السبت 21 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
عماد زيد
يوم آخر في ميناء جيبوتي!
الساعة 16:52
عماد زيد

أربعة أيام مرت في ميناء جيبوتي دون استكشاف ملامحها للقارئ الكريم.. لقد جعلتُ مني مرآة أغمضت عينيها عن إجلاء تلك الملامح.. وألسنة بلعت ريقها عن تكشف أصداء أنينهم.. ولغة تخلت عن حروفها أمام معاني كبرياء الإنسان اليمني وصبره.

وها أنا على استحياء أضع أصابعي على لوحة الكيبورد عساني استرق بعض من تلك الملامح إيفاء بالوعد.

اليوم الأول بعد المقال السابق.. كان ذهابنا بمعية السفير اليمني لاستقبال زعيمة قادمة من عدن.. أثناء إلقاء عبارات الترحيب عليهم والاطمئنان على سلامتهم.. توجهنا إلى غرفة مديرة مكتب الجوازات في الميناء.. شرعتُ في تدوين أسماء المسافرين وأرقام جوازاتهم بينما تولى السفير تسهيل إجراءات الخروج.. استوقفني جواز شاب يمني في العقد الثالث من عمره.. كان شاباً فتياً نال منه الإعياء تعرفت عليه لاحقاً.. ما جعلني أمتنع عن كتابة مقال ذلك اليوم هو أن الشاب كان أسمه الأول في ذلك الجواز (وطن).. آلمني ذلك كثيراً تفحصت الاسم جيداً وكان ثلاثة أحرف جليه (وطن ) مرة أخرى تفحصت الاسم باللغة الإنجليزية كان الاسم (wtn) ثلاثة أحرف عظيمه.. الوطن يغادر أرضه هنا المأساة.

كانت قد استوقفتني قبلها عبارة أرسلها أحدهم إلى جوالي عبر الواتس مكتوب فيها " لا تسألوا الطيور لماذا غادرت أوطانها بل أسألوا عن الظروف التي أجبرتها على الرحيل".. وها نحن نشهد رحيل وطن.

يوم آخر في ميناء جيبوتي كنا قد تحركنا ضمن طاقم السفارة بعد تحديد موعد قدوم (الزعيمة) وهي تسمية المراكب القادمة من ميناء عدن إلى جيبوتي.. كنا قد استقبلنا اتصالات من القائم بالأعمال بالإنابة سعادة السفير حمود العديني يخبرنا عن موعد قدوم الرحلة والتأهب لاستقبالها.. توجهنا ذلك اليوم كان القادمون أعداد كبيرة.. كعادة السفير يذهب مباشرة أثناء التواجد في الميناء للاطمئنان على المرضى بينما تكفلت أنا وأحد الدبلوماسيين عملية ترتيب المسافرين كيما يتسنى لنا الوقت تسهيل معاملات إخراجهم قد نستعين أحياناً بأحد ضباط الميناء/ محمد حليتا.. ضابط جيبوتي على أخلاق عالية.

ذلك المساء كان الوقت يذهب نحو انتصاف الليل ولا زال هناك أعداد لم نستكمل معاملاتهم.. الجهد مضاعف من قبل طاقم السفارة.. الطاقم الجيبوتي المتواجد في الميناء يبذل أكثر من جهد.. مديرة جوازات الميناء (الحسناء) غريقة بين أوراق المسافرين قبل منحهم تأشيرة الخروج.

كانت إجراءات الخروج تتوزع بين التبصيم الإلكتروني وبين التشييك على جوازات المسافرين وتدوين أسمائهم في الكشوفات وبين تفحص أوراق من لديهم معاملات في السفارة الأمريكية أو الهندية أو الطلاب أو المرضى.. مندوبي السفارة الأمريكية يستقبلون الرعايا أو حملة الجنسية الأمريكية.. السفارة اليمنية بكامل طاقمها تقوم بواجباتها في تسهيل إجراءات الخروج وضمانة المسافرين بعد أن كان هناك شروط لمنح المسافر تأشيرة الخروج بما فيها توافر عقد إيجار شقه أو حجز فندقي.. إلا أن جهود السفير اليمني في تواصله مع السلطات الجيبوتية تجاوزت هذا الشرط.

ذلك اليوم استطعنا إخراج العوائل والمرضى وبقي البعض علينا إخراجهم صباح اليوم التالي.. أقنعناهم بعد بجهد بأن الطاقم الجيبوتي لم يستطع مواصلة العمل نتيجة كثافة القادمين وما عليهم سوى التوجه إلى هنجر الميناء للمبيت هناك.. ظهر اليوم الثاني كان وصول سيارة السفارة إلى الميناء بعد أن نال الإرهاق والتعب من السائق العامل في السفارة.. استطعنا ظهر اليوم الثاني من إخراج الجميع باستثناء حالة واحدة.. شخص ملامحه ملامح شاب هندي وكأنما خرج من أحد الأفلام الهندية إلى أرضية الميناء يخبرنا أنه يمني من أبين وسيتزوج بتونسية تنتظره في الخارج بعد تقديم ضمانتها عليه ففي ميناء أُبخ.. كان اشتراط مديرة الجوازات ابتداءً قدوم الأمرأة التونسية لضمانته.. كان يزمجر ذلك اليوم أنا يمني من أبين.. لا أقبل الغلط عليا بأنني هندي.. أنا يمني.. كنت أتساءل سراً إن كان هندي وقد تمكن من اكتساب اللغة اليمنية فذاك يعني أنه يدافع عن يمنيته أكثر من أبناء البلد الذين أكلوا ثرواته وها هم الآن يرمون به في الجحيم.. وإن كان يمني فعلاً فملامحه تشي بأنه حفيد أولئك الهنود القدامى الذين علق وجودهم على أرض الحضارة اليمنية عندما كانت اليمن ذات حضور في طريق الملاحة ومرتكز رئيس لنقل البضائع بين الهند والعالم.

تأخرنا ذلك اليوم إلى المساء ونحن بلا نوم وقد أخبرنا المرأة التونسية التي تمتلك شركة قطرات الندى للملابس الجاهزة في دبي.. أخبرناها بأن الزواج من أجنبية بحاجة إلى أذن من وزير الخارجية هكذا يشترط القانون اليمني.. المهم كنا عصر اليوم الثاني قد ذهبنا بالطعام والقات لذلك الشاب المتواجد وحيداً في الهنجر.. وقد ضمنت السفارة خروجه في اليوم الثالث لتاريخ وصوله.

زعيمة أخرى قدمت أبلغني السفير بقدومها غير أني ذلك اليوم كنت قد أكملت نذر بالصوم لمدة 19 يوم.. فلم استطع اللحاق بطاقم السفارة.

تواصلت معهم عشاءً لكنهم كانوا على أرضية الميناء لاستقبال المسافرين بينما لا زلت بعيداً عنهم في منطقة هودن.. اكتفيت بتغطية الخبر إعلامياً.

يوم أخر كنت قد استعديت للتكفير عن غياب ذلك اليوم.. عدد مائتين مسافر لكننا استطعنا ذلك اليوم أخراجهم سريعاً بقينا معهم حتى الساعة الثانية عشر منتصف الليل.. لقد تفهموا مسبقاً توجيهات السفارة بترتيب أوراقهم وعملية دخولهم شرعنا بتجهيز معاملات المرضى ومن ثم العوائل بعدها الطلاب والشباب.. ما أن نتواجد في الميناء حتى نوزع ابتداءً وجبات العشاء والماء على المسافرين ومن ثم الابتداء في تسهيل معاملات الخروج.. كانت السفارة قد أرسلت رسالة إلى ميناء عدن بتسفير المواطنين اليمنيين في يوم غير الجمعة كونها عطلة رسمية في جيبوتي ويلقي بالجهد على موظفي الميناء الذين يعملون خارج الدوام بجهد كبير تبذله مديرة الجوازات والطاقم الذي يعمل هناك.. بما في ذلك تفهم عبد الله عبدي مدير شرطة جيبوتي للظروف الاستثنائية للقادمين إلى جيبوتي.. مما يجعل تجاوبه المستمر مع السفير اليمني لتسهيل الإجراءات.. مما يجعل عمل طاقم الميناء مستمر في أيام العطلة وغيرها.. كون المذكرة التي وجهت من قبل السفارة إلى ميناء عدن لم يتم التجاوب معها.

ذلك اليوم كنت مبتسماً وأن أرى أن العدد الكبير يستلم منا جوازاته وتصاريح الخروج.. في مكان من أرضية الميناء كان هناك رجل قد أكملت السفارة معاملة زوجته بينما كان هناك جالساً.. رجل في ملامحه الوقار والوضاءة يبلغ العقد السادس من عمره.. كانت الحياة قد أكملت امتحانها له يبدو آثار التعب عليه

دعاني إليه ووضع في عنقي أمانه بأن أصل رسالته عبر وسائل الإعلام.. لقد وجدته رجل عاقلاً وحكيماً كان ذاهب للعلاج في الهند.. حملني الأمانة التي سأكتبها هنا.. كنت قد سألته عن أسمه فأعطاني بصوت هادئ وعميق:

عبد الكريم علي الحماطي.. عضو المجلس الأهلي العام لمدينة إنماء- عدن

ضابط سابق.. أخبرني قائلاً الأناس الشرفاء في اليمن لا يحصلون على حقهم من التكريم.. البلد أصبحت لمن لا يمتلكون ضمير.. وهو يشير بيده أنظر إلى السفير اليمني/ حمود العديني.. رجل محترم يقوم بكل هذا الجهد حتى ساعات متأخرة من الليل إلا أنهم لم يعطوه حقه.. صدقني لن يلتفتوا إليه لشكره.. ما جعلني أحملك الأمانة أنني كنت في رمضان مع المحافظ/ نائف البكري محافظ عدن  بعد تعيينه.. فطرح أحدهم بان السفير اليمني في جيبوتي لا يقوم بواجباته تجاه المسافرين.. وها أنا الآن أرى عياناً بياناً ما يقدمه للمسافرين.. وهو يمسك بيدي مؤكداً ما يؤمن به.. ألم أخبرك بان الإنسان المخلص يظلم ولا يعطى حقه.. هذه أمانة في ذمتك بأن تنقل شهادتي بأن السفير اليمني من الرجال الذين يعول عليهم في خدمة أبناء اليمن وليس في خدمة أنفسهم.. انتهى قوله.

انتظروا يوم آخر في ميناء جيبوتي.

لا أنسى في نهاية هذا المقال أن أشكر الشاب اليمني/ عبد الرحمن الزوقري الذي انشأ على صفحة الفيس بوك منتدى الطيور المهاجرة والذي خصصه للطيور التي

التي أجبرتها الظروف على الرحيل.!

 

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً