السبت 23 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
محمود ياسين
كأنني كتبت سلسلة هروب بأربع سرديات
الساعة 18:56
محمود ياسين


يهرب العزي في تبادل الهزء من الحياة في تداعياته الذهنية بصنعاء إلى الوجود القروي في الشموس ونقيق مغارب الضفادع وكلبة الحداد ونساء الماضي ، كان بحاجة لملامسة المتبقي من حياة القرية من الماء في الحلق الى رصاصة في البطن . 

في "قبل ان اقتل رويدا" يهرب عزيز من خطأ قتل خطيبته الى الثورة في ساحة خليج الحرية ، انه الوعي السري للمدينة الحديثة وقد تسللت للعيش في حي المشنة باطراف المدينة القديمة ، وقف في الساحة بعكازين ومقولة لمارتن لوثر ةنج وةان بحاجة لاستمرارية الثورة ليس من قبيل التشبث بحلم بقدر ما هو المضي هربا من كابوس، بينما يهرب عادل إلى نيويورك وهناك يتخبط اليمني في ليلة نيويورك في اضواء النيون ومجهول المكان محاولا مكافأة هروبه بجسد نسخة من مونيكا بيللوتشي ، لكن عمه بقي فاشخا حضوره المستعلي الفج فوق راس عادل ، ليمضي ليلة هروبه في عملية اثبات للمسافة بينه وبين المخزن الذي سرقه في صنعاء لكنه حمله معه الى نيويورك كما هو حال الهاربين الأقل تمرسا واستعدادا للتخلي عن كل شيء ، فهو بقي في تسكعاته بنيويورك خائفا على أمه بصنعاء ، جمل معه ايضا تلك الامعانات المضنية التي تدرب عليها في ليالي مخزن البضائع ، على غرار لحظة التخلي عن رقم تلفون نسخة مونيكا بيللوتشي ذات الصدر المتعرق وذلك لانهماكه الممعن في حرف الكيو "Q" على شريط مؤشر داوجنز المتدفق من قلب مدينة الارباح والنيون ، ثم التساؤل المتوتر الذي يشي بيأس وجودي :

ليش مكتوب حرف الكيو على اللوحة بمدخل قريته "قحزة "بالاسمول وليس كابيتال ؟ضاع حسه الهروبي في غمرة الوفاء القسري لكل الذي تدرب عليه من ضروب القلق والارتباك وتسرب الاحلام في ليالي اليمن ، حتى ان أمين المخازن الهارب والذي قايض بضائع مخزن عمه في عملية خلت من اي امانة تذكر لم يظفر لوهلة وهو يتخبط في نيويورك بأي ضراوة شافية من الانتقام ، تلك الضراوة التي عول عليها كدافع جنساني متضور يبغي الوصول لأقاصي تهتك الهارب المنتقم ، على العكس اذ بقي عمه الكريه يتمطى على كتفيه مثل لعنة افلتت من حكاية شعبية مضافا الى ابوًكلبة بدلة رجل اعمال خلعها في صنعاء وامتطى الفتى الهارب في نيويورك ، حتى الفتاة الالبانية بدت له نسخة من خطييته في شارع العدين والتي تترك ملامساتها حسا برثاء الذات ورائحة عطن كراتين البضائع التالفة 

في رواية الرابط يهرب محمد الى الفيسبوك ، عالم افتراضي بمقاس ريبيات وخجل اليمني الذي لم يغفل عنه الواقع او يتغابى لوهلة عن حسه المفرط بالخجل من وجوده ، منحه الفيسبوك الظلال الكافية للاختباء والتجول بممكنات واحتماليات الرابط ، الرابط الجاهز دوما لمنح ظلالا للوجه وحسا مشتركا بتواطؤ النزعات في حفلة تنكرية ، لكنه علق هنا في المسافة بين ظل الوجود الافتراضي وحقائق الواقع حيث تحولت وجوه عائلته واصدقائه لظلال منعكسة عن الفيسبوك ، حد الرغبة في حظر أخيه الاكبر من الوجود كما هو الخلاص في العالم الافتراضي غير ان رعب الواقع كان قد تضاعف ، وكان بعض من اصدقائه قد لحقوا به الى عالمه الجديد متنكرين بأنوثات مستعارة هازئة من ضروب غرامياته الحزينة وضمن عملية اعادة تمثيل ومحاكاة السطو على حبيبته في الواقع ، وفي العالم المتخيل الموارب قد يجد الهارب ملاذا ما، غير ان العالم الافتراضي وهو يمنح من فقد الامان في واقعه امانا ما ، فهو بالمقابل يمنح اشكال التهديد التي هرب منها ، يمنحها امكانات لا متناهية لممارسة الشرور وقنص الطرائد العالقة بين عالمين . 

وحدها "على حافة الكأس" تسرد كيف بقي اليمني ليواجه مصيره ، رغم هروب الجندي اكرم السالمي من تبة الفرقة اولى مدرع ، إلا أنه ودون وعي بالامر ادرك غريزيا ان عليه استعادة كل الذي سقط منه بالتوقف عن الركض في كل اتجاه وان امانه وأمان وطنه لن يتحقق الا بمواجهة كل مخاوفه .
 

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص