الأحد 24 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
زينب علي البحراني
"عقوق" المرأة!
الساعة 15:45
زينب علي البحراني

قبل أسبوع تقريبًا؛ قرأت تقريرًا صحفيًا عن ظاهرة تتعلق بالمهاجرين واللاجئين من إحدى البلدان العربية التي طحنتها الصراعات الداخلية إلى البلدان الغربية، وهي انتهاز زوجاتهن فرصة وجودهن بين حدود أرض تحكمها قوانين واضحة فيما يتعلق بـ"حقوق المرأة" للتخلص من أزواجهن بعد سنوات طويلة من صبرهن وصمتهن على الإذلال وهضم الحقوق في بلدهن الأم. 

هذه الظاهرة التي بدت أشبه بـ"صدمة" لأولئك الرجال لم تبدُ لي غريبة أو غير طبيعية؛ لأن الطبيعي هو كون الفطرة الإنسانية تميل للحفاظ على كرامة الفرد وحقوقه وانسانيته، تلك الحقوق التي وجدتها أولئك النساء العربيات في أرض جديدة تحترم قوانينها كرامتهن، وتعتبر مجتمعاتها الواحدة منهن "انسانة" بعد سنين قضاها مجتمعهن العربي السابق في تكريس مبدأ أنهن أدنى من مستوى "الإنسان" في الحقوق والمعاملة، وعمرٍ من تعرضهن لأشكال مختلفة من العنف بتصرّفات مؤلمة نفسيًا وجسديًا يعتبرها المُجتمع "معتادة"، "طبيعيّة"، وأحيانًا "واجبة"!

كم من الرجال في مجتمعاتنا العربية يعلمون بأن هناك إعلانًا عالميًا لمناهضة كافة أشكال العنف ضد المرأة صدر عام 2993م؟ وكم منهم يعلم أن الخامس والعشرين من نوفمبر كل عام هو يوم عالمي للقضاء على العنف ضد النساء؟ وكم منهم يعلم أن التهديد، والحرمان التعسفي، والمنع عن اتخاذ القرار أو التصرف بحرية في شؤونها الخاصة من أشكال العنف التي يعاقب عليها القانون في البلدان التي تعتبر المرأة "انسانة" حقيقية؟ كم منهم يعلم أن إكراه الزوجة على المعاشرة الجسدية (التي يعتبرونها حقًا إجباريًا من حقوقهم) شكل من أشكال العنف؟ وأن "منعها" عن العمل خارج المنزل أو "إجبارها" على العمل يعتبران شكلين من أشكال العنف؟ 

معظمهم لو سمعوا بمثل هذا الكلام ستتجمد رموشهم ويفغرون أفواههم دهشة، إذ كيف يمكنهم استيعاب حقائق انسانية رباهم المجتمع على أن عكسها هو الصحيح، وأن المرأة ليست سوى "بهيمة" يجب تسخيرها للخدمة والاستمتاع الجسدي شاءت أم أبت، وفي أفضل الأحوال ستجد بعض من يتظاهرون بالعلم والثقافة يُصرّون إصرارًا ذكوريًا عجيبًا على أن الزوج "من حقه" التحكم في شؤونها الخاصة وذهابها وإيابها وتصرّفاتها في الحياة رغمًا عنها لمجرّد أنه دفع مهرها الذي يعتبره ثمنًا اشترى به جسدها وروحها إلى أن تموت.

ومع هذه الحقائق الناصعة التي يصعب أن ينكر تفشيها في مجتمعاتنا العربية مخلوق؛ سنسمع من يقول أن السبب في انتشار هذه الظواهر هي المرأة التي "لم تدافع عن حقوقها"، ولا أدري كيف يُطالبون من يتم استغلال ضعفها في حبسها، وإذلالها، وإهانتها، وافتراس حقوقها، والاعتداء عليها حتى تموت دون أن تتمكن من التفوه بحرف؟ ثم يأتي دور السؤال الأكثر أهميّة: كيف استطاعت أوروبا - التي لا يكف البعض في عالمنا العربي من إلصاق تهمة "تسليعها" كيان المرأة- القضاء على آخر القوانين التي تجرؤ على الانتقاص من حقوق المرأة في القرن التاسع عشر؛ بينما تجاوزنا منتصف العقد الثاني من القرن العشرين ولازالت الأفكار المتخلفة تجاه الكيان الأنثوي تسرح وتمرح فسادًا في مجتمعاتنا العربية دون قوانين باترة صريحة تردعها وترد للمرأة كرامتها؟ متى يأتي اليوم الذي نواجه في أنفسنا ونعترف لها أننا مجتمعات تسرف في "عقوق" المرأة بأفعالها بينما تزعه مراعاتها لـ "حقوقها" بأقوالها؟

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص