هذه الاخيرة عن بديل اخر تضمن به تواجدها وتنفيذ مخططاتها، وان كان التنازل عن مشروعها في اليمن. وفي انتظار هذا الخيار او ذاك يمكن ان تلجأ ايران الى ذروعها الشيعية في دول الخليج من اجل خلق بعض القلاقل، كما يمكن ان تستعين ببعض حلفائها كروسيا والصين لاحداث بعض التوازنات.

اما من ناحية اصحاب الارض، فاليمن تبقى الخاسرة من هذه المعركة، فبعد ان تحولت إلى ساحة عربية للقتال والصراع الإقليمي بين إيران والسعودية/العرب، وبعد ان تحولت من قبل الى حاضنة للقاعديين واليوم ملاذ للداعشيين سوف تؤدي الحرب والفراغ الأمني فيها إلى الفوضى وجذب المزيد من المقاتلين والجهاديين، خصوصا بعدما باتت الحرب اليوم علنية بين السنة والشيعة.

وكما أعلنت جماعة تابعة لتنظيم داعش مسؤوليتها عن تفجير مساجد شيعية، سوف تنتعش التوترات الطائفية غدا اكثر، وسوف تنتعش معها الفوضى التي تجد دائما من يستفيد منها من مجرمين ومتطرفين وارهابيين مما يزيد المخاوف بشأن مستقبل اليمن، صاحبة الجغرافية الوعرة التي يصعب مراقبتها او السيطرة عليها، والتي لن تكون احسن حال من العراق وسوريا وليبيا.

اما ما يقلق اكثر في الموضوع، والذي لا احد يمكن ان ينكر تداعياته الخطيرة، فهي التدخلات العسكرية المفاجئة التي باتت لغة الرد في المنطقة. بالامس استفزاز مصر وجرها عسكريا الى ليبيا، واليوم استفزاز السعودية وشنها حملة عسكرية عربية في اليمن.. وغدا الله اعلم. فهل بات الخيار العسكري هو البديل عن الحوار السياسي؟ وهل بات رفع السلاح خارج الحدود هو اسهل طريقة للدفاع عن الحقوق؟ وهل لا تفتح هاتين العمليتين شهية بقية الفاعلين في منطقة ملغومة بالاستفزازات والنزاعات الطائفية والصراعات الحدودية؟

كل ما اتمناه ان يقف هذا النزيف قبل ان يحرق الاخضر واليابس.

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص