الأحد 24 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
عبد الكريم المدي
لماذا يحن اليمنيون لهذا الشيخ الراحل .!
الساعة 00:01
عبد الكريم المدي

 نعيش هذه الأيام الذكرى العاشرة على رحيل الشيخ القدير مجاهدأبو شوارب الذي يكاد يكون الاتفاق المطلق حوله بأنه بالفعل عَلم وقائد وطني وقومي بكل المعاني الإيجابية التي تنطوي عليها أشكال التعبير.

فمع مرور الأيام يزداد حضوره تكثيفاً وألقاً، الأمر الذي يدفع بالآخرين للبحث عنه أكثر، خاصة كلما مرّالوطن بظروف معقدة كهذه التي يعيشها اليوم ،والكفيلة بطرح تساؤلات ملحّة من قبيل : ماذا لوكان يعيش بيننا هذا القائد،كيف سيكون موقفه ودوره في تغير واقع بلدنا البائس وحالة التفكك ، ومساعدة الناس في الخروج من مغاليق هذه الوحشة والوحشية ودروبها الصعبة؟
سيما وهو الشخص الذي ناضل بكل جد وإخلاص في سبيل خلق ثقافة وطنية ،عصرية تُواكب حركة التحولات العميقة التي يعيشها العالم،وفي الوقت ذاته تُحافظ على جذور أصالتنا وتمايزنا عن الآخرين .

في الحقيقة لا يقتصر الحديث عن مناقب الشيخ / مجاهد على جانب معين من الجوانب ،ولاعن فترة محددة ، ولكنه شامل لكل ما يتعلق بالوطن وحركة النضال وصناعة الأحداث الكبيرة ،ولعل العاكفين على منجزه الوطني والقومي والإنساني يُدركون ما نقوله هنا تماماً ،ويدركون إنه من الناس القلائل الذين يتمكنون بكل عنفوان من اختراق الذاكرة الجمعية، للأجيال اللاحقة ، دون أن تؤثر على مكانتهم ومآثرهم كفُّ الزمن .

وغني عن البيان القول إن الراحل ينتمي لأسرة عريقة ،تُعدُّ من أهم وأكبر الأسر على مستوى قبيلة حاشد واليمن كلها، ونظراً لهذا الإرث والمكانة الكبيرين فقد تحمل الراحل - كما كان حال والده أيضا وحال أولاده - مسؤلية الدفاع عن خيارات وكرامة الناس وعمّا يؤمن به أولاً وأخيراً،ومن هذه المبادىء نجد تاريخه مليئاً بالأحداث والمحطات الهامة ، حيثُ كان من كبار مناضلي الثورة اليمنية (26سبتمبر)  ومن الذين وقفوا في وجه الظلم والكهنوت والرجعية الإمامية وكضريبة لذلك الدور تم اعتقاله في العام 1959وكان حينها شاباً ،ومن ثمّ إيداعه في السجن ،وقد امضى فترة السجن في دراسة الرياضيات ،والجغرافية والتاريخ وعدد من المعارف والعلوم.

 وبعد قيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر المجيد(1962) والتي واجهت - كما هو معروف - تحديات وعقبات كأدأ ، كان أخطرها  الحصار الذي فرض على العاصمة صنعاء من قِبل الإماميين المدعوميين ، وأمام ذلك الخطر الداهم انبري لمهمة للتخلص منه عدد من المناضلين وفي مقدمتهم الشيخ مجاهد أبو شوارب  - رحمه الله - الذي لعب دوراً حاسماً في ذلك ،حيثُ قام في شهر فبراير 1968م برفقة (2000) ألفيّ مقاتل معززين بالدبابات بالتحرك لجبهات القتال وقد تمكن من إجبارالقوات الإمامية المحاصرة للعاصمة على التخلي عن مواقعها في جبل عطان/ غرب صنعاء ،ليكون ذلك بداية انهيار حصار السبعين يوماً وتغير المعادلة وموازين القوى التي بموجبها استطاع الجمهوريون السيطرة على زمام الأموروحماية الثورة .

 وليس ذلك فحسب ، بل أنه قاد قوات الجمهورية في كثير من المواجهات العسكرية العنيفة والمصيرية، ومن القصص والأحداث الجديرة بالذكرهناأنه وفي إحدى المعارك اخترقت رصاصة إحدى كليتيه وأستقرت أسفل بطنه ورغم ما كانت تتسببه له من آلام ومتاعب إلا أنه رفض مرات عديدة السماح للأطباء بإجراء عملية جراحية لإزالتها ، بعد أن أخبروه أن العملية ربما تسبب له العقم.
كما أنه من المناسب الإشارة هنا لواحدة من أدواره الوطنية البارزة التي أضطلع بها خلال سنوات الأزمة بعد إعادة تحقيق الوحدة الوطنية، في العام 1990م. وذلك من أجل منع الانزلاق نحودوامة العنف والصراع.

بخلاف الكثير من مشائخ البلاد ووجهائها ادرك الشيخ مجاهد ،ومن وقت مبكر بأن منحنيات صراع المصالح المتصاعدة خطر محدق على وحدة الشعوب وعلى روح الأمة ، لهذا حاول كثيراً لجم أي بدايات قد تنشأ لتلك المنحنيات وحقق في هذا السياق نجاحات عدة ،وساعده في ذلك أنه كان شخصاً موثوقاً به لدى كل القوى السياسية والأطراف والقبائل على مستوى الوطن كله ولم يُغره يوماً النظر للخلف ولا للتخندقات السياسية والجهوية والمناطقية أو تصفية الحسابات ...فقط ، كان يؤمن بالوطن اليمني والوطن العربي الكبير ، وهذا ما قربه أكثر من كل القلوب والأفكار والتوجهات .
 لقد مثل الشيخ الراحل علامة فارقة تتجاوز أسوار جغرافيا بلده الذي اعطاه كل شيء وعاشه بكل خشوع وعطاء، وعاش معه - أيضا - عالماً أكثر اتساعاً ، وتمدداً إلى ما هو أبعد بكثير من قبيلته أو مصالحها الخاصة، عاش مخلصاً عتيداً لوطنه، ومتمسكاً أميناً بعروبته .

لقد كان رجلاً وطنياً واستثنائياً حقاً ، وعزاؤنا بعده هم أولاده  ومحبوه للسير في نفس الدروب التي اختطها لنفسه ووطنه ورفاقه.
تغمد الله مثواى الشيخ والمناضل الجسور  مجاهد أبو شوارب بالرحمة والمغفرة واسكنه هو وكل شهداء الثورة والحق والحرية جنّات الخلد .

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص