الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
أحمد طارش خرصان
هل يفعلها الحوثيون ...؟
الساعة 22:05
أحمد طارش خرصان


تقف حائراً بين أن تكتب عن الذي حدث لك ورفاقك في سجن الأمن السياسي بإب ، وبين أن تكتب عن ما يتناقله الجميع من أن رفاق محاولتك الإنسانية - والذين لم يتم إطلاق سراحهم حتى اللحظة - يتعرضون للتعذيب والإمتهان ، إذْ لا يمكنك منْح هذا الجهاز ما يمكنه من تجاوز توصيفه كجهاز سيء السمعة في الذاكرة اليمنية منذُ تأسيسه وحتى اليوم.

لم أتمكن - بعد - من التخلص وتجاوز كل ما حصل في أقبية هذا الجهاز ، لأجدني مواجهاً ما يتردد من أنباء ، من أن محمود ياسين يتعرض وبقية رفاقه للتعذيب ، دون أن يجدوا في زوايا هذا العالم من يصرخ قائلاً : أوقفوا هذا العبث والجنون. 

محمود ياسين عنوان بلد منهك ، وواجهة ثقافية لوطنٍ عاشه محمود ياسين بطريقته الخاصة ، حزناً وتمرداً وتسكعاً وبكاءًا وعشقاً وإيماناً متفوقاً بحق الجميع في الحياة .

روائي وكاتب لا يبخل أن يرسل أنامله هنا وهناك ، ليدون بسردية مترفة ومترعة بالخيال والقدرة على إختراق الجدٌر السميكة للجفاف الكتابي الذي تعانيه بلدنا ، ولعله وهو يدون سيرته الكتابية يفتح نوافذ للأمل بأن ثمة ما يمكن ترقبه وانتظاره بشوق ووله عاشق بريء.

كنت أسترجع وأنا في الطريق - كفريسة نافقة - إلى جهاز الأمن السياسي معصوب العينين ، وعلى سيارة ( كامري ) بدون رقم ، كل ما قاله صاحبي محمود ياسين على الجميع قبل مداهمة الحوثيين للفندق ، وأتذكر ما همسه محمود في أذنيّ حينها ، متتبعاً كبدويٍ أثار محمود ياسين وحكاياته وسردياته وروحة ورفقته التي لا تملّ ، وتفاصيل أخرى تدور في مجملها ، حول إنسانية محمود ياسين والجانب الأكثر حضوراً وإشراقاً في حياته كإنسان اولاً وككاتب وروائي في المقام الأخير ، ولعلمي أن محمود لن يكون سعيداً متى دونتها هنا ، فإن الحياة كفيلة بأن تمنحنا الفرصة للإقتراب من حياته وجوانبها الإنسانية العظيمة. 

تتصفح أوجه الباقيين لتقرأ ببراءة ، الحياة وهي تطل من وجهٍ ملائكي ، لن يكون إلّا وجه الدكتور محمد علي عبود المليكي ، وهو يختصر الحياة كلها في ضحكته العفوية ونبله المستعصي على التعرية والإقتلاع ، لم أكن - وأنا أقاوم الإحساس بالغبن والظلم - أدرك ما الذي يمكن أن يضيفه الدكتور محمد المليكي لخاطفية ؟ 
بين رفقته وصداقته تكتشف القيمة الحقيقية للجزئيات والتفاصيل الصغيرة في حياة فتى ، تمكن أخيراً من تسلق اللحظة وتجاوز الوهن المرابط في عيون من يحبونه ، تاركاً طفله حمزة ووالده الشيخ علي عبود المليكي ممتلئين بطيف هذه اللحظة وتداعياتها غير المحتملة والأكثر إيلاماً. 

لا تستطيع وأنت تنتظر دورك في حمام السجن ، أن تغض الطرف عن المكان الذي يختزل الإنسانية والتمرد على الرتابة والواقع الضحل ، لتمرَّ من أمامه دون أن تخبرك جدران الزنزانة - كموظف استعلامات جادٍ - أن المهندس عنتر علي المبارزي هناك .

لم أكن أدرك من المهندس عنتر المبارزي ، ولم تكن أيامنا الرخوة التي أهدانا إياها الحوثيون ، كافية لإكتشاف مثل عنتر المبارزي وغيره من رفاق مسيرة الماء.

في الرواق الذي اصطفت فيه زنازيننا ، لم نكن لنرى من خلال جدرانها السميكة وبابها الفولاذي أي شيء ، سوى ملامح فتى تمكنت من اختراق كل هذه الحواجز ، ورسمت في فضاءات الزنازين المخنوقة ، لوحة إنسانية وبلون وطنيٍ خالص ، تأكدت قبل دخولي غرفة التحقيق أن عنتر المبارزي أفق هذه اللوحة وإطارها الجميل. 

كنت معصوب العينين حين وقفت أمام من يدون أسمائنا ، لأسمعه وهو ينطق بإسمه ، رغم معرفته بالذي يعنيه هذا الإسم ، ليقف وبجلد متمرسٍ :أنا أمين الشفق. 
لا يعرف الموتورون عن أمين الشفق سوى انتمائه لتجمع الإصلاح - وكأنها تهمة - كان على أمين الشفق تجاوزها وتخطيها ، ويغفلون -بتعمدٍ وبتواطئٍ غير بريءٍ - الحقيقة التي تقول بانحياز العزيز أمين الشفق لكل ما هو إنساني ووطني .

لست بصدد تقديم عريضة دفاع ، لعلمي أن أمين الشفق عنوان جيدُ لرجولة ، لم تقع يوماً في الزلل والخطيئة الموجبة للعقاب ، غير أنني ملزم بالوقوف إلى جانب رفيق ، لطالما 
كانت القيم والمبادئ السامية المحرك والضابط الأساس لعلاقاته وأحلامه المهدورة. 
آخر أصوات إب وعصافيرها المغردة ،وليد الكثيري و عبدالله كرش ، امتزاج غير متوقع بين القضاء والصحة ، إذ يعمل وليد الكثيري محامياً ، فيما عبدالله كرش حديث التخرج من المعهد الصحي بإب ، ولكم تشعر بمرارة ما كان متى كنت مدركاً الحقيقة التي عليها الإثنين وكونهما ، إستخلاصاً مميزاً لمعاني الإلتزام بالمبادئ والقيم والنزاهة الفارهة. 

لن يكسب الحوثيون شيئاً بالإبقاء على محمود ياسين ورفاقه في أقبية الأمن السياسي ، لكنهم - بالتأكيد - سيكسبون الكثير متى أطلقوا محمود ياسين ورفاقه ، وبما قد يدفعنا إلى الجزم أن ثمة ما يمكن الإتفاق عليه مع الحوثيين. 
أعلم تماماً ما سيتركه إطلاق محمود ياسين من أثر في المدينة التي لطالما عاشها محمود ياسين ورفاقه مروياتٍ وحكايات عامرة بالشغف .


ننتظر المبادرة من الحوثيين وبأمل من سيجد صوته صدى لدى المحافظ الشيخ / عبدالواحد صلاح
ومشرف الحوثيين الدكتور احمد الشامي
و( أبو حمزة ) نائب مدير جهاز الأمن السياسي. 
ربما يفعلها الحوثيون..... ربما

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً