الأحد 24 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
سام الغباري
هل تعرفون نكهة ‏اليمن ؟
الساعة 21:41
سام الغباري



عـُدت للتو الى غرفة ابن عمي حيث أقطن في إحدى أحياء ‏الرياض الأنيقة ، مارست كالمعتاد رياضة الصباح "الإجبارية" منذ اعتلى وزني رقماً قياسياً أجبرني على الابتعاد عن "الكبسة" التي يسخر منا ومنها خصومنا في ‏صنعاء وهم ‏الحوثيون الذين جعلوا ساكنيها "رهائن" للمساومة بهم مع اقتراب الجيش الوطني والمقاومة الشعبية من أسوار العاصمة المختطفة .

صليت الفجر في غرفتي ، وانتعلت حذاءي القديم وانطلقت كدب طيب يحاول الجري في الشارع الذي وصلت اليه هارباً منذ خمسة أشهر تواجهني تلك الابنية الصماء ، والابراج الزجاجية ، الشوارع فسيحة وانيقة ، نظيفة ولامعة ، السيارات الجديدة تخترق عتمة الفجر بأنوارها الساطعة ، أصوات المساجد تتلو قرآن الصلاة ، تتداخل اصوات القراء ، ومازلت أجري .. أسمعهم يرددون ماتيسر من الذكر الحكيم ، ولا أراهم .

* مدن الاثرياء لا تشبهنا ، لليمن نكهة خاصة ، لذيذة و روحانية ، إنها المآذن "الصوامع" الحجرية المبنية على أسس هندسية فريدة وانيفة ، في مدينتي - يوم كنا آمنين - قبل أن يغزونا تتار العصر ، كنت أواعد اصدقائي المقربين عند الفجر، نراقب جمال المآذن ، المدرسة الشمسية ، بير خابوط ، الاخضر ، قبة دادية ، اسحاق، الجامع الكبير ، صوت ترنيمة "العزي السمهري " في خشوع الفجر يسحبني من فراشي الى الصلاة، تراتيل يوسف مفرح في المقام الحجازي للقرآن الشريف يسكرني ، روحانية ‏ذمار ، عبقها ، وجوه الاصدقاء ، بساطة الاحياء والناس ، مقيل الشيخ الحبيب صادق المصري ، تنافسنا على الصيام مع بعض الأحبة والعشاء في منزل عبده علي حميدالعلوي الحربي الحربي ، كل تلك الاشياء والعادات ، قُـتلت ، حولنا الحوثيون المجرمون الى كائنات تتلصص على بعضها ، صوت المؤذن مات ، اختفى ، تقهقهر الخطباء واحتل عرشهم الخشبي لصوص من العصور الوسطى جاؤوا ليسرقوا أخوتنا وجيشنا وأمننا ومروءتنا التي فسدت كعلبة سردين انتهى تاريخها ، واتلفت موادها الحافظة .

- الهاشميون الذين في بلادنا يقولون الكثير عن الحروب والقتل ويرددون عبارات الكرامة والصبر والشجاعة وهم هاربون في جحور الخوف ، يزرعون الالغام ويرجمون الصواريخ ويعقدون الاتفاقات التي ينقضونها كلما لاح لهم تفكك جبهة المناوئين لهم . لم يعرفوا أن الشجاعة هي الحفاظ على الابرياء الذين قهرتهم بحروبك وادخلتهم ساحة حرب ماأرادوها ، ولا ارادوا انقلابك ولا غوغائية السلالة النتنة ، الكرامة هي صوان كرامة المحكومين ، العزة هي ان يعيش الذين توليت أمرهم اعزاء ، لا يقهرون ولا يحاصرون ولا يتمنون الضوء والغاز والقمح والدقيق .

- لماذا لا يتنازل عبدالملك الحوثي ان كان يحب "شعبه" كما يقول ، ويمنحهم يوماً بلا طائرات ، لماذا لا يتحدث كشخص محترم يعرف أن السلام هو قرار الشجعان ، لماذا لا يجوز أن يعود الرئيس #‏هادي ليحكم هو بلاده وشعبه حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً ، لماذا كل هذا الاصرار والكبرياء والعناد ، لماذا هذه الروح القاسية المتجبرة التي تحصد وراءها الاف القتلى ومئات الكوارث والاحقاد .

- اليمن لم تخلق للحرب ، بل للسلام ، ليست مكاناً ملائماً للموت ، بل للحياة ، الهاشميون الذين في بلادنا صنعوا لنا مدافن جماعية وملئوها عويلا وصراخاً ، لم يمنحوا بلادنا نكهتها الجميلة وتنوعها الدائم المرتبط بالدعة والتسامح ، والمحبة ، تلك هي نكهة #اليمن التي اعرفها ، روحها الايمانية ، جوامعها ومساجدها ، صوامعها ومآذنها ، طينها وشوارعها ، قاتها وبنها، حصونها ودورها ، علمائها وأهلها ، الطيبون للطيبات ، واليمن طيبة لا تقبل الا الطيبين ، وعلى ‏الحوثي الخروج منها فإنه رجيم .

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص