الأحد 24 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
أحمد طارش خرصان
الْعَلَّايَةُ..المكتملُ بصرامته
الساعة 22:38
أحمد طارش خرصان

لا تستطيع إب وهي تسرد مآثرها ، وتستدعي ذكرياتها المثخنة بالأفراح والأتراح ، أن تتجاوز نقطة الضوء الملتصقة بمروياتها المرافقة لحياة رجلٍ ، لطالما منح إب المِثَالَ الجيّدَ والكافي ، لأن تتحدث عنه إب كقائد عظيم .

تكاد سيرته أن تملأ تفاصيل إب وحكايات جيلٍ كاملٍ ، لم يَلتفتْ - يوماً ما - كي يتأملَ ذلك المكتملَ بصرامته ، وانحيازه المتخم بالولاء لمهنته ومسؤوليته وواجبه تجاه مبادئه التي جسّدتها سيرته العامرة بكل ما هو بَهِيٌُ ونفيس .

لا يشبه أحداً ، ولن يشبهه أحدٌُ ، ذلك انه أجاد استخدام حياته بمنهجية وسلوك مصلح عظيمٍ ، لم يجدْ ما يمنح الآخرين وإب سوى تأريخه الممتلئٍ بالمآثر والنماذج الأسطورية الخالدة .

حين كان الأستاذ الربادي يمارس وطنيته بنزاهةٍ ، وشعورٍ بالإنتماء الحقيقي للبسطاء والحالمين ، كان يمارس حياته قريباً من أحلام المدينة ورغبتها في تخطي واقعها الموبوء ، عازفاً عن كل ما يثنيه عن تحقيق رسالته ، وبناء عالمه الذي تحول إلى فضاء للمدينة ومسرحاً ، ربما لم تتخلف عن ممارسة طقوسها الحياتية عليه ، وعلى إيقاع صوته وهو يتنقل بين الأجيال، كذكرى طيبةٍ لا زالت عالقة في وجدان فتى قرويٍ ، يدرك الآن حجم هذا الرجل والقيمة الحقيقية لصوته وصرامته كقائدٍ ، لم يكن ليهادن رغبات العبث والإستهتار واللامسؤولية . 

نتذكر جميعاً ما الذي أضافه الأستاذ المربي محمد عبدالله العلاية لإب ، كمدينةٍ - ربما - أفْقَدَها الوهن ما تبقى لديها من شعور بالوفاء ، حيال ما يمكن أن نطلق عليه قارب النجاة وشراع الخلاص ، الذي أقلّ إب باتجاه القادم...القادم الذي ابتلعه الحوثيون ورسموا في مداخله القبح والعته والتخلف . 

لا أحد في المدينة يخطئ الطريق إلى قلعته الحصينة ، حيث كان يدير رحى حربه الضروس ضد التخلف والجهل ، مُصوباً رصاصات إيمانه بقيمة العلم ، فاتحاً للمدينة نوافذ جديدة للحياة والآمال ، وراسماً بفرشاة الصرامة لوحةً جديرةً بالوقوف عند ألوانها الضاجة بالحياة والإرادة والطموح .

أتذكرني قبل أربعة وعشرين عاماً ، وأنا أحثّ الخطى باتجاه مدرسة النهضة ، مصطحباً الكثير من الإحتمالات السيئة والخوف ، من أن ينطلق طابور الصباح دون أن يجدني الأستاذ محمد العلاية واقفاً بثبات جنديٍ ، كنتُ أدرك - وغيري - ما الذي يعنيه الوقوف أمام الأستاذ محمد العلاية في مفتتح يومك الشاق والعصيب .

في مدرسة النهضة كان للأستاذ محمد العلاية -شفاه الله ورعاه - الكلمة الفصل في ترتيب رحلتنا صوب المستقبل ، وتعبئتنا بكل ما هو صالح لمواصلة التحدي ، وتحطيم جدران العتمة السميكة بأيادٍ من نورٍ ، وكأننا في معركةٍ لم يكن أمامنا - كما علّمنا - سوى الإنتصار ، كي ننجوا من توصيف الأستاذ محمد العلاية وهو ينادي أحدنا - كلما داهمه الوهن - : يا فاشل .

لم أجد الأستاذ محمد العلاية يبتسم لأحد ، لكنه علمنا كيف نجعل الحياة تبتسم في وجهنا ، ومنحنا ما يكفي لأن نواجه اليأس ونقاوم الإستسلام لواقعنا السيء ، ولعلنا نحتفظ بكل ما قدمه الأستاذ والمربي محمد العلاية وصنعه ، لمجتمعٍ ربما يستحق أنْ نَصِفَه ( بقليل أصلٍ وعديم مروءة ) ، ظلّ طريقه إلى القيم والمثل العظيمة ، ووقف يتأمل النهايات المحتملة لهذه السماء التي منحتنا الكثير من الحياة والضوء والنجوم .

لا ينتظر الأستاذ محمد العلاية نظرة شفقة من أحدٍ ، لكنني أدرك جيداً حاجته لأن يرى ثمرة حياته ونتاج زرعه ، والذي كان من تضحياته النزيهة وانتمائه الأكثر نزاهة وإخلاصاً لواجبه ومهنته .
لن تكونوا ذا قيمة ، مالم يكن الأستاذ محمد العلاية محطة مروءتكم القادمة ...
افعلوا شيئاً...
كي لا تسقطكم المروءة ورد الجميل والإمتنان
من قواميسها المكتظة بأرتالٍ من الأنذال والمبتذلين ...
شفى الله أستاذنا الكبير وعافاه

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص