الأحد 24 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
سمير رشاد اليوسفي
عن "بحاح" الذي تقاسمه "بن دغر"و"على محسن" !
الساعة 20:14
سمير رشاد اليوسفي

يخطئ من يظُن أنَّ إقالة الرئيس " هادي " لـ"خالد بحاح من منصبيه ، " نائب الرئيس، ورئيس الحكومة " ، جاءت على غير هوى السعودية ، فالعكس هو الصحيح .. كما يخطئ أيضاً ، من قد يتوهم أنّٓ 
بيان " بحاح " الفيسبوكي " ، الرافض لإقالته - بعد يومين من صمته على إعلانها - قد يلقى أي صدى ، أو اعتراف ، من أي دولة ، أو جهة ، أو حتى حزب ، له تأثير، أو علاقة ، بما يجري في اليمن .

كان " بحاح " مؤثراً الى حدٍ كبير ، قبل أكثر من عام .. خاصة بعد " التوافق " عليه رئيساً للحكومة ، وما تسرب عن ضغوطات قياديين حوثيين لتعيينه ، عقب رفضهم لقرار " هادي " بتكليف الدكتور" أحمد عِوَض بن مبارك " ، بتشكيل الحكومة .. في محاولة فُهم منها رغبتهم في إرضاء " السعودية " التي كانت حينها لاترى في " الحوثيين " عدواً يستدعي تأليب تحالف دولي لمحاربتهم ..

وزادت "شعبية " بحاح بعدما أحتجزه" أنصار الله " لأسأبيع في منزله بصنعاء .. على إثر إعلانه لاستقالته ، مع تمكين ضيوفه ، وبضمنهم رجالات الصحافة والإعلام من زيارته ، بكل حفاوة وأريحية ، وتسليط الأضواء عليه ، بصور بديعة التقطتها له عدساتهم ... قبل أن يسمحوا له بمغادرة العاصمة ، على عكس ما كان متوقعاً .. وقام وفد رسمي منهم بتوديعه في مطار صنعاء ، وهو في طريقه إلى المكلا .. متوجهاً منها إلى الرياض ..

كل ذلك ، جعل كثيرون يستبشرون بتعيينه ، قبل عام ، نائباً للرئيس - إضافة لرئاسته للحكومة - وهي حالة استثنائية ، لم تتكرر في اليمن ، منذ منتصف ستينيات القرن الماضي .. معتبرين ذلك ، مؤشراً لبدء الحوار ، وقرب انتهاء الحرب ... لكن ، هذه الظنون ، سرعان ما تبددت ، بعد أسابيع ، بسبب انقلاب "بحاح "المفاجئ على الصورة التي كان قد نجح في إظهار نفسه به .. وذوبانه حد التماهي ، مع طبول الحرب ، وهو معذورُ في ذلك ، فقد وجد نفسه خلال فترة وجيزة ، وبدون أي جهد ، أو توقع منه ، الرجل الأول في اليمن ... ومحط أنظار دول الأقليم ... وانغمس ، بوصفه " جنوبياً " في دور المنافس لـ" هادي " ، في انتظار لحظة استلام الرئاسة ... غير آبه ، بما يشيع خصومه ، عن دعمه لانفصال الجنوب تارة ، وتبنيه لفصل حضرموت تارة أخرى ... أو حديثهم عن ارتباطه بدولة الإمارات ضداً على رغبة السعودية ، أو تواصله الخفي بالرئيس السابق " صالح " ، وعلاقته الوطيدة بالحوثيين ، وتبنيه لمخططاتهم ... فضلاً عن اتهامه مؤخراً برفض دعم مقاومة " تحرير" تعز ، وعدم استجابته لمطالبهم ... وهي ، في غالبها ، محض مكائدات ، لا أساس لها من الصحة ... لأن الرجل محكوم بقرارات الدولة" القائدة" لتحالف الحرب ، وهي التي فرضته نائباً للرئيس ، ولايملك قدرة مخالفتها ، أو من الأمر مايستوجب عليه النقد أو المحاسبة ... 

وسيناريو إقالته ، أعده الرئيس "هادي" ، برضا قيادة المملكة ، كما فعل قبل عام ، بقرار تعيينه ، لقطع الطريق حينذاك أمام " علي محسن " ، فالسعودية ، لم تعد تَر في بقائه أي جدوى ، بعد متغيرات الحوار الأخيرة ، وبعدما نجح أعوان " هادي " وإعلامه في تقديم المبررات والذرائع لإقناعها بتحميل " بحاح "دوناً عن وزراء حكومته ، كل أسباب الاخفاق والفشل ، وشق الصف ، خلال الفترة الماضية ... وتم تدوين هذه الأسباب والمبررات في قرار تعيين رئيس الحكومة الجديد ...

أمّا قصة الصراع بين هادي وبحاج ، فلم تكن طَي الكتمان ، وكان متوقعاً أن تنتهي بحل خلافهما ودياً ، أو بدعم أحدهما ... و هناك من خلُص لترجيح دعم " بحاح " ، خصوصاً بعد فشل قرار سابق بإقالته من رئاسة الحكومة ، واستبداله بالدكتور" رشاد العليمي " تراجع عنه " هادي " ، قبل إعلانه ، استجابة منه لنصيحةالمرحوم الدكتور " عبدالكريم الارياني " حول حاجة مثل هذا القرار لموافقة البرلمان ، والتي يستحيل الحصول عليها في ظل أجواء الحرب الحالية ، وسيطرة المؤتمر على مقاعد لا يستهان بها ... وكذا اعتذار " العليمي " عن قبول التكليف لذات السبب ... 

وهي العراقيل ، التي يظن " هادي " أنه تجاوزها ، في قراره الأخير ، من خلال اكتفائه باستبدال رئيس الحكومة فقط ، مع الإبقاء على أعضاء حكومته ، والايعاز لقيادات الأحزاب المؤيدة له بإصدار بيانات ، مساندة للقرار ..

ولعل لقاء سفراء مجلس التعاون الخليجي، صباح أمس الثلاثاء ، بالرئيس ونائبه المُعين منه " علي محسن الأحمر " ، ورئيس الحكومة الجديد " الدكتور أحمد عبيد بن دغر " دليل كاف على مباركة دولهم لهذه التعيينات ، وإن بشكل معلن ، اذا ما صدقت التسريبات ، عن عدم رضا" الامارات " و" مسقط " عنها ... والأولى لن تجروء على إعلان موقف داعم لٌـ " بحاح " ، خصوصا ً بعد اتهام مصادر سعودية ، غير رسمية لها ، بدعم مهرجان " صالح " الأخير " .. كما أنّ سكوت أنصارالله " الحوثيين " عن التعليق على هذه القرارات ، والإعلان بعدها ، من قبل المتحدث باسمهم " محمد عبدالسلام " عن التوصل مع السعودية الى تفاهمات معينة - قد تفضي ، في حال جدية التعاطي معها ، الى توقف الحرب نهائياً ، وإحلال السلام الشامل - يُعد ُ موافقة ضمنية منهم .. مايرجح كفة التكهنات التي تذهب الى أن دور "علي محسن الأحمر" سينصب خلال الفترة القادمة على تحقيق تسويات سياسية ، وقبلية ... له سوابق نجاح فيها ، خلال فترة عمله مع الرئيس صالح .. خصوصاً إبان حروب الجبهتين في المناطق الوسطى ... وتفكيكه لمفاصل الناصريين قبل الوحدة ، واستقطابه للتيارات الاسلامية المختلفة بعدها .. اضافة الى أن التسوية القادمة المؤمل إنجازها في الكويت ، تتطلب شخصاً بعلاقات وكاريزما" محسن " التي يحضى بها لدى الجماعات الاسلامية المتشددة - في اليمن ، وبعض دول الخليج - الداعمة و المشاركة في الحرب - قد تتيح له إقناع هذه القوى بقبول التسوية مع أنصار الله ، وحليفهم " صالح " - الذي اعتاد " محسن " العمل معه ، والتعامل مع سياساته ، وامتصاص غضبه - بعد أنً فاجأ العالم باخراج مظاهرة " مليونية " للمؤيدين له ، ولحزبه " المؤتمر الشعبي العام " لم تكن متوقعة ، في ذكرى مرورعام على الحرب ، تدعم ، ما أُعلن عنه أمس الأول ، من فصل خمسة من قيادات المؤتمر ، و ما أسماه " سلام الشجعان " الذي دعا آليه في كلمة قصيرة من أربع دقائق .

السعودية تبحث عن خروج "ظافر" من هذه الحرب ، ولو ظاهرياً .. بعد أن استعصت عليها" صنعاء " ، وصعب اختراقها ... ولربما استمعت أخيراً للأصوات التي عزت تنامي شعبية و قوة الحوثيين ، وصمود القوات الموالية لصالح ، الى البنية القبلية ، والبيئة المذهبية المهيمنة على تخوم وأطراف " صنعاء " والمدن المجاورة لها ... والتي لا تقبل برئاسة المختلف عنها ، وترفض حكمه ، كما ترفض هيمنة الأجنبي.. 

فيما قد تستجيب لغلبة أحد أبنائها ... وربما تعود لمناصرته ، بعد محاربتها له .. طالما وهو أحد أبناء المذهب والقبيلة ...

وماحصل لأسرة الشيخ عبدالله بن حسين خلال العامين الماضيين ، برهان على صحة هذه الفرضية ... وهنا يحق لنا التساؤل عن ما يقرب من 120 ألف تابع للشيخ عبدالله وأبنائه من بعده ، كانوا يحتشدون بأسلحتهم ، في غضون ساعات ، بداعي شيخ مشائخ حاشد ، المعروف بتبعيته للسعودية ، ورئاسته لحزب الإصلاح ، كانوا يحاربون من حاربه ، ويسالمون من سالمه ... أين موقعهم خلال عام من هذه الحرب .. وفي صف من يقاتلون ... هل ذابوا ، وابتلعتهم الأرض ؟

الإجابة ، نتركها للشيخ حميد الأحمر ، دسها ضمن حوار له قبل أشهر ، أشار فيه إلى
"تعالي "المثقفين ، على أبناء قبيلته الكبيرة " حاشد " الذين صاروا خلال هذه الحرب ، يقاتلون في صف " الحوثي " ؟!

هكذا ... 
يقاتلون مع الحوثي . 
وبكل بساطة !!

للأسف ، لم يفسر لنا الشيخ " المثقف " تحول أبناء قبيلته من " إصلاحيين " مع والده .. 
الى " حوثيين " يصرخون بالموت واللعنات ! ولم يشرح لنا دوره - كشيخ مثقف ، ورجل أعمال نبيل ، يتحدث الانجليزية بطلاقة ، ويجوب عواصم العالم - إزاء هؤلاء " القبائل " الذين كانوا " رعاياه " وصاروا " حوثيين " ، بمجرد سقوط شقيقه حسين ، وتفجير منزلهم في " الخمري " ، مع أنه مسئول كوالده
" صانع رؤساء اليمن " أخلاقياً ، واجتماعياً، وحزبياً، عن النهوض بوعي أبناء قبيلته !

القبيلي " عصيُُ في الحروب ، ومقاتل شرس ... لكنه ، قد ينهار بسرعة البرق أمام كلمة طيبة، يلوذ بها مستجير به ... أو هبات ، وعطايا، تأتي من داخل " الصف " .. وقد ينظم للخصم من أبناء القبيلة ، إذا ما تغلب على " قائده " في مبارزة " على طريقة فرسان " اليونان " كما في الأساطير ، ملقياً كل اللوم على القائد ، الذي لم يحافظ على تفوقه وفروسيته ..

على هذاسيكون الرهان القادم ... اذا ما افترضنا أن السعودية ،أدركت مؤخراً ، لماذا نجح "صالح ،"وأخفق " هادي " و " بحاح " ... وعرفت لماذا فشل " الشيخ مقبل الوادعي " بكل دعمها له في نشر " السلفية" بين أبناء صعدة ، وماجاورها من المناطق " الزيدية " ... مع أنه نجح في نشرها في المدن التي اعتبرها حميد " مثقفة " وصار أتباع " مقبل " بالآلاف من أبناء تعزوعدن وإب وحضرموت .

"بحاح " ليس له ثقل قبلي ، أو دعم حزبي .. ولايملك لساناً دعائياً مؤثراً .. كما أنه من فصيلة المسئولين التكنوقراط ، المنطوين على أنفسهم بكل مايحملونه من أبهة وكرامة واعتزاز.. وكان مستغرباً ، العام الماضي ، أن يدعمه ، ويدافع عنه ، من شنوا عليه ، قبل سنوات ، حملة برلمانية ، قيل فيها أنه اشترى
" جزمة " وبعض " كرافتات "بـ 15 ألف دولار ، على حساب وزارة النفط ، وطالبوا بإقالته .

رشحه المليارديرالحضرمي - السعودي "بقشان " وزيراً للنفط ، في حكومة" باجمال" الثانية ، بعد تفاهم مع الرئيس" صالح " ، ولم يدم في منصبه طويلاً .. كما لم يحقق انجازاً نوعياً، خلال فترة ظهوره وزيراً ، أو سفيراً، أو رئيساً للحكومة ، ونائباً للرئيس ، ربما خدمته فكرة مغازلة " حضرموت"، وقربه من تاجرها الأول ، المشهور بأعماله الخيرية ، وتقديم آلاف المنح لأبناء محافظته ، في مختلف التخصصات ، داخل البمن وخارجها ، كما كان ديدن " رفيق الحريري " المقرب مثله من العائلة الحاكمة في السعودية .

أما رئيس الوزراء الحالي " بن دغر" لديه من المهارات والقدرات مايبرراختياره رئيساً للحكومة ، فهو عضو قديم في الحزب الاشتراكي اليمني ، ونقابي عتيد ، وبرلماني سابق .. هتف للوحدة ، وحارب لفرض الانفصال ، أشتهرلسبع سنوات ، كعدو أول للوحدة ورئيسها " صالح " - قبل البيض والعطاس والجفري - ، حيث كأن اسمه الأول ، في قائمة الـ 16 الانفصالية ... 

بعد نزوحه عقب هزيمة حزبه في صيف 1994 ، استقر في القاهرة ، متفرغاً للدراسات العليا ، حيث اكمل بامتياز أطروحة الدكتوراه ، عن حكم اليمن الشمالي خلال فترة الإمام أحمد ... تعرف فيها على تفاصيل المجتمع ، الذي حكمه الامام ، 14 عاماً ، في فترة مخاض ، من تأريخ اليمن الحديث .. شهدت صراعات ، وتلتها تحولات ...

وبعد صدور العفو العام عن رموز الانفصال ، عاد الى صنعاء في 2004 قيادياً في الحزب الاشتراكي ، قبل أن يستقطبه المؤتمر الشعبي العام .. ليكون مسئولاً عن النشاط الاعلامي للمؤتمر ، ومشاركاً في صناعة خطابه الحزبي و السياسي .. وأظهر براعة في وضع الخطط ، والبعد عن المواجهات المستفزة ، كما تميز بدماثة الأخلاق ، واللباقة ، والدبلوماسية ، والقدرة على الاقناع ، والحوارالرصين بابتسامة غير متكلفة ... وبعد تعيينه وزيراً للمواصلات في حكومة " باسندوة " أظهر من الكفاءة ، والحنكة ، والقدرة على " الاستيعاب " ، ما شهد له به خصوم حزبه .. كما عاد منافحاً عن الوحدة الفيدرالية ، ومنظراً لها ... وظل فترة حكومة باسندوة " شوكة ميزان " بين " صالح " و " هادي " ... وفي أيامه الأخيرة ، في صنعاء ، ظهر يمين الرئيس السابق ، في لقائه ، مع مجموعة من أبناء" تعز" ، قبل أيام من الحرب ، وهو يُنذر " هادي " و يحدد له منفذاً واحداً فقط للهرب ، عكس الانفصاليين الذين هربوا من عدة منافذ ، عام 1994 " هكذا تحدث صالح " ، متناسياً ، في فورة حماسه ، أنّٓ " بن دغر " القابع عن يمينه ،بوجه تملأه الابتسامة ، كان من أبرز قيادات الانفصال ... و أخر من خرج من عدن ... وشاءت الأقدار ، أن يصير نائباً له ، بعد سنوات ، في قيادة المؤتمر ... بعد ذلك اللقاء بأيام ، اتخذ" بن دغر " قراره بالنزوح الى الرياض ... تاركاً من أحبه .. ومن أبغضه  في " حيص بيص " !

للحيثيات السابقة .. يتوقع العارفون به ، أن ينجح ، الى جانب " علي محسن " في مساعي التهدئة والتسوية، التي يفترض أن تبدأ مع اللقاء المرتقب في الكويت ، منتصف الشهر الجاري .. 
اذا ما تهيأت لهما أسباب النجاح .

و .. سننتظر .

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص