الأحد 24 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
أنور العنسي
أثينا.. ورحلة البحث عن عبد الصمد !
الساعة 20:41
أنور العنسي

خارج السرب.. بعيداً عن الكراهيةِ والحرب:
أثينا.. ورحلة البحث عن عبد الصمد !

------
لم أكتشف اليونان بالصدفةِ أبداً ، فقد كانت (أساطيرُ الحبِّ والجمالِ) عند الإغريق تقبعُ تحت وسادةِ نومي حين كنت أحلم في سنواتِ صباي بأميرةٍ يونانيةٍ تتأبطُ ذراعي ونحن نسيرِ على رمالِ شواطئها ، ونركضِ في جُزر وسواحل أرخبيلها .. لا بد أنَّ ترجمةَ (دريني خشبة) البديعةَ لهذه الأساطير كانت أسطورةً بحدِّ ذاتها ، فقد جعلتني أعيش آدابَ بلاد الإغريق بطريقة حياة أهلها ، وأنغمس في تفاصيلها بذات عفويتهم وحيويتهم ، وأتنفس ملء رئتيَّ في سن مبكرةٍ من حياتي روائح زيتونها وزعترها ، بل وأعيشها في

تصوراتي كما لو أنني بُذِرتُ من صلبها أو تسامقت عالياً من ثنايا ترابها !
عندما كبرت قليلاً كان (نيكوس كازنتزاكي) قد رسم يونانَه الجديدَ في مخيِّلتي وصحبني مع تلقائيات (زوربا) في غرائب عالمه .. وقبل ان يسأل شجرةَ اللوزِ عن اللهِ فتُزهر كانت ترجماتُ الشاعر السوري ممدوح عدوان لرائعتَي كازنتزاكي (الطريق إلى غريكو) و (تقرير إلى غريكو) قد أنبتت في داخلي شجراًً، وأزهرتني أغنياتٍ ونشرتني في فضائه أقواسَ قزح.

جرت مياهٌ كثيرةٌ في حياتي ، وانقضت سنواتٌ طوالٌ لم أعد خلالها إلى أثينا ، لكن اليونان إستيقظ في ذاكرتي فجأة قبل بضع سنين عندما استوقفتنى إمرأةٌ في مطار (اسكيبول) في أمستردام وبادرتني بالسؤال : " هل عثرت في أثينا على صديقك عبد الصمد؟" إنها ماريا الأرمنية ، عرفتها على الفور .. لقد ساعدتني ذات يومٍ في البحث عن عبد الصمد .. صديقي طويل القامة وقائد فرقتي الكشفية في ذمار الذي كان يدرس الهندسة المدنية في (سالونك) ، أمضينا من حيث لا ندري مشاوير طويلة في البحث عنه حتى صرنا أصدقاء ، وأصبح العثور على عبد الصمد آخر ما نتمناه .. أنا أو ماريا !

أخذت ماريا قصائدي وأغنياتي وأهدتها لمن أحبه قلبهاً وتزوجته ، وتركتني في ساحة (سانت جيما) وحيداً لأبحث من جديدٍ عن صديقي عبد الصمد !
كان لتلك الأيام يا صاحبتي الأثينية طعمُها ورائحتُها وإيقاعُها ، وكان لذلك الزمنِ قصصُه وأشياؤُه وحماقاته التي يستحيل نسيانُها ، عيناك الزرقاوان كانتا سماواتِ ذلك العالم ، وكان لي مع موج بحرهما قصصُ غرقٍ وأمنياتُ نجاةٍ .. مطعمُنا المغربي هناك في ذلك الركن المخملي القصيِّ في (سانت جيما)

وسطِ أثينا وموسيقى لياليه المشبعة بروح (ثيودوراكيس) أنّى له أو لأمسياته أن تُنسى!
لطالما قلت لك يا سيدة البحر يا (أثينا) إمنحيني بعض ما تمنحين للتاريخ من مفاتيح الدهشةِ وأسرارِ الغيوب ، لكنك لم ترسلي إلي سوى غيومك السوداء ، تمطر كأسيَ بالبرَدِ ، وتقصِفُ مائدتي بالمحار والصَدَف !

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص