الأحد 24 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
د/عبدالله أبو الغيث
العجوز البريطانية الشمطاء.. إلى متى ستظل تلهي العرب؟
الساعة 20:35
د/عبدالله أبو الغيث

   قلة قليلة من العرب هم الذين يعرفون هذه المعلومة التي سنتحدث عنها في هذا المقال، بينما يجهلها معظمهم، وتدور تلك المعلومة حول جامعة الدول العربية، هذه الجامعة التي أنشئت في عام 1945م من الدول العربية المستقلة وشبه المستقلة آنذاك، وكان عددها سبع دول، ثم انضمت إليها الدول العربية تباعاً حتى بلغت (22) دولة في وقتنا الحاضر.
 

 أقول قلة قليلة من العرب يدركون بأن بريطانيا هي من خططت لتأسيس جامعة الدول العربية وتحت إشراف مباشر من وزارة المستعمرات البريطانية، ونحن نتحدث هنا عن حقيقة تاريخية ولا نقدم تحليلاً، نقول ذلك حتى لا ينبري مسخ من المسوخ التي أوجدها الاستعمار قبل رحيله من بني جلدتنا ليتهمنا بأننا نعمل وفقاً لعقلية المؤامرة.

   وقد يتساءل أحدهم عن مصلحة بريطانيا (الامبراطورية العظمى في ذلك الوقت) من جمع الدول العربية في جامعة واحدة؟ وإجابة على ذلك نقول بأن الهدف كان يتمثل كما يقولون بكلمة حق يراد بها باطل، فبريطانيا كانت تريد أن تستبق الأحداث وتلهي العرب بهذه الجامعة المسخ، حتى لا يتجهوا بعد ذلك صوب وحدة حقيقية تعلم أنهم يمتلكون كل مقوماتها.

   اليوم وبعد أن تجاوزت هذه الجامعة سن السبعين وصارت عجوزاً خرفة شمطاء، ولم تعد تطبق حتى ميثاقها الأعرج الهزيل، عله سيكون من حقنا أن نتساءل عن مدى إعلان العرب عن وفاة هذه العجوز البريطانية الشمطاء ليوارونها الثرى، بحيث يوجدون على أنقاضها اتحاد عربي حقيقي شبيه بالاتحاد الأوربي على الأقل رغم قومياته ولغاته المتعددة، ولن نذهب بعيداً لنتحدث عن قيام دولة الولايات العربية المتحدة - نظراً للظروف المأساوية الراهنة التي تمر بها الأمة العربية – رغم امتلاك العرب لمقومات نشوء مثل تلك الدولة.

   إعلان وفاة الجامعة العربية وقيام الاتحاد العربي على أنقاضها يتطلب أولاً التخلص من المعوقات والعراقيل التي زرعها الاستعمار قبل رحيلة الصوري عن منطقتنا العربية، ولعل أبرز تلك العراقيل تتمثل بلغاته التي تركها لنا، وصارت – مع الأسف الشديد – مُقَدَمة حتى على لغتنا العربية، خصوصاً اللغة الانجليزية في مشرق الوطن العربي واللغة الفرنسية في مغربه.

   فمن المخجل والمبكي أن نقول بأن من لا يجيد التحدث إلا بالعربية صار بحاجة لمترجمين إلى الانجليزية وهو يتنقل في بعض الدول المطلة على خليجنا (العاثر)، وكذلك مترجمين للفرنسية إذا انتقل لبعض الدول على شواطئ محيطنا (الخائر).. وكل ذلك يتم باسم الحداثة ومواكبة العصر، وكأن لغتنا العربية هي إحدى اللغات الهامشية في أدغال إفريقيا!!

   يا سادة.. لغتنا العربية واحدة من اللغات العالمية الست الكبرى التي تعترف بها الأمم المتحدة، ويتحدثها قرابة نصف مليار إنسان، ينتشرون في أكثر من عشرين دولة تمتد على مساحة (13) مليون كيلو متر مربع، إلى جانب أنها لغة القرآن الكريم الكتاب المقدس لمليار ونصف المليار مسلم، والعيب فينا وليس فيها، ولنا بلغات الألمان والطليان وما تحظى به من اهتمام بالغ جعلها تتقدم على العربية مثال يحتذى، رغم أن عدد المتكلمين بهما يقل كثيراً عن عدد المتكلمين بالعربية.

   ولماذا نذهب بعيداً فهاهم اليهود يحولون لغتهم العبرية من لغة ميتة إلى لغة تكاد أهميتها تفوق لغتنا العربية في المحافل الدولية، بينما نحن حقرنا لغتنا، واتهمناها – زوراً وبهتاناً – بعجزها عن مسايرة العلوم الحديثة، وذهبنا صوب الانجليزية أو الفرنسية لنجعلها لغات لعلومنا في الجامعات، بل وحتى في المدارس ورياض الأطفال، وفوق ذلك أصبحت لغات للإدارة وتصريف الأعمال، وصار اشتراط إجادة الانجليزية أو الفرنسية شرطاً أساسياً من أجل الحصول على وظيفة هنا أو هناك، سواء أكانت عامة أم خاصة.

   ومن أجل ذلك صار الناس يتسابقون لإلحاق أبنائهم بالمدارس والجامعات الأجنبية، فخريج الجامعة الأمريكية في مصر (قلب العروبة) على سبيل المثال بات بمقدوره ضمان الوظيفة قبل تخرجه، بينما عشرات الجامعات الحكومية الأخرى صار الرصيف ينتظر خريجيها، وعلى ذلك يمكن أن نقيس الحال في كل الدول العربية الأخرى.

   في الأخير: نقول بأن الحال للخروج من هذا الواقع المخزي إنما يتمثل بتخلي حكامنا العرب ونخبنا التي تتحكم بمقاليد الأمور عن عقدة النقص التي صارت تتحكم بهم، وجعلتهم يضيعون أمة أصبحت في مهب الريح، عندها فقط سيمكننا الحديث عن قيام وحدة عربية حقيقية نشيع بها العجوز البريطانية الشمطاء - المسماة بجامعة الدول العربية - إلى مثواها الأخير، والخطوة الأولى في هذا الاتجاه ستتمثل قطعاً باحترام لغتنا العربية وتبويئها المكان اللائق بها.

   نختتم بقول الشاعر:  نعيب زماننا والعيب فينا      وما لزماننا عيب سوانا.
   وبالحكمة القائلة:  يضعك الآخرون حيثما تضع نفسك.

 

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص