الأحد 24 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
أحمد علي عبداللطيف
نحن من يملك أجمل الأغنيات
الساعة 17:37
أحمد علي عبداللطيف

سقطت الدولة وانهار البلد وحلت الحرب..  تحت الركام ومن بين الأنقاض تطالع بعيون الصبية المذعوريين حكاية ما حل بهذا الوطن.. حكاية لا تصلح للرواية.. حكاية تتكرر في كل حرب أهلية ولا يتعلم منها أحد.. حكاية القتلة وأنهار الدم.. لا أحد يريد تذكر وجوه القتلة.. الوجوه الباردة الخالية من أي شغف أو ملامح إنسانية.. كما أن  المرء يتعب من استرجاع صور من رحلوا أو قتلوا..
يقال إن من وظائف الفن تحويل المآسي  الإنسانية إلي ملاحم خالدة. ولذلك يخفي الفن مواجع الناس ويرسم غاياتهم ونضالاتهم .

كنا نقرأ دكتور زيفاجو ...الدون الهادي...حصار لشبونة ...ليالي كتالونيا ...قصة عيدي أمين ..ميلوزوفيتش ... وأساطنة الدم الكبار موبيتسي وهيتسي.. هيلا مريام ( منجستو)  وموبوتو.. ولكن حين جاءت الحرب وداهمت المدن ونصبت المتاريس في الجبال.. كانت واقعا قاسيا..  شحدت الخناجر والأحقاد..

 كيف للمرء أن يتخلَّى عن وطنه.. كان المتنبي يقول..  
إلفُ هذا الهواء أوقع في الأنفس ........... أن الحمام مُرُّ المذاق
والأسى قبل فُرقة الروح عجز..        والأسى لا يكون بعد الفراق.. 
كنا  نريده وطناً يكبر كل يوم ، فأرادوه رقعة أرض تضج بأسباب  الموت والبوس والشقاء.
لكل حربٍ أبطالهاوضحاياها ، وفي كل حربٍ تافهون ومجرمون وأبرياء 
تختلط الحكايات والأحزان والغُصص ... نحن الناجون الذين فقدوا أحلامهم ، ولم يفقدوا حياتهم بعد . 
الناجون الذين أفلتوا من ظلمة السجن  ، لكن بقلوبٍ مكسورة ولسان حالهم  يقول   : تعبٌُ كلُّها الحياة .
في كمبوديا صنع الناس من جماجم الضحايا إهرامات ومزارات..  تحت شجرة الجماجم تستلقي عشرات الآلاف من الجماجم.. عشرات الآلاف من  الحيوات التي أُهدرت.. أُناس كانوا ممتلئين بالحياة والمرح والعلاقات الانسانية الدافئة المستلقية هناك.. 
السلام الأخير أن تكون قطعة في متحف للمآسي..  
لبنان البلد العربي الذي لم تنته فيه الحرب.. ولا نموذجهم المقاوم. 

مات كثييرون ودمرت الحرب البلد..  تدخل الامريكان .. الفرنسيون .. الإسرائليون ..السوريون ... السعوديون ...ألمانيا والإتحاد الأوروبي  . 
عاد عون من فرنسا ليكون حليف حزب الله ، وخرج جعجع من السجن ليعود إلى واجهة السياسة ، وما يزال جنبلاط صاحب المواقف المنطقية المتناقضة ، وبقي نصر الله والشيخ أسير.. 
لبنان الانتصار هو لبنان الحرب الاهلية التي لم تنته..
كان للحرب الأهلية الأسبانية تاثير عميق في أوروبا ، وتأثير على ثلاثة من كبار الروائيين....  
جورج أورويل الذي ذهب ليطلق النار علي الفاشيين..  ذهب ليقتل الفاشيين لكن المخلوقات البائسة التي تشد بنطلونها ليست سوا مخلوقات بائسة..  

انتصر فرانكو بعد سنوات الحرب ، وفرَّ مقاتلوا الجمهورية إلي فرنسا ، وفي الطريق كانوا ينشدون..( لقد خسرنا كل المعارك لكننا نحن من يملك أجمل الاغنيات).. 

في روايته حرب نهاية العالم يتحدث ( يوسا )عن العته المقدس ، وعن التصورات الخلاصية التي قادت إلى الحرب الأهلية في المكسيك..  المخلص الذي يعتقد بأنه يقود حرباً لتخليص العالم  بأمر إلهٍيٍ ، وينتظر التحاق المسيح بالجبهة لتخليصهم من المسيح الدجال المسمي الجمهورية.. 

تقول الحكاية الاصلية إن جثة المخلص أُحرقت  وأُلقي رماده في البحر..  لكن  التصورات ذاتها والشر المقدس يصادفك هنا او هناك.. 

قرأنا معاً لإيزابيل الليندي حصيلة الأيام  وباولا..استمعنا  لكلمات سلفادور الليندي الأخيرة وهو محاصر في قصرة..  
هل كنا ننتظر من رئيسنا المحاصر خطابا شبيها..
.......
أصدقائي

بالتأكيد ستكون هذه فرصتي الأخيرة للحديث معكم. فالقوات الجوية قصفت أبراج راديو بورتاليس وكوربوراسيون.

كلماتي هنا لن تحمل المرارة بل خيبة الأمل.. ليكن ذلك عقاباً أخلاقياً لأولئك الذين خانوا قسمهم من جنود تشيلي، الأميرال مورينو، الذي نصب نفسه قائداً للبحرية، والسيد ميندوزا، الجنرال الحقير الذي تعهد بالأمس فقط بالإخلاص والوفاء للحكومة ثم نصب نفسه رئيسا للشرطة الوطنية.

بعد هذه المعطيات، لم يعد لدي شيئا أقوله للعمال سوى أنني لن أستسلم.

في هذا المنعطف التاريخي، سأدفع حياتي ثمناً لولائي للشعب. وأقول لهم إنني على تمام الثقة أن البذور التي زرعناها في ضمائر الآلاف والآلاف من المواطنين التشيليين لن تذهب هباءًا.
هم لديهم القوة لحكمنا، ولكن الصيرورة الاجتماعية لا تُحكم بالجريمة أو القوة. التاريخ ملك لنا، والشعوب تصنع التاريخ.

عمال بلادي، أشكركم لولائكم، الثقة التي أودعتموها في شخص لم تكن إلا ترجمة لتطلعاتكم العظيمة نحو العدالة، وهذا الشخص أقسم على احترام الدستور والقانون، وها هو يفعل.

في هذه اللحظة الحاسمة، اللحظة الأخيرة التي سأتمكن فيها من التحدث معكم، آمل أن تكونوا قد استفدتم من الدرس، رأس المال الأجنبي والإمبريالية جنباً إلى جنب ، مهدا الطريق كي تحطم القوات المسلحة تقاليدها، التقاليد التي أرساها الجنرال شنايدر وأكدها القائد آرايا، ضحايا نفس الشريحة الإجتماعية التي تقبع الآن في منازلها آملة أنها، وبالمساعدات الأجنبية، تستعيد القدرة على مواصلة الدفاع عن مصالحها وامتيازاتها.

أتوجه قبل الجميع إلى المرأة البسيطة في أرضنا، العمال الذين خدمونا، للأم التي تعلم مدى اهتمامنا بأطفالنا، للمهنيين في تشيلي، المهنيين الوطنيين، هؤلاء الذين استمروا في العمل في الأيام الماضية ضد الفتنة التي ترعاها الفئات الطبقية التي تدافع عن الامتيازات التي يضمنها المجتمع الرأسمالي للأقلية.

أتوجه إلى الشباب الذين غنوا وقدموا لنا البهجة وروح النضال. أتوجه للرجال في تشيلي، العمال، الفلاحين، المثقفين، الذين سيتم اضطهادهم، لأن الفاشية بدأت تحل في بلادنا في الساعات الأخيرة عبر قيامها بهجمات إرهابية، تدمير للجسور، قطع للسكك الحديدية، تدمير لأنابيب البترول والغاز، وسط صمت أولئك الذين يحمونهم.. التاريخ سيحكم عليهم.

بالتأكيد سيتم إسكات راديو ماجالانس، ولن يصلكم صوتي بعد الآن. لا يهم. فسوف تسمعونه دائما. سأظل دائما بينكم.. على الأقل ذكراي ستظل كرجل حافظ على كرامته وولاءه للعمال.

الجماهير يجب أن تدافع عن أنفسها، لكن دون تضحية بحياتها. يجب ألا يعطوا أحدا الفرصة أن يدمرهم وألا يضعوا أنفسهم في مواجهة الرصاص، وكذلك لا يجب ألا يسمحوا بإذلالهم.

عمال بلادي، لدي إيمان بتشيلي وقدرها. وبقدرتها على تخطي تلك اللحظات المظلمة والمريرة التي تسودها الخيانة. تحركوا للأمام وأنت واعون أن عاجلا أو آجلا ستنُفتح آفاقا أرحب عندما يسعى رجال أحرار لبناء مجتمع أفضل.
عاشت تشيلي، عاش الشعب، عاش العمال.

هذه كلماتي الأخيرة، وأنا على يقين أن تضحيتي لن تذهب هباءًا، وأنها على الأقل ستكون درسا أخلاقيا يعاقب جريمة الجبن والخيانة).. بعدها قصفت الطائرات القصر الجمهوري التشيلي واعدم الشاعر نيرودا بالرصاص وغاب واعتقل الآلاف.

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص