الأحد 24 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
وئام عبد الملك
روسيا وتركيا.. مآلات المنطقة
الساعة 17:16
وئام عبد الملك

أسقطت تركيا الطائرة الروسية في الرابع والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني، وسبق وأن أعلنت تركيا عن اختراق طائرات روسية لأجوائها عدة مرات مطلع الشهر الماضي.

وكان إسقاط تركيا للطائرة الروسية، في الوقت الذي تزامن مع زيارة ملك المملكة العربية السعودية الملك سلمان بن عبدالعزيز لتركيا، للمشاركة في اجتماع قمة العشرين، وربما جاء الحادث كرد فعل سعودي تركي مقصود، على التدخل الروسي في سوريا، وما يسميه الكثيرين( بالاحتلال الروسي لسوريا)، وبداية لحدوث تقارب أكبر من ذي قبل بين البلدين تركيا والسعودية.

لكن تركيا وبسبب المصالح المشتركة بينها وروسيا، فإنها أبدت خطابا أقل عنفا، ولن يقود نحو التصعيد، بعد حادثة إسقاط المقاتلة الروسية، فالرئيس التركي" رجب طيب أردوغان" بالأمس قال:" لو علمنا بأن الطائرة روسية لتصرفنا بشكل مختلف"، وهذا ما أشار إليه كذلك المندوب التركي الدائم لدى الأمم المتحدة، فتركيا تريد أن تتخلص من عبء الاعتذار، الذي يطالب به الروس، وترفضه تماما تركيا.

وتدعم موقف تركيا العديد من دول العالم، إذ يعد ما حدث ردة فعل طبيعية، لبلد كامل السيادة.

إن تركيا حرصت ومنذ بداية الأزمة على أن لا تجعل تلك الحادثة، مشكلة تركيا بمفردها، بل جعلتها تخص كذلك حلف شمال الأطلسي الذي تنتمي إليه، وهذا تصرف يحسب لها، إذ تحرص على الاستفادة من انضمامها للحلف، وموقف تركيا أثار غضب الروس، إذ تواجه روسيا اعتراضات كبيرة من قبل حلف شمال الأطلسي  على نهجها الأخير في المنطقة العربية، وبالتحديد في سوريا.

وتربط إيران وروسيا مصالح كبيرة جدا، وتلك المصالح تعود بالنفع على البلدين، فروسيا بدأت بتنفيذ بعض العقوبات على تركيا كردة فعل، لكنها طفيفة للغاية، فبين البلدين مشاريع ضخمة، كمشروع السيل التركي، كما أن تركيا تستورد من روسيا حوالي ١٦ مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي، أي أكثر من نصف احتياجها، ويفوق التبادل التجاري بين البلدين الثلاثين مليون دولار، وهناك أكثر من ثلاثة مليون سائح روسي لتركيا سنويا.

البعض يؤكد أنه إذا منعت روسيا عن تركيا تصدير الغاز، فإن قطر ستكون الوجهة البديلة لها، كونها من أكبر منتجي الغاز الطبيعي، وتمتلك احتياطا ضخما منه، وسيكون ذلك ثمرة من ثمار التقارب التركي الخليجي إن حدث، وتمخض عنه أمورا حقيقة على أرض الواقع، لكن هناك تحديات عديدة ستواجه هذا الأمر، ولن تجازف تركيا.

وتعيش روسيا الآن وضعا صعبا، جراء العقوبات المفروضة عليها، إذ تخسر حوالي أربعين مليار دولار سنويا، وستزداد حجم معاناتها جراء العقوبات الأخيرة التي فرضت عليها، بسبب موقفها الأخير في سوريا، وهو ما لا تكترث له روسيا كثيرا، فمواقفها الأخيرة تجاه المنطقة العربية، ربما تسعى من خلالها لتعزيز وجودها، أو فقط حماية مصالحها.

 إن  الموقف الأمريكي تجاه روسيا قد لا يتغير، إن كان هناك أجندة محددة نجهلها، روسيا الآن ليست في موضع قوة كبيرة، مقارنة بأعظم قوة وهي أمريكا، لكن إذا ما قورنت بالسعودية أو تركيا، وحتى إيران فهي أقوى بكثير.

أمريكا تصم أذانها عن ما تقوم به روسيا الآن، فهي تؤدي الدور المطلوب، من بث الفرقة والنزاعات، خاصة بعد أن أصبحت في صف إيران، التي تجمعها بها المصالح أولا، ونتيجة للمكانة التي حظيت بها إيران عقب التوقيع على الاتفاق بشأن برنامجها النووي، فإن أهداف إيران في المنطقة أصبحت في ذات المربع الموجه من قِبل الغرب، كما أن روسيا لم تعد المنافس الأكبر لأمريكا، بعد أن تحولت موازيين القوى العالمية، وحلت الصين منافسة لأمريكا، وقد شاهدنا طوال الفترة الماضية، تقارب صيني روسي في المواقف، لكن الصين تنأى الآن عن الزج بنفسها عن أي صراعات.

كما ركز الخطاب الروسي والإيراني عقب الحادث على الإرهاب، لكسب تأييد دولي، وكان خطابا موحدا.

إن السعودية ما تزال تحرص على وجود مصالح مشتركة بينها وروسيا، فهي في وضع بحاجة فيه إلى ذلك، وإن كانت العلاقات لن ترقى كثيرا، بسبب موقف السعودية الرافض للتدخل الروسي في سوريا، والنهج الروسي في المنطقة العربية.

والعرب وبالتحديد دول الخليج، بحاجة ماسة لعمل تحالفات جديدة، مع تركيا، الخيار البديل للروس، بعد أن أصبحت إمكانية حدوث تقارب سعودي روسي استراتيجي مستحيلا، بعد تدخل روسيا في سوريا.

 إن المنطقة العربية تعاني من تمزق مخيف، وإنهاك كبير جراء الحروب، وعليها اتخاذ خطوات تمنع تحرش إيران بها أكثر، وتفرض وجودها المؤثر في المنطقة، حتى تكون فاعلة، ويعمل لها" حساب" الفاعلين الدوليين في المنطقة.

وفي المقابل على دول الخليج أن تجمعها أهدافا محددة مع تركيا، لبّها المصلحة، لكن لا أن تسلمها زمام الأمور في المنطقة، فكما لتركيا أهداف وأجندة خاصة، يجب أن يكون للعرب أجندة خاصة بهم، لا تمنعهم من الانفتاح على الآخر.

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص