الأحد 24 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
زكريا الدهوه
يا سيادة الوزارة .. العقول تصنع الاقتصاد فاصغوا إلى العقول
الساعة 23:14
زكريا الدهوه

يقول الفيلسوف (برتراند رسل) - وهو أحد فلاسفة الإنجليز، من أسرة سياسية كبيرة في المجتمع الانجليزي - في كتابه الشهير (أثر العلم في المجتمع): "إن الأمم الحديثة يجب أن تعلق أملها في النصر على الصلب، والنفط، والأورانيوم، لا على التفوق العسكري" ، ويقول الكاتب المصري، خالد عزب، في كتابه (الثقافة العربية .. تساؤلات المستقبل) :"قوة المعرفة هي التي تحدد اليوم قوة أي دولة أو مجتمع وصناعة المعرفة هي أداة الدولة لذلك الهدف، وهو حيازة المعرفة".

ماذا لو قسنا هاتين المقولتين بمذكرات وزارة المالية اليمنية إلى الجامعات اليمنية، بخصوص إيقاف الإيفاد الخارجي والداخلي لأكاديميي الجامعات وأي جهات أخرى. ماذا عن تجميد قرارات الجامعات في إيفاد الأكاديميين والاستمراريات للموفدين بالخارج والداخل بحجة الظروف الاقتصادية واستنزاف العملة الصعبة (بعد أن سجل الطالب رسالته العلمية في الجامعة). نعم استنزاف العملة الصعبة.. فاستنزافها من قبل العقول الصاعدة سيؤثر ذلك على يوم الشهيد وموارد رفاهية مسئولي الدولة، ومصروفات بالملايين تهدر؛ لكن بند الإيفاد لمدرسي الجامعات ومعيديها المساعدين للتأهيل ذلك عجزت فيه الوزارات والجامعات، فيجب تجميده.

فمن ترى سيعلم جيل المستقبل وما هي مخرجات الغد؟!.
ألم تعلم تلك القرارات المجحفة في حق الوطن والمواطن أن اقتصاد البلد، أساسا، يقوم على عقول معلمي الأجيال أكاديميي الجامعات ومتفوقيها، وأن حرمان الجامعات من تأهيل معيدي ومدرسي الجامعات - الذين هم في الأصل أوائل الجامعات وأساتذة المستقبل - سيؤدي ذلك إلى ضياع الاقتصاد والوطن بأسره، ولو استثمرت الدولة هذه العقول وصقلتها ومنحتها قليلا من رفات العملة الصعبة التي تضخ لإراقة الدماء والحفاظ على الكرسي، لمُنحَ هذا الوطن مستقبلا مشرقا يمحو كل تجاعيد الحاضر الغائب.

أي مستقبل وأي معرفة ستصنعها هذه القرارات التي تجمد العقول والأفكار والحيلولة دون النهضة الفكرية التي هي عماد النهضة الاقتصادية للبلد.
المواطن اليمني يعيش اليوم ظلمة قهرية في عصر تكنولوجيا الضوء، ظلمة روحية وعقلية وبدنية، انطفأ مصباح أديسون وانعدمت حركة نيوتن وأثر ذلك على نسبية آينشتاين حيث انعدم الزمان والمكان معا.

العالم الصاعد -اليوم- يبحث عن حقيقة الثقوب السوداء في الكون، أما مذكرات وزارتنا الموقرة فهي تحاول زرع الثقوب السوداء في عقل الطبقة الأكاديمية والثقافية المتفوقة ليسود الظلام في عصر سرعة الضوء. ها هم يدفنون التعليم الجامعي والعاقبة في إصدار قرار بإلغاء الجامعات. وليس ذلك ببعيد إن استمر هذا العبث.

استذكر هذه اللحظة مقولة المرحوم الدكتور عبد الرحمن البيضاني - نائب رئيس الجمهورية الأسبق وأول خريج يمني من جامعة 1950م - في كتابه (أزمة الأمة العربية وثورة اليمن) - الصادر سنة 1984م - وهو يسرد حديث والده له عن اليمن في المهجر: "إذا كان الشعب ذكيا ذا طاقة خلاقة... فلماذا يركع تحت أقدام السفاحين ويرضى بدفن عقول أبنائه في مقابر الكتب الصفراء التي تقدس الحكام وتفرض الجمود فتحطم عقارب الزمن". هم يريدوننا كما قال الدكتور زكي نجيب محمود في كتابه (تجديد الفكر العربي) متحدثا عن العثرات: أن نبقى في حضن الأفكار الرجعية، دون السير المستقيم، فهم يريدون بقاء هذه الأفكار ـ على غير وعي منا ـ بأفكارهم المدعومة المبثوثة مسبقا. والبقاء للساسة.

يا ساستنا، الطالب اليمني في الخارج يصنع المعجزات بأقل الإمكانات، فهو المبدع المتفوق المتألق، المخترع، وأبحاثه هي المتفوقة رغم كل ظرف يقاسيه ، نفسيا: لما يتعرض له وطنه من مؤامرات داخلية وخارجية وقصف وتشريد وضياع فالوطن لا يفارقه مهما ابتعد عنه، وحياتيا: يحاول أن يصنع من القليل الكثير فإمكاناته المادية هي الأقل ومصروفاته التي تمنحه الدولة هي نسبيا تعد من أقل المصرفات الممنوحة للموفدين في الخارج من الدول النامية، إضافة إلى الهم الأكبر وهو تأخير مستحقاته المالية الربعية والرسوم الدراسية، فتجد الطالب يعاني ما يعانيه مع المؤجر والجامعة ومصروفات الحياة اليومية التي تصبح همه الشاغل قبل تحصيله العلمي فهو خارج وطنه يحاول أن يصنع من الليمون شرابا حلوا يستعذبه أبناء وطنه، ومع ذلك تعد تأخير المستحقات المالية مأساة الطالب.

يعود أكاديميو الجامعات بعد حصولهم على الدكتوراه بمرتبة الشرف من دول أجنبية وعربية ليحاولوا النهوض ببلد يهدمه أبناؤه وجيرانه وأقاربه، فينشغل عن ذلك بلقمة العيش حائلا دون العلم ونشره. فلا يجد حتى قيمة تذكرة عودة من الخارج إلى وطنه، ومع ذلك لو لم يعد، سيُصدر قرار بفصله عن الخدمة!. بل سيعود أستاذا جامعيا دون راتب! بحجة عدم وجود رصيد في المؤسسة المالية في اليمن .. بينما ينعم المسئولون في الداخل والخارج بمقدّرات الوطن وممتلكاته ورغم كل ذلك يبيعون دم المواطن بثمن بخس.

يا سيادة وزارة الدولة يا أيه القائمون على رقابنا، استفيدوا من التجربة اليابانية ولو بفائدة أقل أنا لا أوصيكم بتطبيقها كاملة فلن تصنعوا. اليابانيون بعد الحروب العالمية كما يقول الكاتب (جلبرت هايت) في كتابه (هجرة الأفكار): "كوّن دافع الخوف لديهم من تعرض بلادهم للغزو دافعا مضادا لذلك، فدفع ذلك بعض المتعلمين اليابانيين إلى الاهتمام بنظام العالم الخارجي وذكاء أبنائه". معنى ذلك بناء العقول والاستفادة من تجارب الآخرين دون وجود موارد اقتصادية أكبر من عقولهم.
فهل ياترى ستعي وزارتنا ودولتنا والقائمون عليها عبثية قراراتهم ضد التعليم ..!

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص