السبت 21 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
عماد زيد
يوم آخر في ميناء جيبوتي!
الساعة 21:33
عماد زيد

إني لأسال كل معضلةٍ 
عن حالها فترد لا تأسى.
السابق جزء من قصيدة كتبتها ذات أمس بعيد.. غير أني أتراجع اللحظة عن الإيمان بها.. فما وصلنا إليه يجعل منا ساحة لجمهرة الأسى.. كما يجعل من ذواتنا على موعد مأساوي لرؤية تلك المشاهد التي يتعرض لها وطننا الحبيب.
مشاهد تجعل منا أعين مشرعة ومآقي نضّاحة وقلوب جريحة وغاضبة.

يوم أمس ونحن على رصيف ميناء جيبوتي لاستقبال سفينة قادمة من ميناء عدن.. كان الأسى شاهراً سطوته على حضوري وأنا أرى تلك الملامح العظيمة للإنسان اليمني وهي تغادر بلدها الحبيب إلى بلدان أخرى.. وأرى في الجانب الآخر من خلدي ذلك الامتنان العظيم لدولة جيبوتي التي أصبحت المنفذ الوحيد لليمنيين بعد أن أغلق العالم أشفار عينية عن رؤية الجرائم التي يتعرض لها المجتمع اليمني من انقلاب الداخل وعدوان الخارج.

جرائم يذهب ضحيتها المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ.. جرائم تستهدف السلم المجتمعي ولا نعلم أي ميزة عسكرية تحققها آلة القتل من استهداف المدنيين.
مع ذلك تضيق خارطة العالم أمام الإنسان اليمني وتتنكر لعظمته العديد من الدول التي كنا نرى فيها الأخوة والعروبة والدين.. لتبقى دولة جيبوتي حكومة وشعباً هي الوحيدة التي مدت أذرع برها وبحرها لاحتضان اليمنيين.

موقف تأريخي لا يمكن تجاوزه.. موقف جعلنا نحفظ جيداً الجُمل والمعروف لهذا البد الأفريقي الصديق كما جعلنا ننحت في ذاكرتنا ما قدمته السلطات الجيبوتية ممثلة بالرئيس إسماعيل عمر جيله من مواقف استثنائية في ظروف استثنائية أقل ما يقال عنها بأنها مواقف أخلاقية وذات قيمة إنسانية.  
يوم أمس الجمعة 21-2-2016م كنا في مقيل رائع مع رئيس تحرير صحيفة القرن الزميل/ جمال أحمد ديني.. في منزل السفير اليمني شاب نديم وجميل درس في اليمن تستمع إليه لتتذوق عذوبة طرحه.. كما كنا أيضاً على موعدٍ آخر في ميناء جيبوتي.

 على رصيف الميناء كانت السيارة تذهب بنا ذهاباً وإياباً قبل وصول المركب الآخر بعد أن كان الميناء قد استقبل مركب الساعة الرابعة عصراً.. ذهبنا سريعاً إلى هنجر الميناء للاطمئنان على أحد المرضى ( العمودي ) من أبناء حضرموت استقبله المرض قبل أشهر عندما كان يعد نفسه للذهاب إلى أرض الحبشة غير أنه الآن ذاهباً إلى الهند للعلاج.. أخبرنا بأن رحلته أشبه بمن يذهب في طريق لينتهي به المآل في حفره قاطعت قدره.. فما أن نزل من المركب حينها حتى وجد قدميه لا تقوى على حمله لقد انتقى البحر مفاصل قدميه ليضع فيها العثرة.
عرجنا أيضاً على شاب في العقد الرابع من عمره يخبرنا بأنه أمريكي وعندما تسأله من أين أنت يخبرك أنه من عدن. 

 أتخذ من هنجر الميناء مستقراً له.. أثناء عرض السفير خدماته لذلك الشاب كان رد الشاب بأنه يريد من السفارة الأمريكية أن تعطيه جوازه الأمريكي التي منحته الحكومة الأمريكية لحظة تزفيره قبل سنوات بعد أن تجاوز مدة الإقامة المسموحة حينها كمبتعث للدراسة.. تجد الغرابة أثناء الوقوف على جملة أنه ُمنح جواز أمريكي لحظة تزفيره من البلد.. كنا قد التقينا به قبل أيام أنا والقنصل وأثناء استفسارنا له بغية مساعدته وعند طرح سؤالنا له:
- بأي طريقة منحت الجواز الأمريكي حتى تبعث السفارة اليمنية خطاب إلى السفارة الأمريكية لمعرفة الوضع القانوني لك والبحث عن طريقة لمساعدتك.. إلا أنه يجيبك لا أعلم لقد نسيت.. أجدني غير مقتنع لسرد قصة الشاب في هذه المساحة غير أن الأحرف السابقة ورطتني للكتابة عنه.

 عدنا سريعاً إلى الرصيف تقاطعت عودتنا مع لحظة رسو المركب دقائق حتى وجدنا أنفسنا ننزل المسافرين والمرضى.. غير أن صورة شرخت قلبي امرأة يمنية من محافظة عدن تلقى جسدها النحيف العديد من الأعيرة النارية مما جعلها قعيدة الفراش أنزلناها وهي مربوطة جيداً في سريرها كانت السواعد السمراء للطاقم الطبي الجيبوتي في الميناء تنزلها بعناية بعد أن أتوا بسلم حديدي على جانبية أسلاك مثبته بقوائم حديدية يمكن لقبضة الفرد الإمساك بتلك الأسلاك أثناء النزول من ظهر المركب إلى أرضية الميناء.. كان قبلها سلم خشبي لا يفي بالغرض فتم استبداله.

نرى في أعين المسافرين الدهشة وفي ملامحهم الإرهاق.. مجموعة من الأفراد يتولون عملية الاستقبال بما فيهم طاقم السفارة اليمنية على رأسهم سعادة السفير حمود العديني القائم بالأعمال بالإنابة في سفارة الجمهورية لدى جيبوتي.

رجل آخر ربما في العقد السابع من العمر كان على متن ذلك القارب ننزله بحرص شديد وجسده ينسدح بتأني وخوف على ذلك السلم الخشبي ابتداءً.. ونحن على حواف ذلك السلم ننتقي عبارات الاستقبال والتطمين بعناية لنرى إشراقةً في ملامح الواصلين تشي بابتسامة يائسة لا زالت تلك الملامح المرهقة تواري الكثير منها.
يصعد المسافرون على باص الميناء إلى مسافة قريبة يقع فيها مكتب الميناء لإعطاء المسافرين تأشيرة الخروج.

هناك يرتص الواصلون للتبصيم في الممر المؤدي إلى مكتب مديرة جوازات الميناء/ حسناء عمر فرح.
ثلاثة موظفون يقومون بإجراءات التبصيم بينما يتولى موظفون آخرون دمغ الجوازات بتأشيرة الوصول إلى ميناء جيبوتي والتي من خلالها يستطيع الواصل الخروج من الميناء إلى العاصمة جيبوتي.. قبلها على كل فرد أن يجهز أوراقه لمقابلة كديرة الجوازات حسناء عمر فرح للتأكد على سلامة أوراقهم..
على الأرضية المقابلة للمكتب يتولى البعض من طاقم السفارة اليمنية توزيع وجبة غذائية بينما يتولى طاقم السفارة ترتيب المسافرين ومساعدتهم حتى حصولهم على موافقة الخروج.

السفير اليمني حمود العديني/ القنصل الحكيمي/ موظف آخر بالسفارة اسمه هشام/ السائق عبد الله/ معاونين أثنين أنا أحدهم وإلى جانبي صحفي آخر علاء الجماعي.
أيضاً مندوبة السفارة الأمريكية والتي تستقبل حملة الجنسية الأمريكية فتاة يمنية على أخلاق عالية.. أيضاً أفراد جيبوتيين في داخل المكتب وخارجه.. الكل يبذل جهد حتى وقت متأخر من الليل بغية تسهيل وإخراج المسافرين.. هناك فقط يشعر المرء بالرضى.. تحترم آدميتك عندما تنظر إلى ساعة يدك وهي تشير إلى الثانية بعد منتصف الليل وأنت في طريق العودة إلى المنزل.

صدقوني ليس هناك عظمةٌ كعظمة الإنسان اليمني.. هنا تتجمع إلى يديك جوازات الواصلين من عدن من البيضاء من إب من تعز من صنعاء من يافع من الضالع من حضرموت.. ليس هناك مناطقية مقيتة كتلك التي أشتغل عليه الساسة في الداخل حتى وصل الوضع إلى ما نحن عليه.. الكل يحمل الطير الجمهوري في جوازه  وفي صدارة ذلك الجواز ما خطته أنامل ناصر النصاري بخط الثلث العربي الجمهورية اليمنية.. هنا تقرأها جيداً في ميناء جيبوتي.

 

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً