السبت 21 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
سمير رشاد اليوسفي
خُطة"جهيمان"للقضاءعلى الاتحاد السوفياتي؟!
الساعة 02:29
سمير رشاد اليوسفي

 في فجرالأول من محرم عام 1400 هجرية دخل "جهيمان العتيبي"مع 200شخص من أتباعه "الحرم المكي"بحوزتهم قناصات وبنادق صيد خبأوها في " توابيت" أوهموا حراس البوابات أنها تحمل موتى بغرض الصلاة عليهم فبل دفنهم ...

وعقب انتهاء إمام الحرم " محمدبن عبدالله السبيل" من صلاة الفجر سارع اتباع جهيمان لاغلاق البوابات وقتلوا عدداً غير معلن من حرسها حاولوا عبثاً منعهم .

 بالسيطرة التامة على " الحرم " قام أحدهم خطيباً في الجموع التي قُدِّر عددها ب100ألف طالباً منهم مبايعة الامام المهدي الذي ورد في صحاح الحديث أن إسمه " محمدبن عبدالله" وهو علوي من أبناء فاطمة جلبوه معهم وتنطبق عليه كل الصفات المذكورة في كتب السنة إضافة لكونه يحفظ القرآن كاملاً ..وتتلمذ علي يد كبار مشايخ السعودية .

لم يكن " المهدي " المذكور سوى شقيق زوجة " جهيمان" مُدبر الانقلاب الذي ترك العمل في الحرس الوطني السعودي عقب مقتل الملك فيصل وتفرغ لتجميع " الأخوان" من طلبة العلم وتحشيد مشايخ الدين ضد الأسرة السعودية الحاكمة وكان متأثراً بالشيخ " مقبل بن هادي الوادعي " والشيخ " عبدالعزيزبن باز " والشيخ" محمد ناصرالدين الألباني" وتمكن من استقطاب المئات من طلبة العلم في الرياض والمدينة المنورة كما كتب العديد من المؤلفات التي طبعها بتمويل من  بعض مريديه في دولة " الكويت" أبرزها كتاب " الخلافة" ......

وبعدماذاع صيته وتعرض لملاحقة السلطات أختبأ في منطقة"ساجر" لبضعة شهور ..  إلاّ أنّ ثورة الإمام الخميني وعودته من المنفى في الاول من فبراير عام 1979وما لقيته من صدى عالمي مُبْهر بعد تشكيله لأول حكومة برئاسة"مهدي بازركان" دفعته لمعاودة نشاطه تحت لافتة إنتهاء القرن الهجري الثالث عشر ودخول القرن الجديد الذي تؤكد الأحاديث "إنّ الله يبعث على رأس كل 100عام من يجدد لهذه الأمة دينها" ومن شدة حماسه وبعض مريديه لهذه الفكرة وهوسهم بها صاروا يَرَوْن في مناماتهم رؤيا متكررة يظهر فيهاأحد زملائهم  "محمد بن عبدالله"على أنّه " المهدي" المنتظر، وكانوا من قبل يرددون على مسامعه أنّه ربما يكون " المهدي " لانطباق كل المواصفات المذكورة في الأحاديث عليه .

خلال تلك الفترة تعرض الشيخ اليمني من صعدة"مقبل الوادعي" للمضايقة  على خلفية وشاية أكدت أنه الأب الروحي ل"جهيمان" ما أستدعاه للتعجيل بمناقشة أطروحته للماجستير في الجامعة الاسلامية في المدينة والعودة إلى بلدته " دماج" في صعدة حسبما تحدث في إحدى محاضراته ودونه في كتابه"المخرج من الفتنة".
 
كما تشير المعلومات عن دعم تلقاه من شخصيات في الكويت لها ارتباطات   في بريطانيا ذُكر منها الدكتور"عبدالله فهدالنفيسي" الذي سحبت منه دولته"الكويت" جوازسفره  قبل أن يهرب الى "ساجر" السعوديه ويُعتقل هناك لأكثر من عام .. 

إلاّ أنّ النفيسي نفى تهمة ارتباطه بحركة "جهيمان" وبرر سحب جواز سفره لكتاب نشره محتجاً ضد سلطات بلده عقب حلها لمجلس الأمة وقال " لو كنت مع جهيمان ما برأتني السلطات السعودية".
 
في خطبة " الجمعة " التى خطبها "جهيمان" بعد أيام من احتلال الحرم برر سبب التجائه للكعبة بحديث نبوي ذكر أنّ المهدي سيلوذ بالكعبة هو وزمرة من أتباعه وأن جيشاً من أبناء جلدتهم ودينهم سيهاجمهم بعد لواذهم بالكعبة لكنه سيتعرض للخسف .. ليخرج بعدهاالمهدي وأتباعه لتحرير الشام والعراق .
 
يؤكد أحد أتباع جهيمان مِمَّن رفضوا الاستجابة لدخول الحرم معه أنّهم كانوا مقتنعين بفكرة المهدي إلى حد الهوس لكثرة الدلائل عليها واقتناع مشايخهم بها وهم من كبارالعلماء  ..  
وزاد تسليط الاعلام على ثورة الامام الخميني من هوسهم بها .

كل تلك المعطيات دفعت بجهيمان لدخول الحرم بتلك الطريقة المباغتة ...  ومن فرط اقتناعه بالدلائل إلى حد اليقين التام لم يدر  في خلده أنه قد يفشل ويقتل مع كل أتباعه .. 
كما لم يكن النظام في " السعودية"يتوقع إحتلال الحرم بتلك الطريقة من قبل المتشددين الوهابيين الذين أنضووافي تنظيم أسسه"جهيمان" - وهوعسكري سابق لِ 18عاماً في الحرس الوطني السعودي -بإسم" الجماعة السلفية المحتسبة" .. وكانت مطاردتهم له وأتباعه من قبيل دفع تحريضهم وتأليبهم داخل أوساط "الحرس الوطني"التابع للنائب الثاني ..
  
كل محاولات الأمن السعودي في تخليص الكعبة على مدى أسبوعين كاملين باءت بالفشل وأضطروا للتراجع أكثر من مرة بسبب تعرضهم للقنص من منارات الحرم السبع التي تضررت أجزاء بعضها من قذائف المدفعية نظراً لمتانة بنائها .
 
اكتشف النظام السعودي أنه لايعلم شيئاً عن خارطة الحرم وبالذات الأقبية السفلية التي يعود بنائها للحكم العثماني.. ومدتهم مجموعة " بن لادن" التي اشتغلت آخرتوسعة بما لديها من خرائط تم عرضها فيما بعد على ثلاثة خبراء تم طلبهم من الجيش الفرنسي خلصوا إلى فكرة ذكية  مفادها ضخ مياه مُكهربة بكثافة على المقتحمين لشل حركتهم  وبعدما فروا الى السراديب جوار بئر زمزم أغرقوهم بالمياه وتزامن ذلك مع إنزال مظلي تناقلت وكالات الأنباء مشاركة أمريكان فيه إلى جانب طيارين سعوديين.. 

ألقي القبض على " جهيمان" ومن بقي حياً من أتباعه  ليتم توزيع إعدامهم بالسيف على أربع مدن سعودية..
 
أمّا "محمد بن عبدالله الغامدي"قُبض عليه جثة هامدة من بين القتلى الذين بلغ عددهم 280شخصاً معظمهم من المعتمرين والمعتكفين ... 
ولاحقاً أعلن " الشيخ بن باز" أنّه لم يكن المهدي المنتظر لثبوت عدم صحة انتسابه للعلويين من أبناء فاطمة .. 
  
بعد إعدام جهيمان وتداول الأنباء عن تأثره بالثورة الإسلامية في إيران ... خرج  الامام الخميني عن صمته بتصريح اتهم فيه الولايات المتحدة بتدبيرمخطط "جهيمان" .

قصة جهيمان بما تحمله من رمزية للمهدي الذي يعد من أركان المذهب الجعفري مع فارق مكان الظهور بين السنة والشيعة ... ظهرت مع إنتصارات الثورة الاسلامية والتي كان آخرها أقتحام سفارة "واشنطن" قبل 16يوماً فقط من اقتحام جهيمان للحرم ... 

كما تلاها ب" 34" يوماًفقط إجتياح الاتحادالسوفياتي لدولة أفغانستان ب115ألف مقاتل واحتلالها بلمح البصر... 

وكان قد سبق هذاالاجتياح بعام تحرك نشط لعناصرفي المخابرات الأميركية في كابول تحول إلى صمت بعدسقوط دولة "الشاه"الحليف المدلل لواشنطن وذراعها الباطشة في الخليج وخروج أكبرقاعدة أميركية في الشرق الأوسط بفعل ثورة الخميني دون أي مقاومة .. مماعززقناعةالسوفيت بأنّ أميركا لن تتدخل في أفغانستان فدفعت بقواتها لتسيطرعليها في لمح البصر ... !

احتاج الروس لأشهر ليدركوا أنهم وقعوافي الفخ الذي وقع فيه "صدام" أيضاً بعد عشرسنوات باجتياحه للكويت .. 
   
وكمااستطاعت السعودية بأموالهاالإفلات من لعنة"المهدي "إلى حين ...فقد وجدت في إستغلال مظلومية "أفغانستان" وشعبها البسيط المكان المناسب لتفريغ شحنات الهوس الديني المتنامية لدى شبابها الذين سبق لجهيمان أن غرر ببعض منهم.. فتحولت القضية االإفغانية إلى القضية المركزية لبلاد الحرمين الشريفين وبؤرة اهتمام السعودية من الملك إلى المواطن البسيط .. 
 
دولة إيران الاسلامية دخلت معمعة الجهاد الأفغاني بكل قوة فلا يعقل أن تتخلى عن شعب تربطها به أواصر القربى والجوار ومعظمه من نفس المذهب .

بالعودة إلى الشيخ مقبل الوادعي فقد عادإلى صعدة التي كانت حسب توصيفه بلد"الرافضة"وتلقى التشجيع والتمويل لتأسيس معهد"دارالحديث" في"دماج"في معهد علمي كان مكلفاً بإدارته ...
والذي تحول مع ظهورحركة "الحوثيين"إلى مركز للتدريب العسكري وذراع قوية لمواجهتهم بدعم من جهات نافذة في السلطة والجيش .. 

وكان إجلاءهم قبل عامين بأمر رئاسي بعد تشجيع من رئيس الاستخبارات السعودية السابق "بندربن سلطان" بطريقة عكست القهر والإذلال  والتخلي .. والتردد بين توطينهم في أكثر من مكان إيذاناً بظهور مظلومية جديدة .. لمواجهة جديدة .. من الواضح أنّ اليمن تخوض غمارها في الوقت الراهن . 

بالعودة إلى إحتلال أفغانستان الذي تزامن مع أعيادالميلادفي أميركا والاحتفال بدخول العام الميلادي الجديد .. 
كان الرئيس المصري الراحل أنورالسادات بعد توقيعه لاتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل منهمكاً باصلاح الشأن المصري الداخلي بطريقته الأبوية التي خلقت له عداوة مع مختلف التكوينات السياسية ..
أضف إلى ذلك أنّ الشارع المصري كان مصدوماً بتوقيع تلك الاتفاقية التي تسببت في عزلته عن بقية الشعوب العربية .. 

وجاء استقبال السادات لشاه ايران "محمد رضا بهلوي" في مصر ليؤجج ضده معظم الوعاظ المتعاطفين يومها مع ثورة الخميني وكان"الشيخ عمرعبدالرحمن"الذي أنهت جامعة الامام محمدبن سعود إعارته في إطارالاصلاحات الدينية التي أعقبت القضاء على حركة جهيمان أحد هؤلاء المشايخ .. فكان من كبار المحرضين على التخلص من السادات .. الأمرالذي دفع بعبدالسلام فرج وسيد إمام وعبودالزُمروخالدالإسلامبولي
وبقية أعضاء الخلية التي خططت لقتل السادات وأصطلح على تسميتهم"بتنظيم الجهاد"لتنصيبه أميراًشرعباً عليهم .. 

وبعد نجاحهم في قتل السادات في أكتوبر 1981 في مشهدٍ بثته شاشات التلفزة على الهواء وقت حدوثه .. وحظي بتعاطف ودعم معظم مشايخ الدين في العالم الاسلامي ..  وصل الحال إلى تبرئة أميرالتنظيم "عمرعبدالرحمن "بعد أربع سنوات من الحبس  وهروب "أيمن الظواهري"أحدقيادات التنظيم من " ليمان طرة" والذي سيُصبِح له شأن في محاربة الحكومات التي لاتحكم بشرع الله .. !
 هرب الظواهري من مصر إلى السعودية ثم إلى طهران عبر دمشق .. ليظهر بعد فترة  في أفغانستان .

اكتمل سيناريو مواجهة الشيوعيين باستقطاب الجماعات السلفية والجهادية والأخوان المسلمين..
وتقاسمت السعودية وإيران  الدعم المالي واللوجستي والعسكري للأطراف المحسوبة عليها .. حيث ظل ولاء الجماعات السلفية حكراً على المملكة .. والشيعية مثل " حزب الله" على إيران .. 
أما جماعتا "الاخوان المسلمون" و"الجهاد" وما تفرع عنهما من حركات وتنظيمات استفادتا من ايران والسعودية معاً ..

وبذلك ..كفى الله أميركاخطرالشيوعية إلى الأبد!

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً