الاربعاء 13 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الاثنين 4 نوفمبر 2024
عباس الضالعي
اليمن 5 سنوات من الثورة الى شرعنة المليشيا
الساعة 19:06
عباس الضالعي

(قراءة تحليلية)

ثورة الربيع العربي في اليمن كانت من افضل الثورات التي شهدتها بعض الدول العربية وكانت اكثر نضوجا نظرا لطبيعة المجتمع اليمني الذي ينتشر فيه السلاح بشكل كبير ، ضربت مثالا حضاريا في سلميتها امام الهجمة الامنية الشرسة لأجهزة النظام ، وتعاملت مع المحاولات المتكررة لجرها الى معركة عسكرية بعقلانية وصبر ، وفوتت الفرصة على النظام لتحويل الثورة من ثورة سلمية الى ثورة مسلحة .
ثورة الشباب 2011

كانت ثورة الشباب الشعبية السلمية عام 2011 تقترب من تحقيق أهدافها ، الا انها تعرضت الى " مطب " أدى الى خلط الأوراق نتيجة التدخل الإقليمي والدولي وفرض المبادرة الخليجية على الأطراف السياسية ، وكانت هذه بداية " فرملة " الثورة وتفريغها من مضمونها وعرقلة أهدافها .
 
لم يتحقق من ثورة الشباب الشعبية السلمية سوى هدف واحد وهو إزاحة شخص علي صالح من الحكم واستبداله بنائبه في الحكم والحزب ( المؤتمر الشعبي العام الحاكم ) وبموجب المبادرة الخليجية المدعومة إقليميا ودوليا وامميا تم تلقيح الحكومة ( حكومة الوفاق الوطني ) بعناصر محسوبة على الثورة بنسبة 50% مع بقاء سلطة حزب المؤتمر تتحكم على مفاصل الدولة ومؤسساتها المختلفة ..

كان اختيار نائب علي صالح ( عبدربه منصور هادي ) رئيسا للفترة الانتقالية هو الضربة التي " قصمت " التغيير في اليمن وعرقلة حركة الانتقال السلمي واعاقت الثورة من تحقيق أهدافها ، كان اختيارا خاطئا وكارثيا بكل المقاييس ، واختياره تم بترشيح من علي صالح شخصيا ودعم دول الخليج بالدرجة الأولى وبموافقة من القوى السياسية المحسوبة على الثورة وداعميها ، كان السياسيين ينظرون الى هذه الخطوة بداية للتغيير والتخلص من رأس النظام ، ولم يولي السياسيين أهمية لقدرات الرجل ( هادي) القيادية وهي مواصفات مهمة لمن يتولى منصب رئيس ، الكل تعامل مع الاختيار السيئ بنوع من اللا مبالاة بهدف تجاوز تعقيدات المرحلة ، على امل الوصول لمرحلة استقرار سياسي عقب انتهاء الفترة الانتقالية ( حددت بعامين بموجب المبادرة الخليجية ) التي لم تنتهي الى الان وربما تستمر لفترة من الوقت .
الفترة الانتقالية

تولى هادي رئاسة اليمن الانتقالية بأدوات علي صالح المسيطرة على مفاصل الدولة ، وكان هذا الوضع بالنسبة لهادي يدرك انه محاصر بعلي صالح من ناحية ومطالب بإجراء تغييرات تلبي تطلعات القوى الثورية الذي لهم فضل في الموافقة على اختياره رئيسا انتقاليا ، فأصبح هادي محاصر بين الطرفين مع رغبات تتصادم فيما بينها ، علي صالح يريد بقاء رجاله في مناصبهم وقوى الثورة تريد التغيير ، فكان التغيير الذي جاء به هادي كارثيا ، خاصة في المؤسسة العسكرية والأمنية الذي قام هادي بتغييرات رجال علي صالح واستبدلهم برجال مقربين منه ومن أبناء منطقته ( ابين ) وكانت هذه بداية الانتكاسة ، لان اغلب هؤلاء المقربين من هادي مناطقيا كان ولائهم عمليا لعلي صالح ، وكان على رأسهم وزير الدفاع وقائد الشرطة العسكرية وغيرها من المناطق العسكرية والوحدات الأمنية .
 

عبدربه منصور هادي رغم توليه منصب نائب الرئيس لسبعة عشر عام الا انه لم يكون له نفوذ خاصة داخل الجيش والامن ولم يكون له علاقات الأطراف السياسية ومع القبيلة وباقي المكونات المجتمعية ، وضعف العلاقات هذه تتعلق بشخصه ، حيث كان يفضل " الانزواء " بصورة عامة ماعدا الحضور ببعض المناسبات البروتوكولية .
 
هذا الوضع دفع بهادي الى اللجوء للاستعانة برعاة المبادرة الخليجية ( خمس دول خليجية والخمس الدول دائمة العضوية بمجلس الامن ) عبر سفرائها المعتمدين بصنعاء ، وكان التأثير الكبير للسفير الامريكي والسفير السعودي بالدرجة الأولى ، لجوء هادي للاستعانة بالسفراء هو للتغطية على ضعفه القيادي بالدرجة الأولى ومحاولة منه لفرض قراراته بقوة رعاة المبادرة ، هذا الضعف القيادي الذي يسيطر على هادي كان سببا لوضع اليمن تحت الفصل السابع ، وكان سببا بهيمنة الأمم المتحدة عبر مبعوثها على القرار اليمني ، وقد اثر ارتهان القرار اليمني على مسار الاحداث ، بسبب غياب الإرادة اليمنية وحضور ارادات خارجية مختلفة المصالح والاهداف ومتضاربة فيما بينها في أمور كثيرة ..

كان هناك اجماع بين رعاة المبادرة ( الدول العشر ) بضرورة القضاء على ثورة الشباب كوجود والبقاء عليها كشعارات إعلامية وسياسية ، دول الخليج كانت ترى في الثورة ( كل ثورات الربيع العربي ) خطر يهددهم فعملوا على مناهضتها وشيطنتها وحشرها بتيار واحد ( التيار الإسلامي ) وتلتقي اهداف الدول الكبرى ( دائمة العضوية ) مع اهداف دول الخليج ( أصحاب المبادرة الخليجية الذي صاغ فكرتها وبنودها علي صالح وأرسلها للمملكة العربية السعودية لتقديمها للأطراف السياسية المحسوبة على الثورة  ) ، توافقت الأهداف الإقليمية والدولية على ضرورة تفريغ ثورة الشباب من محتواها ، والتفريغ قام به عبدربه منصور هادي كمنفذ فقط ، اما الذي يقف وراء التفريغ هي دول الخليج التي استعانت بعلي صالح وكان رجلها الأول في تلك الفترة .
 
ضعف هادي أدى الى تسليم القرار اليمني الوطني الى سفراء العشر ، وهذا ما دفع علي صالح لاستغلال هذا الوضع لتحقيق أهدافه الخاصة بالانتقام من القوى والشخصيات الذي قدموا دعما لثورة الشباب ، لان علي صالح اعتبر ان الثورة عليه هي ثورة على شخصه وليس على نظامه ، فتولدت لديه رغبه جامحة بالانتقام من كل من دعم الثورة ، فتوافقت رغبة علي صالح مع اهداف القوى الإقليمية والدولية على ضرب القوى الجديدة والتقت هذه الأهداف عند نقطة ضعف عبدربه منصور النائب السابق لعلي صالح واليد الأمينة التي اشترط علي صالح تسليم السلطة لها .
 
علي صالح نجح في تسويق مفهوم ان الثورة في اليمن هي ثورة تابعة للاخوان المسلمين ، وركز على هذه الجزئية وسوقها إعلاميا وسياسيا حتى اقتنع الخليج بأنها ثورة اخوانية رغم ان الإصلاح ( المحسوب على الاخوان ) كان طرفا بالثورة مثله مثل باقي القوى التي ساهمت بدهم الثورة ، لكن علي صالح وبطريقة ذكية ركز على قضية اخونة الثورة وهو المصطلح الذي يستفز دول الخليج ويجذبهم للوقوف معه .
 
كل التغييرات التي كان يقوم بها هادي وحتى وان كان أصحابها من أعضاء حزب المؤتمر او أحزاب أخرى او مستقلين كان يصفهم اعلام علي صالح بانهم ( اخوان ) وصولا الى انه قام بأخونة عبدربه منصور هادي الذي يسبح في عالم اخر بعيد عن طبيعة المرحلة وأهدافها ومتطلباتها ..

أسلوب إدارة هادي للبلاد احدث فراغ كبير على مختلف الجوانب ، وكانت قراراته وتصرفاته تصب لمصلحة علي صالح ، قرارات هادي طبعا كانت تفتقد للجانب الوطني لانها كانت عبارة عن املاءات خارجية بسبب ارتهان القرار اليمني للسفراء ،  تحول هادي خلال تلك الفترة الى مجرد سكرتارية عند سفراء العشر وتحديدا السفير الأمريكي والسعودي .

صالح وغياب القرار

غياب القرار اليمني احدث فراغا كبيرا ، استغله علي صالح في استكمال مهمة الانتقام من خصومه ( القوى والقيادات الداعمة للثورة ) الذي فشل بالانتقام منهم عسكريا خلال حروب الحصبة ونهم وتعز ومناطق أخرى ، فشل بسبب تماسك القوى والقيادات الثورية ، وتوفر عامل توازن القوة ..

نجاح علي صالح بتسويق اخونة الدولة الجديدة  الذي اقتنع بهذا التسويق رعاة المبادرة الخليجية ( الحاكم الفعلي للمرحلة ) وضعف هادي وأهدافه غير الواضحة ، تم ضرب حكومة الوفاق الوطني برئاسة الأستاذ محمد سالم باسندوه ( الرجل الثاني في تنفيذ المبادرة ) وعرقلتها وتأليب الشارع عليها ، من خلال استهداف الخدمات ( قطع الكهرباء بواسطة تخريبها ، احداث أزمات تموينية للمشتقات النفطية ، قطع الطرقات ، تشجيع عناصر التخريب والفوضى ، تمويل مسيرات ضد الحكومة ، تغذية المطالب الفئوية ، اغراق الحكومة بتوظيف ستين الف ،  وغيرها ) وكل هذه كانت عبارة عن تحديات كبيرة امام الحكومة .
 
كانت حكومة الوفاق الذي تمتلك قوى الثورة نصف حقائبها ، والنصف الاخر لحزب علي صالح وعبدربه منصور هادي ( المؤتمر الشعبي ) الا ان علي صالح وهادي فضلا التضحية بحصتهما في الحكومة مع اختلاف هدف كلا منهما ، هدف علي صالح افشال الحكومة لتحقيق أي تحول يصب في صالح التغيير ، وهدف هادي إزاحة باسندوه ووزير المالية بالدرجة الأولى لانهما كانا عقبة امام طموحات فساد أولاده ومقربيه .
 
اهداف علي صالح كانت بعيدة المدى ، واهداف هادي لم تتجاوز قدميه ، هذا التوافق والتضارب كان يمثل هدفا استراتيجيا لرعاة المبادرة الذي كان لهم مساهمة بضرب التيار الإسلامي والقوى المحسوبة على الثورة الذي نجح علي صالح بتصنيف قوى وقيادات الثورة بأنهم اخوان ، وكان بالنسبة للخليج وامريكا وشركائها بضرورة افراز قوة جديدة تعمل على إزاحة التيار الإسلامي والمحسوبين عليه ( قوى وقيادات الثورة ) عسكريين وسياسيين ورجال قبائل وناشطين وغيرهم ، فكان الاختيار على التيار الذي قدمه علي صالح لدول الخليج ورعاة المبادرة ، هذا التيار كان احد المتواجدين في ساحات الثورة اكتشف أخيرا ان

حضوره كان مدفوعا من علي صالح .

جماعة الحوثيين كما هي معروفة إعلاميا  ، انصار الله لاحقا ، وقع الاختيار عليها ، اختيار علي صالح ، فعلا لقد احسن الاختيار ، جماعة لاتعرف سوى العنف ، وتجيد استخدام السلاح ، وتهوى القتل ، لها أهدافها ، ولها برامجها ، وامتداداتها الفكرية والسياسية والعسكرية ، بإعتبارها ذراع فكري مسلح لإيران ، تم اختيارها للقواسم المشتركة بين أهدافها الاستراتيجية وبين اهداف علي صالح المؤقتة والمحدودة ، واهداف هادي القائمة على التفكيك ، تفكيك كل شيء ، المؤسسات والمنظمات والمجتمع ، هادي وبعد توليه الرئاسة الانتقالية بفترة بسيطة كان يعتبر قوى الثورة وقياداتها عائقا امام طموحاته (الوضيعة والمتواضعة ) المتمثلة بتعيين اقاربه وحاشيته بمناصب في مؤسسات الدولة امنية وعسكرية ومدنية وديبلوماسية وسلطة محلية وغيرها ، وهو ما اطلقت عليه حينها ( ابينة الدولة ، نسبة الى منطقته ابين ) والسماح لاولاده بحرية ممارسة التدخل والتسلط وابرام الصفقات وغيرها ، كل هذه الأهداف خدمت جماعة الحوثي وعملت على سيطرتها على الدولة ..
 
 قرار النكبة 
 في 10 ابريل 2013  اصدر هادي قرارا نيابة عن سفراء العشر وبغطاء من المبعوث الاممي قرارا بإلغاء الفرقة الأولى مدرع ( تضم حوالي 23 لواء عسكري تتواجد في محافظات الجمهورية)  بقيادة الفريق علي محسن الأحمر نائب الرئيس حاليا والذي اعلن انضمامه وتأييده لثورة الشباب وكان قرار إعلانه هذا هو الضربة الذي قصمت ظهر صالح ونظامه  ، ونتيجة هذا الموقف وقيام الفرقة بحماية ساحات الثورة ووقوفها امام معسكرات والوية الحرس الذي حاول صالح تحريكها للهجوم على صنعاء ومحافظات أخرى ، تم تصنيفها بأنها تابعة للاخوان وقد نجح صالح بهذا التسويق ورعاة المبادرة وهادي استكملوا باقي المهمة ، كان قرار انهاء تشكيلات الفرقة واستبعاد قيادتها وتفتيت الويتها وكتائبها وتشتيتهم على الجغرافيا اليمنية هو اول قرار قدمه هادي ومن يقفون خلفه لجماعة الحوثي وكان انهاء الفرقة وابعاد قائدها هو انتصار كبير للحوثيين له مابعده من تبعات ، وفعلا اثبتت الأيام ان الفرقة الأولى مدرع والمنطقة الشمالية الغربية هي صمام امان الدولة والجمهورية وكانت هي الجيش الوطني الوحيد ، انهاء الفرقة والمنطقة الشمالية كان هدية ثمينة من هادي للحوثي حيث كان يعتبرها الحوثي عقبة كبيرة امام مشروعهم التوسعي وقد اثبتت الاحداث صحة ذلك ، بعد الانقلاب أعلنت الوية الجيش تأييدها للحوثي وفتحت معسكراتها لنهب أسلحتها ولان الفرقة كألوية قد تم مسحها عمليا الا ان ضباطها وافرادها بادروا بالذهاب الى معسكرات الجيش الوطني وهم من يقف في الجبهات سواء مع الجيش الوطني او المقاومة ، كان قرار تفكيك الفرقة كارثي بكل المقاييس على اثره فككت الدولة والنظام ..
 
من اجل ضرب التيار الإسلامي وقوى وقيادات الثورة ( خصوم علي صالح بالدرجة الأولى ) تم تقديم الدعم للحوثي ومنحها الغطاء الشرعي من خلال إدخالها الى الحوار الوطني بحصة كبيرة تجاوزت حجمها الحقيقي وتم تخصيص جزء من جغرافية اليمن بأنها مناطق نفوذ تسيطر عليها  ، وقدم لها دعم سياسي واعلامي ومالي وعسكري ، وتم ارغام الجيش والامن على الالتزام بالحياد ، كانت جماعة الحوثي تتواجد في قاعات الحوار ومليشياتها تسيطر على المناطق عسكريا ، ويقوم الاعلام بتصوير تلك المعارك انها مع جماعات مسلحة من السلفيين والاصلاحيين ، تم السيطرة على دماج وخيوان وباقي محافظة صعدة التي كانت لاتخضع للحوثيين تحت عنوان ان الحرب مع السلفيين وتم تهجير اهل دماج بموجب لجنة رئاسية بقرار من هادي وبرئاسة قيادي من رجال صالح ، قال عبدالقادر هلال لاصحاب مركز دماج اما تغادروا والا سيضربكم الطيران الأمريكي ( في إشارة ان المركز إرهابي ) ، انتقلت الحرب الى حاشد ، وتم تصنيفها انها بين الحوثيين ( قوى وطنية كما كان يصفهم اعلام صالح والاعلام الخليجي ) وبين جماعات موالية لحزب الإصلاح ( وهذه المنطقة تابعة لآل الأحمر وهم مصنفين اهم خصوم علي صالح لدعمهم ثورة الشباب ) ونجح الحوثي بالسيطرة على حاشد وتفجير منزل رمز ثورة سبتمبر الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر رحمه الله ، وهنا حقق الحوثي هدفين مع بعض ، الانتقام من ال الأحمر لانهم دعموا الثورة عليه ، وهدف خاص بالحوثي وهو الانتقام من الشيخ عبدالله الذي كان الركن الأساسي لثورة سبتمبر الذي قضت على النظام الامامي بثورة سبتمبر عام 1962  الذي يعتبر الحوثي امتداد لذلك النظام ..
 
تسليم عمران بداية سقوط الجمهورية والدولة 
 
انتقل الحوثي الى مدينة ومحافظة عمران ( البوابة الرئيسية لصنعاء العاصمة ) وحاصرها وحاصر القوات المسلحة المتواجدة هناك ( اللواء 310 مدرع ) وتحت عنوان تغيير المحافظ الإصلاحي ،  واعلام صالح والخليج يصف ذلك اللواء بأنه مليشيا تابعة للإصلاح واولاد الأحمر ، انتصر الحوثي في تلك المعركة التي استمرت اكثر من سبعة اشهر ومؤسسات الدولة العسكرية والأمنية في حالة حياد كامل ، وكالعادة قام هادي بتشكيل لجان رئاسية عملت على تسهيل مهمة الحوثيين ، والأكثر من هذا ان هادي قام بتحكيم الحوثيين في عمران نتيجة مقتل عدد من عناصر الحوثي الذين هجموا على احدى النقاط العسكرية التابعة للواء 310 وقام الجنود بالدفاع عن انفسهم وموقعهم وقتلوا أربعة او خمسة من جماعة الحوثي المسلحة ، وكان تحكيم هادي هو ضربة قاصمة للدولة وهيبتها ، انكسرت الدولة في عمران وانتصرت المليشيا وقتل قائد اللواء واستكمالا للخيانة والمؤامرة قام هادي وبرفقة مليشيا الحوثي بزيارة الى عمران الذي كان في استقباله الإرهابي الحوثي أبو علي الحاكم واعلن هادي من داخل مبنى المحافظة بأن محافظة عمران عادت اليوم الى أحضان الدولة ، في رسالة تأكيد للخارج والحكام الفعليين لليمن ( سفراء العشر ) بأن عمران كانت تحت سيطرة الإصلاح وال الأحمر ..
 
بسقوط عمران سقطت الدولة والجمهورية والنظام وهادي وصالح وسقطت اليمن وقد قلنا هذا الكلام في حينه ، وان الحوثي لن يتوقف عند عمران وسيسطر على اليمن كاملة ، لان عمران كانت تمثل نقطة استراتيجية على المستوى العام ( عسكري واجتماعي وسياسي وثوري  ) ، عمران وحاشد تعرف بأنها العمق الاستراتيجي للنظام الجمهوري وانها رمز للقبيلة وان ال الأحمر يعتبرون اهم زعماء القبائل وان انكسار القبيلة وسيطرة الحوثيين عليها تمثل ضربة قوية لبقية القبائل ، وهذا ماحدث فعلا ، بعد سيطرة الحوثيين على عمران وحاشد القبائل اليمنية ارتعبت من الحدث وهذا ما دفع رجال القبائل الا التعامل مع الحوثيين كواقع يجب التعاطي معه لتجنيب مناطقهم الصراع العسكري والتدمير والتفجير  ، سيطرة جماعة الحوثي على عمران بدعم من قيادة الجيش وتواطؤ من رئاسة الدولة وبخيانات متعددة وبتخطيط من علي صالح ..
 
لم تتوقف مليشيا الحوثي عند حدود عمران كما أعلنت ووقعت على الاتفاقات التي صاغتها اللجان الرئاسية ان الهدف هو تغيير المحافظ وابعاد اللواء 310 وقائده وكما قال هادي ان عمران عادت الى أحضان الدولة ، بعد أيام فقط من استكمال سيطرتها على عمران ونهبها لمعسكرات الجيش والامن والدوائر الحكومية ، انطلقت نحو صنعاء العاصمة ، لم يكلفها كثيرا الوصول الى صنعاء من حيث العتاد او الزمن ، وحاصرت صنعاء بعد سيطرة كاملة على الحزام الأمني للعاصمة وبدعم من وزير الدفاع وبموافقة هادي الرئيس الانتقالي وبأدوات علي صالح ، كان المبرر لحصار العاصمة صنعاء هو اسقاط الجرعة ( رفع الدعم الحكومي عن المشتقات النفطية ) وهو القرار الذي ظل رئيس حكومة الوفاق يرفضه طول فترة رئاسته للحكومة لكن هادي كان يعرف ان قرار مثل هذا سيوفر الوقت والجهد والمبرر لجماعة الحوثي لدخولها صنعاء ، نتيجة رفض باسندوه لقرار رفع الدعم عن المشتقات النفطية قام هادي بإصدار قرار منفرد ، وكان هو عنوان هام منح جماعة الحوثي تأييد شعبي نتيجة انعكاسات ذلك القرار الذي رفضه باسندوه في جلسة ساخنة لمجلس الوزراء وحمل هادي القرار وتبعاته ، إضافة الى هذا المبرر كان هناك مبررات أخرى منها  ، وجود جامعة الايمان وحزب الإصلاح والفرقة الأولى مدرع الإرهابية ، واولاد الأحمر ( جميعهم مصنفين خصوم علي صالح ) ، اثناء حصار الحوثيين لحصار صنعاء عسكريا خرج هادي بخطاب متلفز ( عرف لاحقا بأنه خطاب كاذب ) بأنه جاهز لحماية صنعاء وان صنعاء خط احمر ( قال أيضا ان عمران خط احمر ) وانه مستعد للموت فيها هو وأولاده ، اثناء حصار صنعاء طلب من قيادة الإصلاح ان تقوم بحماية صنعاء وانه مستعد لتقديم السلاح الكافي والمال لذلك وردت عليه قيادة الإصلاح لسنا جيش حتى نحمي الدولة وندافع عن العاصمة ، هذه مهمة الجيش ، على الجيش ان يقوم بذلك ونحن نقف معه ، طبعا كان الهدف من طلب هادي هو الزج بالإصلاح لمواجهة الحوثي لكن الإصلاح فهم اللعبة وسجل موقف وطني وذكي ،  في 21 سبتمبر 2014 أعلنت جماعة الحوثي سيطرتها على الدولة بعد سيطرتها على العاصمة ، وكان مدير مكتب هادي يتلقى الاتصالات من السفراء الأجانب الذين يستفسرون عن ما يحدث بصنعاء وكان يرد عليهم بطمأنتهم بقوله كل شيء تحت السيطرة ومتفق عليه سلفا مع جماعة الحوثي ولديهم مهمة محددة مكلفين بها ، بمعنى ان مهمتهم هي تصفية القيادات الذي صنفها علي صالح خصوم له ( الفريق الأحمر واولاد الأحمر وحزب الإصلاح وقيادات أخرى ) ، بعد السيطرة على صنعاء فرضت جماعة الحوثي اتفاق اطلقت عليه ( اتفاق السلم والشراكة ) الذي وقع بمنزل هادي بين الحوثيين والأطراف السياسية التي كانت في مؤتمر الحوار .
 
جميعنا يعرف الاحداث التفصيلية التي سبقت السيطرة على العاصمة والمبررات التي رفعتها الجماعة كشعار للتغطية على ماتقوم به وخاصة شعارها الثلاثي ( اسقاط الجرعة ، تطبيق مخرجات الحوار ، مكافحة الفساد ) ومن يقرأ هذه الثلاثية اليوم اكيد سينفجر من الضحك ، بعد ان ذاق الناس الويلات من حكم المليشيا ، ماهي الا أيام واستكملت الجماعة سيطرتها على الدولة كان اخرها هو فرض الإقامة الجبرية على هادي بعد إعلانه استقالته هو ورئيس الحكومة الذي فرضه الحوثيين ( بحاح ) وبعد شهر من الإقامة الجبرية هرب ( بضم الهاء وتسكين الراء )  هادي الى عدن ومن هناك اعلن ان الاستقالة أعلنت تحت قوة السلاح ، ظل هادي شهر في عدن وهو يحكي قصة هروبه من صنعاء بينما المليشيا تلتهم المحافظات وتتواجد على اطراف عدن ، لم يستكمل هادي سرد حكاية هروبه من عدن نتيجة هروبه من عدن الى عمان ثم الى الرياض وهناك وجد الوقت لقص حكايات وقصص هروباته المتكررة الى اليوم،  كالعادة لم يصدر هادي أي امر عملياتي للقوات المسلحة لمواجهة جماعة الحوثي منذ اول عملية لها بدماج حتى وصلت عدن ، وهذا مايضع عدد من علامات الاستفهام حول دور هادي وعلاقته بالمليشيا الحوثية والتي ستكشف تفاصيلها الأيام القادمة ..
 
هادي نجح بتفكيك مؤسستي الجيش والامن ونجح بتفكيك مؤسسات الدولة الرسمية ونجح بتفكيك المجتمع والأحزاب والمنظمات ، كل هذا التفكيك جاء لصالح جماعة الحوثي ، وجود هادي يعتبر فراغ كبير في قيادة الدولة ، لم يلتزم بأي تعهد ولم يلتزم ببرنامج المرحلة وكل ما قام به هو تكييف الدولة والقرارات لتتناسب مع رغباته من جهة ورغبات بعض السفراء من جهة ثانية .
 
اليوم وبعد مرور سنة ونصف على انطلاق عاصفة الحزم بقيادة المملكة العربية السعودية ورغم الدعم الإقليمي والدولي الا ان اليمن تفتقد للقرار الوطني المستقل من الهيمنة الخارجية .. مشكلة اليمن الأساسية هو غياب القرار الوطني اليمني ، اذا توفر القرار اليمني ستنتصر اليمن على كل هذه المشاكل وستعود الدولة ، الجيش الوطني يحتاج الى قرار ، دعم المقاومة يحتاج الى قرار ، التواجد على الأرض المحررة يحتاج الى قرار ، القرار مصادر والإرادة غير موجودة وكل ما يجري هو عبارة عن تنفيذ اجندات  باسم شرعية اليمن ، هذا الكلام نقوله بعد سنة ونصف من تحالف عشر دول لاعادة عبدربه منصور هادي الذي سلمها بصنعاء وبعلم بعض دول التحالف .

تحرير القرار اليمني أولا
ما تحتاجه اليمن أولا هو تحرير القرار وبموجب توفر إرادة القرار اليمني المستقل ستعود الدولة وتتحرر الأرض وينتهي الانقلاب ، اليمن مصادرة بسبب مصادرة قرارها ..  وما يحدث اليوم من الرياض بقيادة هادي هو إعادة تفكيك المفكك وتثبيت اركان جماعة الحوثي ، الذي ستنتقل الى اطوار أخرى بدعم هواجس علي صالح الانتقامية ..  ومع غياب القرار الوطني ستسمر الكوارث وماعلينا حينها الا الندب والشجب دون ان نعرف ان غياب القرار اليمني هو أساس انتاج كل الكوارث .. لا ننسى ان الدول التي بذلت جهود كبيرة في شيطنة التيار الإسلامي ودعم الثورة المضادة ممثلة بصالح وهادي وتنفيذ جماعة الحوثي هم اول من اكتوى بنار علي صالح والحوثي وهادي والكلام في هذا الجانب حساس هذه الأيام لكني تناولته في حلقتين ومواضيع أخرى اثناء بداية انطلاق جماعة الحوثي عسكريا ، حذرت كثيرا من ذلك الدعم وخطورته وقلت ان حرب الحوثي ليست ضد أولاد الأحمر او الإصلاح هي حرب إيرانية وستنتقل المعركة الى دول المنطقة ، وتحقق ماحذرت منه ولا زالت الأيام تحمل في طياتها مفاجئات ، لان سياسة التراخي لا تنتج سوى الكوارث ..

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً