الاثنين 25 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
وفاء صندي
اربع سنوات على الثورة.. الاعلام التونسي الى اين؟
الساعة 20:26
وفاء صندي




اربع سنوات مرت على ثورة تونس التي اسقطت نظام بن علي الذي كان من اشد اعداء الاعلام والاعلاميين، والذي شهدت فترة حكمه الافتقار للحرية الاعلامية حيث مورست على الاعلام المعارض سياسة تكميم الافواه وشتى انواع التضييقات، فيما فرض على الموالي منه للنظام الدخول في قوقعة التعتيم من جهة والتمجيد وتضليل الرأي العام من جهة أخرى. ورغم وهم التعددية الاعلامية التي انطلقت مع بداية الالفية الثانية، بقي الاعلام التونسي تحت سيطرة نظام بن علي الذي كانت عائلته تسيطر على جل المؤسسات الاعلامية لما يخدم مصلحة النظام ويدافع عن سياساته ويضمن استمراريته مما ادى الى تدجين الاعلام والحيلولة دون قيام صحافة حرة.

وبعد هبوب رياح الثورة وسقوط نظام بن علي، حاول الاعلام التونسي التحرر من قيوده والانتصار لاستقلاليته، وشهدت الساحة الإعلامية توسعا هاما مع إطلاق الكثير من إلاذاعات والقنوات التلفزيونية الرسمية والخاصة، والعديد من العناوين شديدة التنوع من جرائد مستقلة وأخرى حزبية تعبر عن كل التوجهات والايديولوجيات من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وقد حاول الاعلام الخروج من بيت الطاعة (النظام) والدفاع عن حريته وتنوعه، لكن عملية الانتقال الديمقراطي وضعت الإعلام في إطار جديد، جعلته يتخبط في كل الاتجاهات ويرتكب بعض المخالفات والتجاوزات. فالاعلام، كما الثورة، عانى من عدم اكتمال نضجه وايضا استقلاليته. فكانت المواجهات على اشدها مع النظام التونسي الجديد، بقيادة حركة النهضة الذي اعتبر خصما شرسا للاعلام، وللتذكير هنا المواجهة التي حدثت بين وسائل الاعلام المختلفة والحكومة بعد تعيينها مديرين لعدد من المؤسسات الإعلامية، حيث رأى اعلاميو تونس أن ذلك القرار يقوض حرية التعبير وهو محاولة للسيطرة على الاعلام. فكانت هذه بداية المواجهة بين الاعلام ونظام ما بعد بن علي، مما جعل فترة ما بعد الثورة فترة عصيبة على اعلام يحاول الانتصار لنفسه، وعقلية قديمة تحاول تدجينه والسيطرة عليه، هذا من ناحية.

ومن ناحية اخرى عانى الاعلام التونسي من عدم انخراط الجميع في  إصلاح حقيقي له مما ادى إلى عودة إعلاميين متورطين في الفساد إلى الواجهة بدعم من الحكومة، إلى جانب توظيف المال السياسي والمال الفاسد في القطاع، مما تسبب في تسجيل عدد من الانتهاكات لأخلاقيات المهنة بصورة ربما كانت اشد قتامة من عهد بن علي. اضف الى ذلك ان فترة ما بعد الثورة في تونس، كما في مصر، شهدت ظاهرة خطيرة ولها انعكاساتها على المجتمع وهي تصفية الحسابات مع الماضي بكل أطيافه. فجهة تبحث عن ماضي النظام المخلوع وأعوانه، واخرى تصفي حساباتها مع خصوم اعلاميين او فرقاء سياسيين مختلفين معهم في الايديولوجية او التوجه دون الاكتراث لميثاق العمل الصحفي. مما جعل المشهد الإعلامي يبدو في الظاهر اكثر انفتاحا وحرية لكنه سقط في مستنقع المزايدات واصدار التهم الجاهزة من قبيل معاداة الثورة والثوار او التهجم على المخالفين للرأي اما بوصفهم من زلمة نظام المخلوع، او من حراس المعبد الجدد.

باختصار، اهم ما ميز التجربة الاعلامية التونسية في مرحلة ما بعد الثورة هو ما يطلق عليه الانفلات الاعلامي، الذي يبقى ظاهرة انتقالية عادية وطبيعية لاعلام طالما عانى الظلم والظلام من جهة، ومن جهة اخرى، اعلام كان مثقلا بتركة فساد موروثة عن النظام السابق، واصبح بعد الثورة يعاني ضغط الاستقطاب السياسي الحاد، مما جعله يتخبط في مجموعة من الاخطاء والانزلاقات التي يجب أن يتخلص منها تدريجيا مع استكمال المسار الديمقراطي في تونس ليستكمل الاعلام ايضا مسيرة نضجه التي ستتوج بوصوله مرحلة الحيادية بعيدا عن ضغط الاستقطابات السياسية او التطبيل للسلطة الجديدة.

فعلى مدار الاربع سنوات، كان الإعلام التونسي منبرا لتصفية الحسابات وممارسة الضغوط ووسيلة للاستقطاب السياسي. وكانت وسائل الإعلام المختلفة مسرحا ليس فقط تدور بين صفحاته وبرامجه تفاصيل المعركة السياسية والإيديولوجية التي جمعت المعسكرين المتناحرين: الإسلاميون المحافظون والنخب العلمانية، بل كان يوجه هذا الصراع ان لم نقل كان يؤججه. لكن بعد احداث دستور جديد وانتخابات برلمانية تلتها انتخابات رئاسية استكملت بها مسيرة الانتقال الديمقراطي في تونس، كلنا يأمل ان يتدارك الاعلام التونسي اخطاءه السابقة وان يستفيد من مختلف الدروس والتجارب التي مر بها سواء خلال سنوات الانغلاق في عهد بن علي او فترة الانفتاح لا محدود والفوضى في مراحل تونس الانتقالية ما بعد الثورة.

والاعلام التونسي اذا اراد ان يكون ضامنا للتعددية ومدافعا عن الديمقراطية فعليه ان ينتصر لاستقلاليته، وان يكون اكثر موضوعية ومهنية من خلال ان يكون على نفس المسافة من الحكومة ومن باقي القوى السياسية واللوبيات، وان لا يترك المال السياسي يتحكم فيه وذلك من خلال توسيع مصادر تمويله، مع العمل على خلق اعلام سواء عمومي او خاص متنوع يقوم على مبدأ المساواة والحق في الحوار والنقاش المعتدل واحترام حق الجميع في التعبير والاختلاف، وذلك ايضا من خلال الأخذ بمبدأ الحياد و تناول الأخبار بشكل موضوعي يعبر عن كل الآراء و يحقق التعددية. اما صحافة المواطنة فهي تحتاج الى تعديل ذاتي لوضع حد أدنى من الأخلاقيات المهنية.

ولأن واقع الاعلام يرتبط اساسا بوضع البلد السياسي، فعودة الاستقرار السياسي الى الشارع التونسي نتمنى ان يعيد للاعلام استقراره ايضا، بعد رادح من الفوضى عرفها في السابق، وكما انتصرت الديمقراطية في تونس، نتمنى ان ينتصر الاعلام ايضا لنفسه بعد مسلسل اصلاح لا خيار له الا ان ينجح في اجتيازه تدريجيا.
رأي اليوم ـ كاتبة مغربية

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
1
2015/01/17
نايف محمد
هههههههههههههههههههههههههههه
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص