السبت 23 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
هشام محمد
نحن الضحايا
الساعة 15:03
هشام محمد

لا يكاد المجتمع يصحو على خبر جيد يجدد به آمال العودة إلى الحياة الطبيعية، حتى تنهدم تلك الآمال والأماني بعد ساعات؛ وكلما ارتفعت وتيرة المفاوضات السياسية ارتفعت حدة القتل. عندما تطرح المبادرات للحلول بين الأطراف السياسية اليمنية لا تتحدث تلك الأطراف عن الضحايا، ولا أحد يسأل عن رأي المتضررين من هذه الحرب التي تجري في هذه الأرض. لم يتوقف السياسيون يوماً لوضع اتفاق إنساني على الأقل، بعيداً عن الحسابات السياسية أو ادعاء امتلاك تأييد الشعب الذي أُسقط من الحسابات والأجندة، وسُلبت حقوقه الإنسانية الأساسية كالعيش بأمان بغض النظر عن الموقف السياسي.

ما نحتاجه نحن المتضررون في الإتفاقيات التي تدور حولها المفاوضات يتم تجاهله تماماً، نحن ضحايا حروب سياسية عبثية لا تمثلنا في مقصدها، وبعض المتفاوضين لديهم رصيد وافر من الإنتهاكات يكفي للزج بهم في السجن مدى الحياة، ولذلك لانثق بهم ببساطة، فاختيارهم للتفاوض يرتكز على تحقيق مصالح وامتيازات ذاتية أو طائفية أو جهوية، ولم يقدم هؤلاء يوماً تنازلات نستطيع من خلالها التأكد من أنها حدثت تقديراً للمصلحة العامة.

ما نحتاجه نحن المدنيون في أي اتفاق سياسي بين القوى السياسية أن لا تسقط الحقوق الإنسانية للضحايا، ولا يُمنح أي طرف سياسي أو عسكري أي حصانة من الملاحقة القضائية من المتضررين، فأي اتفاق سياسي لا بد أن يحفظ الحقوق المدنية للمواطنين، ولا يحق لأي طرف كان أن يتنازل عنها، والذين ارتكبوا جرائم بحق الإنسان هم من سيرفضون. إننا نحتاج إلى اتفاق سياسي تُجبر عليه الأطراف السياسية جبراً، وينبع من مصلحة الإنسان بعيداً عن الإعتبارات الجهوية والسياسية، يكون تنفيذه تحت إشراف دولي، ويتم بموجبه تحييد السلاح الثقيل والمتوسط ووضعه تحت الوصاية الدولية، وسحبه من جميع الأطراف، على أن يبقى تحت الوصاية الأممية لفترة لا تقل عن عشر سنوات، يتم فيها بناء جيش وطني، أفراده مؤهلون علمياً، ويُبنى على أسس علمية بحتة. 

فالمشكلة المتراكمة والمتكررة في دول العالم الأكثر تخلفاً اقتصاياً وعلمياً مسَلَّمَة من يمتلك السلطة يصبح مالكاً للجيش والسلاح، وهو ما يجعل قياداته يعمدون دوماً إلى تكرار مآسي الدول في الحروب الأهلية، ويتصرفون باعتبارهم مليشيات السلطات، وطبقا لـ"الناس على دين حكامهم" تكون عقيدتهم إما مناطقية أو طائفية... إلخ. فهذه الجيوش عادة ما يكون أفرادها من الفاشلين علمياً والجهلة - بمعنى جهل القراءة والكتابة - وأيضاً من المجرمين والمهربين ورجال العصابات وقاداتهم ممن يتم استقطابهم في المدن كقيادات عسكرية، ومن المحسوبين على الوجاهات الإجتماعية باعتبارهم ميليشيات اجتماعية؛ وتلك الجيوش في المعتاد لا ترحب بالمؤهلين علمياً، وتعمد إلى إقصاء وتهميش الكفاءات، وأفضل نموذج لذلك هو الجيش اليمني منذ ثمانينات القرن الماضي وحتى الآن.
ما يتوجب على المبادرات أن تتضمنه هو إيجاد حلول تجبر جميع الأطراف، وتضمن عدم ترحيل المشاكل. فنحن الضحايا لا نود الذهاب إلى مستقبل مليئ بالصراعات المؤجلة والمتراكمة، كما لا نريد أن نرى أحداً من قادة الحرب الذين تورطوا في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وقد شرعنتهم الإتفاقيات السياسية، ومنحتهم الحصانات وبضمانات دولية. بالرغم أن القانون الدولي لا يقر مثل هذه الحصانات، إلا أن تكرار التغاضي عن تسمية المسؤولين عن الإنتهاكات والجرائم يعد مؤشراً إلى إمكانية مباركة مثل تلك الحصانات، طمعاً في تحقيق إنجازات مؤقتة كما حصل في المبادرة الخليجية.

إن الإتفاقيات السياسية الهشة لا تعد إلا استراحة محارب لاستكمال جولة أخرى من الصراع، وجولة جديدة من سفك دماء الأبرياء، خاصة في ظل استمرار القادة السياسيين في التمترس خلف الشروط الخاصة بالأطراف، والإصرار على استمرار الحرب.

نحن الضحايا نتطلع إلى أن يُفرض اتفاق سلام عادل فرضاً في هذه الأرض، بموجبه تعاد الحقوق المسلوبة من الشعب وأمواله، ويُجبر جميع قيادات الأطراف (سياسون وعسكريون) الحاليون المساهمون في إذكاء الصراع السياسي على ترك العمل في السياسة والتخلي عن مناصبهم، وإفساح المجال لشخصيات لم تتورط في الصراع من قريب أو بعيد، وإخضاع أفراد الجيش الحالي لمعايير علمية بحتة، ومحاكمة من ثبت تورطهم في الإنتهاكات والجرائم.
نحن الضحايا - الذين قتل منا الآلاف بسلاح جيشنا "الوطني" - لا فرق لدينا في من سيتولى حمايتنا من عدو خارجي أو داخلي، سواء قوات عربية أو دولية، حتى يتم بناء جيش وطني لا يوجه سلاحه إلينا، ولا يحمل توجهاً مناطقياً ولا طائفياً. فبالنسبة للقتيل، هوية القاتل لا تمثل عنده فرقاً في طعم الموت؛ فحتى إن كانت القوات العربية أو الدولية التي ستشرف على تحييد السلاح الثقيل قاتلاً محتملاً، فما سمي يوماً بـ"الجيش الوطني" هو قاتل مؤكد.

*العربي

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص