الأحد 24 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
حمير علاية
ناصر.. نقطة الضوء التي فقدناها.
الساعة 23:56
حمير علاية

 

في مثل هذا اليوم 28 سبتمبر من العام 1970، عاش العالم العربي حالةً من اليتم الجماعي المحزن، وفيما كانت الجنازة المهيبة تتوسّط الموج البشري المتدفّق، يجوب شوارع القاهرة، كان صاحبها يرقد بسكينةٍ في كل قلب.

خمسٌ وأربعون سنةً على رحيل جمال عبدالناصر.. خمسٌ وأربعون سنةً على فقدان نقطة الضوء.

حين كان اليمنيون يحتفلون قبل يومين بعيدهم الوطني الكبير 26 سبتمبر، كانوا يحتفلون بناصر.. روح فجر سبتمبر، ونافخ الحياة في أوداجه التي تشحّطت لمدة سبع سنوات. وتشكّلت الدّولة اليمنية، دولة ناصر روحاً وعقيدةً وشكلاً وهياكل ومؤسسات.

احتفى اليمنيون، وحين كنت ألمح احتفالاً انتهازياً خفيّاً، يجوس خلال العيون اليمنية المكسورة بقدر إشراقة دمعتها بجلال الحدث، كان الأستاذ خالد الرويشان، يعلّق على حائطه صورةً مترفة الجمال، عميقة السرد التاريخي الذي لا يقبل التزييف والتجريف، لجمال والسلال، على عتبة باب من أبواب صنعاء القديمة. 

الحديث عن ناصر، حديث عن المرحلة الزاهية في تاريخ العرب الحديث، ليس على مستوى ازدهار الوجدان العربي بكينونته وتحدياته، سيّما في الحركات التحررية من الاستعمار فحسب، ولا على مستوى إنعاش الإنتاج، وإنشاء المصانع، وتغيير وسائل الإنتاج الاقتصادي عبر المشاريع العملاقة القومية فحسب، بل أيضاً، وعلى مستوى البنى الاجتماعية الخلاقة، إذ كان مشروع ناصر الشامل قد أحدث تحوّلاً جوهرياً فكرياً وثقافياً، طال الحياة، في أكثر مناطقها حساسيةً وأهمية.. الوعي.

حين سأل الكاتب سامي غالب عبدالله البردّوني عن سبب تخليد الأخير ناصر في شعره، كوحيد هذه الهبة النّادرة، أجاب البردّوني: "كان زعيماً بكل المقاييس، وكان شعبياً بكل المقاييس، وكان ثورياً بكل المقاييس، لأنه كان أكبر من مرحلته(..) كان عبدالناصر قوةً ثقافيةً، علاوةً على كونه قوةً سياسية".

حمل ناصر أحلام الكادحين والمطحونين، وطموحات العرب من طنجة حتى المنامة، وكانت البداية من العام 1952، وللمناسبة، فتلك الحركة، كانت انقلاباً عسكرياً مخططاً وكاملاً. تقول تحيّة كاظم زوجة ناصر" لم أعلم ما الذي حدث إلا في ذلك اليوم، كغيري من أفراد الشعب، الذين أفاقوا على إعلان الحركة".

"الحركة المباركة" أو "حركة الضباط الأحرار".. لكنّ استشراف التحوّل العميق الذي طال الوعي الجمعي فيما بعد، وبالتالي تشكّلت طرائق عدة للتفكير والإبداع ضمن النطاق الوطني، انتحى بها إلى اسم "ثورة"، وبإيعاز النخبة التنويرية آنذاك، يتقدّمها طه حسين، وهنا فقط، يكون لاسم الثورة معناه وقيمته، فالثورة بمشروعها وما تنجز، لا بما تقول.

ما يزال ناصر هو ذلك الحلم الجميل الذي علِق على أهداب الذاكرة، والشعور المتجذّر بالأرض والهوية، الذي ركض في دمائنا، وما زلنا نردّد بفتون الماضي وفتوّة اللحظة " ناصر.. نقطة الضوء التي فقدناها"!

لا أتذكر شاعراً لم يخلّد ناصر في شعره، مديحاً أو رثاءً.
وكان الذي أوتي مجامع اليمن، عبدالله البردّوني حاضراً، يحمل ضمير اليمن، مستقبلا عبدالناصر في زيارته إلى صنعاء عام 1964، ومدوِّناً السطر الأكثر إشراقاً في تاريخ اليمن:

يا لصوص العروش عيبوا " جمالا " .. واخجلوا أنّكم قصرتم و طالا
فسقطّتم على الوحول ذباباً .. و سما يعبر الشموس مجالا
و اكتلمتم نقصا وزاد كمالاً .. و مدى النقص أن يعيب الكمالا
فبنى أمّة وشدتم عروشا .. خائنات تبارك القتالا
و قصوراً من الخنا مثقلات .. بالخطايا كالعاهرات الحبالى
فسلوا عنكم اللّيالي السكارى .. و الحسان المدلّلات الكسالى
و ضياع الحمى و ما لست أدري .. و دنايا شتّى عراضا طوالا
لا تضيقوا فإنّ للشرف العالي .. رجالا و للدنايا رجالا
لا تضيفوا "إنّ العروبه تدري .. من " جمال " و تعرف " السلالا "
بطل الثائرين وافى أخاه .. و البطولات تجمع الأبطالا
أخوان تلاقيا فاشرأبّت " .. وحده "ك العرب تنحر الإنفصالا
فاهتفي يا حياة إنّا اتّّحدنا .. في طريق المنى وزدنا اتّصالا
و التقى " النيل " و السعيدة جسما .. صافحت كفّه اليمين الشمالا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص