الأحد 24 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
مروان الغفوري
من يقف خلف داعش؟
الساعة 18:32
مروان الغفوري

لا يوجد سبب سيدعو مزيداً من الناس إلى الانضمام إلى تنظيم داعش، ونشر العنف والويلات في الشرق والغرب أفضل مما يفعله بوتين في سوريا.
داعش هي الاستجابة التاريخية السوداء ضد الديكتاتوريات والحمقى..
صارت القاعدة تقاتل داعش، بوصف الأخيرة "حركة متوحشة تسيء إلى الاسلام".
سيستجيب التاريخ، أو مادة التاريخ السوداء، لحرائق بوتين في سوريا وسيأتي تنظيم مسلح جديد يتلقى نصائح أخلاقية من داعش
وهكذا..
يعرف بوتين لعبة الماتروشكا الروسية:
كلما نزعت غلافاً عن اللعبة ظهر غلاف جديد، وهكذا بلا نهاية.

أما كتاب التاريخ البلهاء فسيجلسون في غرفهم ليتساءلوا:
من يقف خلف داعش؟ تُرى من يمولها؟ لمصلحة من يعمل ذلك التنظيم؟
كما لو أنهم يتحدثون عن لص عثروا عليه مختبئاً في الحي!
أما الاسلام ففي قفص الاتهام حتى لو لم تأت داعش. في العام ١٩٩٢ أثار إدوارد سعيد المسألة عبر البي بي سي، وغطاها على نحو مكثف في "تغطية الاسلام". الموقف العدواني الشامل الذي يبديه الغرب ضد "الصورة التركية للديموقراطية" ليس سوى واحدٍ من تلك التجليات. وعندما تصدر الترجمة الألمانية لكتاب "موسيقا بلا حدود" لإدوارد سعيد يقدّم للترجمة بجملة "مثقف أصولي"! الرجل ليس مسلماً، وهو مثقف أكبر من كل الحدود. لكنه قال أكثر من مرة: عندما ترى موطنك الصغير في طريقه إلى الاختفاء سياسياً أو حيوياً فإن مهمته أن تبذل قصارى جهدك للدفاع عنه. قال إنه فلسطيني، وتذكر ذلك دائماً. كتب عن الإسلام الذي لا يعرفونه وصار أصولياً ومتطرفاً وعنيفاً.

قبل يومين رفع الكاتب المرموق "تشارلز بلو" عريضة احتجاجية في النيويورك تايمز تحت عنوان "مناهضة الاسلام مناهضة أميركا". اعتمد "بلو" على دراسات وإحصاءات واسعة أجرتها أكثر من مؤسسة، وفي المقدمة منها البيانات اللافتة التي نشرتها المؤسسة الأشهر "بيو" في العام ٢٠١١.. لورانس داونس أجرت استطلاعاً في نورث كارولاينا، وحصلت على النتائج التالية: ٧٢٪ يعتقدون أنه لا بد من منع وصول أي مسلم إلى رئاسة. أما ٤٠٪ فطالبوا بسن قوانين تجرّم الدين الإسلامي.
مركز بيو نشر بيانات مهمة في ٢٠١١، وكانت النتيجة لافتة: ١٢٪ من المسلمين ينتمون إلى/ يميلون إلى الحزب الجمهوري. بينما قال ٧٠٪ إنهم يميلون إلى الحزب الديموقراطي.

وكانت تلك البيانات، ولا غرابة، متناسبة مع الموقف الجمهوري العام من الإسلام كدين..
في ٢٠١٣ قالت دراسة أجرتها Carnegie Mellon University: في أغلب الولايات الجمهورية تقل احتمالات حصول المتقدم لشغل وظيفة على رد إذا كان في ملفه الشخصي ما يشير إلى أنه مسلم.
في الضفة الأخرى، في باريس أيضاً.. كتبت إرنا باريس، الكاتبة الكندية، في "ذا ميل أند ذا غلوب" مقالة تتحدث عن من أسمتهم : the invisible parisians أو الباريسيين غير المرئييين..
عن طبقة هامشية مسحوقة، تعيش غير مرئية ولا يزال ينظر إليها كعدو. لا تزال بدرجة ما عدواً منذ قدمت من الجزائر مطلع الستينات. بحسب الكاتبة "باريس" فقد منح الاستعمار الفرنسي الجنسية الفرنسية ليهود الجزائر فقط، أم مسلمو الجزائر فعاشوا في الهامش. 

يغني عاشق مغربي عن حبيبته التي تعيش في "باربيس". عندما زرتُ حي باربيس قبل عام بصحبة مثقفة باريسية ـ عربية لم أصدق ما رأيته. عرب في كل الزوايا يبيعون الساعات المسروقة، وأحياء رثة وفقر يكدر النفس البشرية ... داخل باريس. وجدت باعة المخدرات وسرعان ما عرضوا علينا بضاعتهم. أولئك الباريسيون غير المرئيين، الذين سرعان ما يصبحون مجرمين.

كان إدوارد سعيد يصرخ في وجوه المثقفين الأوربيين: ماذا تعرفون عن الإسلام؟ الإسلام دين، وثقافة، وكلا العنصريين مركب على نحو يحول دون انسجامه الأحادي. إنه دين لأكثر من ست لغات كبرى وعشرات اللغات الصغيرة، في طليعتها الفارسية والتركية والملاوية والعربية، وكل لغة تعيش في عالمها اللامحدود. ماذا تعرفون عنه؟
يملأ بوتين، حالياً، الصورة كلها أمام العالم. يستعرض أسلحته وقدراته ويختبر العالم، يختبر استعدادات الناتو أيضا كما يقول "رامس"، القائد السابق للناتو ،لمجلة Focus الألمانية.

فعلت أميركا مثل ذلك في ستينات القرن الماضي. أحرقت ملايين البشر بالنابالم وتركتهم مشوهين وعظاماً. لكنها، بعد مجزرة ماي التي كشفها سيمور هيرش، تراجعت إلى الوراء. تراجعت أيضاً بسبب الضغط الجماهيري الهائل من الداخل. أميركا دولة ديموقراطية، مهما مارست الدولة الديموقراطية من خداع داخلي إلا أنها لا تستطيع أن تغامر بلا نهاية. بوتين لا يتمتع بتلك الفضيلة، فلا وجود لقوى حية في روسيا بمقدورها أن تشكل ضاغطاً جماهيرياً، أخلاقياً أو سياسياً، ضد بوتين. 
سيستمر حتى يسمع أصوات الأحزمة الناسفة في موسكو، كما يتوقع جون ماكين.
التنظيمات المتطرقة تخلقها الوحشية، وتحورها. هي تنظيمات لا علاقة لها بالاسلام، أو هي "سلالات متحولة عن الإسلام" إذا استخدمنا كلمات سلمان الراشدي، الكاتب الأشهر، لصحيفة WAZ الألمانية قبل ثلاثة أيام.

الوحشية البوتينية ستخلق استجابتها المناسبة. ففي أميركا يرد المسلمون على الاستبعاد السياسي والاجتماعي الذي يمارسه الجمهوريون بالانضمام إلى الديموقراطيين، كما تقول البيانات العلمية.
وفي سوريا والعراق يصبح العنف أكثر فيجد الاستجابة المناسبة.
قلنا دائماً:
الديكتاتوريات والبربريات لا تحصد سوى النماذج التي تناسبها.

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص