السبت 23 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
د.عادل الشجاع
الحوثيون والجيل الرابع من الحروب
الساعة 17:40
د.عادل الشجاع

لم يعد الغرب ومعه الدوائر الصهيونية بحاجة إلى شن حروب تقليدية يتكبد فيها خسائر مادية وبشرية. فقد لجأ إلى الجيل الرابع من الحروب الذي يجعلك تحارب نفسك بنفسك، أي يقسم المجتمع إلى فرقاء يحاربون بعضهم البعض بينما يجني هو المكاسب ويعيد تشكيل المشهد بما يخدم مصالحه.

وهو لا يستطيع فعل ذلك إلا حينما يتمتع الطرف الآخر بالغباء السياسي. وهذا متحقق بجماعة الحوثي التي تنتقل من خطأ إلى آخر. وحينما أتحدث عن جماعة الحوثي تحديدا فمن منطلق شعاراتها التي خرج الناس من أجلها المتمثلة باستعادة الكرامة والسيادة والعيش الآمن. وحينما أقول أن هذه الجماعة تتمتع بالغباء السياسي فهذا واضح من خلال ما آلت إليه الأوضاع أولا وافتقادها القدرة على سماع المعارضين ثانيا. تعتقد هذه الجماعة أنها على صواب دائما وأنها تحمل العدل المطلق وخصومها يحملون الشر المطلق. تعتقد أن اللعب على وتر المظالم واستدعاء مآسي الماضي وشحن أتباعها بتلك المشاعر سيكون كافيا لبقائها في المشهد السياسي.

ومن أجل ذلك تسعى إلى التبريرات المستمرة لكل ما يقع من أخطاء وترجعها إلى عوامل أخرى ليست مسؤولة عنها لكي تظل مرتاحة الضمير بل تسقط ما بداخلها من نوايا ومشاعر سلبية وعدوانية على الآخرين فهي تكره من ينتقد أخطاءها لأنها لاتريد أن ترى التشوهات في داخلها. ونتيجة لذلك فقد انفصلت عن الواقع وأفرطت في استخدام الدفاعات النفسية مما ضاعف حالة العمى السياسي لديها. وقد تابعنا الحملة الإعلامية التي شنتها وتشنها قناة المسيرة على النشطاء السياسيين الذين ينتقدون ممارسة هذه الجماعة غير القانونية واتهامها لهم بالعمالة والتحريض على تصفيتهم جسديا ومعنويا اعتقادا منها أنها ستسكت هذه الأصوات باستخدامها استراتيجية القمع لتسويغ سلوكها بنظرية المؤامرة. لم تكتف هذه الجماعة باستهدافها لمنظمات المجتمع المدني وتعطيل نشاطها لكي لا تكشف دمويتها وإرهابها في السجون الرسمية وغير الرسمية. لقد دأبت هذه الجماعة على تسويغ ممارساتها إلى نشر نظريات المؤامرة، والتجريح والتشهير بالمعارضين، وتأجيج خطاب الكراهية نحو المعارضين لممارساتها الخاطئة. تكرر هذه الجماعة نفس الأخطاء دون الاستفادة من تجاربها السابقة وبالتالي تكرار تجارب الفشل إلى مالا نهاية لأنها تفتقد لآلية المراجعة والتصحيح والاستمرار في المكابرة والتعالي والمغالطة وتوجيه اللوم للآخرين.

تتمسك دوما برغباتها الطفولية بهدف الحصول على كل شيء حتى لو اضطرها ذلك المشي عكس الاتجاه مهما كانت الظروف والأحوال. بغبائها السياسي أغلقت الفضاء العام بقمع منظمات المجتمع المدني وبتعقب الأحزاب السياسية المناوئة لها بل ألغت السياسة بمضامينها التعددية، ودفعت المواطن بعيدا عن المشاركة في الشأن العام وأحالوه إلى ما يشبه المنفى الداخلي. ولا تنفصل عن ذلك الانتهاكات المتكررة للحقوق والحريات والضغوط المستمرة التي تتفاوت من القمع واسع النطاق إلى الملاحقة والاغتيال المعنوي.

ولأن هذه الجماعة لم تكتف بالقمع المباشر فقد اتجهت إلى اختراع قانون الطوارئ بهدف حرمان المواطنين من حقوقهم وحرياتهم وحرمانهم من مساءلة الفاسدين ومحاسبتهم بل تحاول بالإضافة إلى ذلك تزييف وعي الناس من خلال أحاديث المؤامرات الكبرى والمتآمرين وتسفيه شركائهم وتسفيه الآخرين والزعم بأنها الوحيدة الحريصة على الوطن. كل ذلك بهدف جني المكاسب وتكبيد الأطراف الأخرى كل الخسائر. تنطلق من رؤية أحادية للمشهد والأحداث وليس لديها القدرة على الإحاطة بالجوانب والمستويات المتعددة. تنطلق من نقطة ثابتة في التعاطي مع الأحداث ولا تستطيع تجاوزها أو التعاطي مع المتغيرات الجديدة في موازين القوى وتفاعلات الأطراف الأخرى. جماعة تتمتع بالنرجسية والتمحور حول الذات وإلغاء العوامل الموضوعية وتفسر الأمور أو تؤولها طبقا لاحتياجاتها الذاتية وعدم السماع للنصائح أو أراء الخبراء والمتخصصين والاكتفاء بالمعتقدات الخاصة بها.

هكذا استفاد الخارج من غباء هذه الجماعة السياسي لكي يستمر العدوان. إنها تضخ كل يوم دماء جديدة إضافية لكراهيتها وتضيق الدائرة على نفسها وتفتح الأبواب للروح الانتقامية. وتلك واحدة من معطيات الجيل الرابع من الحروب. ولعل ما يقوم به عيدروس الزبيدي في الجنوب هو معطى آخر لضرب المركزية التي يركز عليها قادة الجيل الرابع من الحروب.

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص