الأحد 24 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
علي البخيتي
الأمير محمد بن سلمان والجيل الجديد في السعودية
الساعة 20:59
علي البخيتي

ظهر ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في المؤتمر الصحفي الأول الذي عقده بتاريخ 14 ديسمبر 2015م كشخصية قيادية من طراز رفيع، سريع البديهة، قوي الشخصية، محدد في إجاباته، وواضح فيها، لا يوجد في كلامه حشر أو انشاء أو عبارات زائدة كالتي تعودنا عليها من الكثير من الزعماء والسياسيين العرب، وهذا يؤكد أن قرار تعيينه ولياً لولي العهد لم يأتِ من فراغ.

أعترف وغيري الكثير كذلك سيعترفون -بعد مشاهدة مقطع الفيديو للمؤتمر الصحفي- أننا تأثرنا بالصورة النمطية التي رسمتها له بعض وسائل الاعلام التي تعتبر نفسها في مواجهة وصراع وعداء مع المملكة، ولأن ظهور الأمير على وسائل الاعلام اقتصر خلال المرحلة الماضية على الصور وبعض مقاطع الفيديو التي يمكن أن تُعد لتُظهره بشكل جيد أمام الجمهور، ترسخت تلك الصورة عند البعض، وبالأخص الذين لم يلتقوا بالأمير أو يتعرفوا عليه بشكل مباشر.

                                                    ***
المؤتمر الصحفي للأمير يعد أول ظهور له على وسائل الاعلام، وكان ظهوراً مميزاً جداً لعدة أسباب، أولها أنه مؤتمر صحفي أجاب فيه على أسئلة الصحفيين وبشكل مباشر، وهذا حتماً يفرقُ كثيراً عن القاء كلمة مكتوبة أو حتى مرتجلة من خلف شاشة التلفزيون، أو حتى أمام الجماهير، فهناك الكثير من الخطباء المفوهين الذين سرعان ما ينفضحون في أول حوار تلفزيوني أو مؤتمر صحفي مباشر، وتظهر قدراتهم الحقيقية، ويقعون في الكثير من الأخطاء والتناقضات.

السبب الثاني أن ردوده على الأسئلة كانت حصيفة جداً، وأظهرت أننا أمام شخص لديها خبرة كبيرة وكأنه يتعامل مع الصحفيين منذ عدة سنوات، وليس أمام شاب أكمل الثلاثين من عمره قبل أشهر فقط، فمن خلال متابعتي الدقيقة للمؤتمر الصحفي ذُهلت من ردوده وحصافته وسرعة بديهته، لم يتردد، أو يتأتئ، أو حتى يفكر، بل على العكس كان يبدأ الإجابة في الكثير من الأحيان قبل أن يُنهي الصحفي سؤاله، وكأنه يقول للصحفي عرفت خلاصة السؤال واليك الإجابة قبل أن تُكمل سؤالك وتضيع علينا الوقت.

                                                       ***
تعامله كان جيداً ومرناً وظهر متواضعاً وودوداً مع الصحفيين، لكنه في نفس الوقت ظهر قوياً في مواجهة أسئلتهم وقاطعاً في المعلومات التي يدلي بها، وأظهر القصور لدى بعض سائليه، سواء في معلوماتهم أو في فهمهم لماهية التحالف الإسلامي لمواجهة الإرهاب، وكأنه يقول لهم: لم تحضروا أنفسكم جيداً للمؤتمر الصحفي، وحتى لا يحسب كلامي مدحاً سأورد بعض النقاط التفصيلية لأدلل على ما ذكرت.

- كانت إجاباته أقصر من الأسئلة وتعطي معلومة لا تحليل، وبصيغة الجزم، وتظهر أن هناك إدراك ووعي كامل، وهدف واضح.

- عند سؤاله عن أن هناك عشر دول خارج التحالف ما تزال تدرس الانضمام اليه، قاطع السائل قائلاً "أكثر من عشر دول" وكررها مرتين، مضيف أن هذه الدول ليست خارج التحالف، إنما لديها إجراءات لكي تنظم اليه رسمياً، وهذه إجابة دبلوماسية ذكية جداً، لأنه اعتبر الكثير من الدول التي لم تنظم للتحالف جزء منه، وما يعيق انضمامها الإجراءات فقط، وهذا سيدفع الكثير من الدول –حتى التي لم يكن لديها نوايا للانضمام- للالتحاق بالتحالف لأن أبوابه مشرعة، والعدد غير محصور في عشر دول كما ورد في سؤال الصحفي، واجابة الأمير كذلك أعفته وبذكاء وحنكة سياسية من الدخول  في أي مواجهة مع الدول التي لم تنضم، وترك باب التحالف مفتوح، بل وأعطى لهم العذر، والمزيد من الوقت لكي يفكروا.

- عند سؤاله عن مذاهب المجموعات الإرهابية التي سيستهدفها التحالف، سنية أو شيعية، أجاب وبشكل واضح وسريع، التحالف سيواجه أي منضمات إرهابية أياً كان تصنيفها، وهو بذلك يرد على السؤال الغير موفق للصحفي الذي يعطي انطباع أن الإرهاب مصدره الإسلام فقط، سواء الشيعي أو السني، بينما إجابة الأمير كانت حصيفة ودقيقة، ولم تساهم في الاعتراف بالمفهوم الغربي للإرهاب أو ترسيخه في الوعي العام على اعتبار مصدره الإسلام فقط.

- عند سؤاله عن احتمال استهداف المجموعات الإرهابية في سوريا والعراق أجاب وبدون تردد أن التحالف مقيد في حركته بالتنسيق مع الشرعية في تلك الأماكن ومع المجتمع الدولي، والمجتمع الدولي يعني الدول القوية، والقوانين والمواثيق الدولية كذلك، ولو أجاب بغير ذلك لكان هذا المؤتمر الصحفي سيفسر من البعض على أنه اعلان حرب على سوريا والعراق، وتجاوز بل واستعداء لدول لها تأثير ومصالح في المنطقة.

- عند مقارنة أحد الصحفيين بين التحالف ضد الارهاب والتحالف الذي يخوض حرباً في اليمن أجاب وبسرعة أن هذا تحالف غير ذلك التحالف، ولم يستغل الأمير التحالف الجديد في الحرب في اليمن لغير أغراضه التي شُكِل من أجلها، وهذا يدل على عدة أمور، أولها أن الهدف من التحالف محدد وواضح وهو الإرهاب، الأمر الآخر أن الأمير لا ينظر الى من يقاتلهم في اليمن على اعتبارهم إرهابيين مع أن حركة "أنصار الله" الحوثيين في قائمة المنظمات الارهابية لدى المملكة، كما أنه أبعد شبح اتهام التحالف بأنه تحالف سني قد سيستخدم كذلك في مواجهة حركات توصف بأنها شيعية تحت ستار مكافحة الإرهاب.

                                                           ***
أعرف أني سأتعرض لهجوم شديد بعد هذا المقال، لعدة اعتبارات، منها أنى يمني، وهناك تحالف تقوده السعودية يقصف في اليمن، إضافة الى كوني متواجد لحظة كتابته في السعودية في زيارة الهدف منها #صناعة_السلام_في_اليمن، لكني أقول: أن ما ورد في المقال معلومات وليس تحليل، وأزعم أنه مقال موضوعي من وجهة نظري، وعلى من يشكك الرجوع الى المؤتمر الصحفي وحتماً سيخرج بنفس الانطباعات، وستتغير صورة الأمير لديه، إذا كان قد تأثر بالصورة النمطية التي سعى البعض الى رسمها عنه.

كما أن لي هدف أهم من كتابة المقال، وهو أن أوجه رسالة لمن هم على خصومه أو خلاف مع المملكة بسبب سياستها في اليمن –وأنا منهم بالطبع- مفادها: أن تقييمكم للأسرة الحاكمة ولسياستها ولبعض أمرائها ولرجال السلطة فيها خطأ، والاعتقاد السائد أننا أمام سياسة مرتجلة أو تعتمد على ردود الأفعال السريعة وهم، فمن خلال لقاءاتي في المملكة ببعض الدبلوماسيين السعوديين وآخرين من خارج السلطة، إضافة الى سماعي لهذا المؤتمر عرفت أننا أمام قيادة سعودية شابة ومدركة وواعية وتتعامل بلغة العصر، وليس كما تم ايهامنا طويلاً أننا أمام نظام متهالك سعى البعض الى أن يكون مساهماً في انهياره، عله يغنم بعضاً من تركته.

عندما تعرف خصمك جيداً تستطيع مواجهته، وتستطيع كذلك صنع السلام معه، الكارثة تكمن في الوهم والصورة النمطية الغير مبنية على معلومات أو حقائق، والتي قد تدفع الكثير الى القيام بمغامرات سرعان ما يكتشفون أنها كانت كارثية على بلدهم وناسهم.

                                                    ***
السعودية تمكنت من تكميم فم العالم في التعاطي مع ما يحصل في اليمن، فيما البعض لا يزال ينظر لها ولنظامها أنهم خارج لغة العصر وأدواته، وأسأل هؤلاء: إذا كان تقييمكم للسعودية كذلك فكيف تمكنت من حشد العالم ضدكم بمنظماته وهيئاته ومجلس أمنه عدى بِضع دول، السعودية اليوم أقوى من أي وقت مضى، بل أستطيع أن أقول أنها تعيش في أوج مجدها وقوتها، ومكانتها اليوم أكبر على مستوى العالم وعلى مستوى دول الإقليم، وبالأخص بعد انكفاء الدور المصري ودخول العراق وسوريا في حرب أهلية.

هناك جيل جديد في السعودية، فتي، وقوي، جاهز لصناعة السلام في اليمن، وجاهز أيضاً للحرب الى ما لا نهاية، ويعرف أخطاء السياسة السابقة للمملكة في اليمن خلال العقود الماضية، وقام بمراجعتها، ولديه اليوم سياسة جديدة تماماً، وعلينا أن نتفهم هذا الجيل ونستوعب سياسته الجديدة.

 وبحسب ما فهمت من لقاءاتي فإن صانع القرار في السعودية يسعى الى إيجاد تسوية في اليمن، تضمن شراكة كل الأطراف بما فيهم أنصار الله "الحوثيين" والمؤتمر الشعبي العام، ويريد أن يتعامل مع دولة قوية تسيطر على كل التراب اليمني، لا مكان فيها لمليشيات مسلحة أياً كان انتماءها أو عقيدتها، وليس في عداء طائفي أو مذهبي من أي نوع مع أحد داخل اليمن، ومعركته –التي أختلف معها وانتقدها حتى وأنا في الرياض- سياسية لا عقائدية، وان كان يتم استخدام التحريض الطائفي فيها، لكن هدفه الحشد لتحقيق الأهداف السياسية، لا الحرب العقدية في حد ذاتها، وهذا يتيح المجال لتسوية سياسية، لأن الحروب العقائدية يصعب أو يستحيل فيها التوصل الى تسويات أو حلول.

                                                           ***
أقولها وباختصار: يجب أن يُفتح حوار مباشر بين أنصار الله "الحوثيين" والمؤتمر الشعبي العام من ناحية، وبين صُناع القرار في المملكة من الناحية الأخرى، ويجب أن يعرف كل طرف مخاوف الآخر منه، فاستمرار الحرب فيه خطر على الجميع، ولأن الدماء التي تسفك في الأول والأخير دماء عربية ومسلمة، وأغلبهم من الأبرياء، الذين لا شأن لهم بالسلطة وأطماعها.

 

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص