السبت 21 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
أحمد طارش خرصان
فبراير...الميلاد والثورة
الساعة 20:27
أحمد طارش خرصان

لم تكن ثورة فبراير الشبابية2011م حالة ترفية ، بقدر ما كانت إنعكاساً حقيقياً لأوجاع بلدٍ برمّته ، واستجابة طبيعية لتطلعات اليمنيين ، التي مثّلَها توق اليمنيين للخروج من دائرة البؤس الذي حاول نظام صالح إبقاءنا فيه .

ربَّما تخطتْ ثورة فبراير ٢٠١١م العظيمة كامل التوقعات ، وتمكنت من تحطيم كامل تحصينات النظام السابق وأدواته وآلياته ، ونجحت - بشهادة الجميع - من التفوق وانتزاع حريتها واستعادة كرامتها وحقها في أن تقول للديكتاتوريات والصنمية الخادعة : كفى.

تمرّ هذه الذكرى كما تمرّ في ذاكرتنا المقاومة لرغبات المحو والقسْر ، ذكرى رفاقنا الذين منحوا الوطن أرواحهم المكتملة النقاء ، من أولئك الشهداء الذي سقطوا برصاصات الدولة المناطقية البغيضة.

تمكنت ثورة فبراير العظيمة من تفتيت العقليات المستبدة ، وبعثرتْ كل مشاريع الديكتاتوريات المستقبلية ، ونجحت في تحويل كل الأصوات المستبدة والأيادي المتسخة إلى ذكرى مهملة ومنتهية الصلاحية ، حتى وإن اعتقدت النجاح بعودتها كأدواتٍ هتم إعادتْ تصنيعها من جديد ، إذْ لا يمكن لطاولة الوطن أن تتزين بأدوات وأواني بلاستيكية ، يدرك الجميع أنها أتتْ من أحذية ممزقة ومهترئة .

كنا في الساحات نخوض صراعاً محتدماً ، مع كل الموروثات المتهالكة ، ولم يكن أمامنا سوى المضي في هذا الدرب - دونما اكتراث بكل ما يتوجب علينا تقديمه وبإصرار لا ينقصه التحدي - ومقارعة الأوهام والوهن دونما توجسٍ أو ريبةٍ في نُبْل المقصد والهدف الذي كان عامَّاً ، وهو ما أشعرنا بقيمة ما قمنا به في ذلك اليوم الفارق في حياة بلد ، اعتقده المستبدون - وقد أعملوا فيه البؤس - حقلاً لإجراء تجاربهم العفنة وممارساتهم القذرة .

لقد اندفعنا ومعنا كل فئات المجتمع في درب الحرية ، بأحلام بيضاء ونظيفة من كل الأمراض المتوارثة ، تحت شعار الدولة والمواطنة المتساوية ، والرغبة في دولة مدنية قوامها الحقوق والحريات ، والديمقراطية والمواطنة المتساوية .

لم يقتصر هدفنا على إسقاط النظام بقدر رغبتنا في التأسيس لدولة حقيقية ، لا دولة تحولت إلى كنتونات وإقطاعيات خاصة . ولعل الشعارات والأهداف التي رافقت ثورة الشباب في ٢٠١١م ، تؤكد بشكل جلي أنْ لا ضغائن لدينا تجاه أحد ولا أحقاد تحكم رحلتنا في تحقيق أحلامنا والوصول إلى هدفنا وبناء الدولة الحقيقية .

ربما كان تسامحنا إنعكاساً صادقاً لتسامح ثورة فبراير المجيدة ، ولن يجد الندم طريقه إلينا جراء هذا التسامح ، برغم ما حصدناه جراء ذلك من عودةٍ للنظام السابق البائد وبتحالف مع الحوثيين ، كثورةٍ مضادةٍ إنتقامية ، لم تطل ثوار فبراير ورموزها - فقط - لكنها طالت الوطن وحوّلتْه إلى ما يشبه خرائب ، أنتجتها يد السلالية والمناطقية والطائفية ، ما يجعل مسؤولية ثوار فبراير مضاعفة إزاء إختطاف الحلم .. الوطن .. الدولة .. والمستقبل .

لقد كان على ثوار فبراير مقاومة هذا التغول المميت والقاتل ، وبإستعداد بالغ الجاهزية لتقديم التضحيات العظيمة ، بدءاً بمن سقطوا في الساحات مروراً بمن سقطوا ويسقطون كل يوم دفاعاً عن ثورةٍ ، لا يمكن لأعتى القوى أن تنال من قدسية ذلك الحلم ، ولعل سجون تحالف الحوثي وصالح شاهدة على هذه الممانعة التي أبداها ثوار فبراير لإنقلاب الحوثي - صالح ، ونظرة سريعة لعدد الذين في سجن الحوثي - صالح
كافية لإدراك حجم التضحيات التي بذلها وسيبذلها ثوار فبراير كي تتحقق أهدافهم .

ليس لدينا ما نحتفل به سوى الإحتفال بأرواحنا المقاومة والعصية على الكسر والقسر....
أرواحنا التي خطّت البدايات الأولى للبلد ، ورسمت الحياة بتفاؤل ، لم تعكره أصوات القذائف والتفجيرات، وهي رسالة نقول فيها أننا لا زلنا أحياء وأكثر تفاؤلاً بانتصار الحلم على الأحقاد والضغائن ، 
وها نحن ننتظر بأحلام أكثر بياضاً النهايات المرعبة التي تنتظر العابثين بهذا الوطن ، وتخط البدايات الحقيقية للميلاد المنتظر والمَرُوق .

كما أن الجميع مُلزم بالوقوف إلى جوار عودة الدولة وسلطاتها ، وفق مخرجات الحوار الوطني والشرعية التي توافق عليها اليمنيون، وعلى ثوار فبراير أن يكونوا أكثر يقظة ، وأن يقفوا سداً منيعاً أمام أيّ خذلانات قادمة من جانب النخب السياسية ، والتنبه لأي محاولة من هذا النوع ، وفاءاً لدماء من سقطوا في كل بقعة جغرافية من وطننا العظيم .

وعلى ثوار فبراير التمسك بلحظة الإنحياز الحقيقية للمستقبل المستقبل الذي سيكون بمقاييس تضحيات بلدٍ ، لا زال حاضراً بتاريخه وحكمته وأنفته . رحم الله شهداء فبراير وكل الشهداء  وحفظ الله اليمن .

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً