الأحد 24 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
عماد زيد
جيبوتي!!
الساعة 23:25
عماد زيد


كقطعة بلاستيكية أُحرِقت وأُجبِرتَ على الإمساك بها بكلتا يديك..
هكذا فصول حرّها وحريقها.
وكأرضٍ أشبه بصفيحة معدنية ساخنة أجبرت على تجاوزها حافي القدمين.
هي أرض أفريقية كغيرها من بلدان أفريقيا تعلمك كيف أن هؤلاء الناس أشد جلد من شمس أشتد قربها منهم فاشتدت سواعدهم في مواجهتها.. وكأنما نحن في ( جولة أرادة) السواعد السمراء هي من ترتفع أخيراً معلنةً النصر أمام تجهم الطبيعة.

هنا تركب في باص سبعيني تعتلي اعتمالات محركه صوت الموسيقى الأفريقية التي لا تمتلك أمامها سوى التسليم كريشة تهدها نسائم لطيفة.. أو كقوى خارقة تسري في جسدك لترتفع معها في خيالات لا تحدثها سوى موسيقى أفريقيا وأديم البحر الميت في الأردن.
جيبوتي كغيرها من دول العالم الثالث تحتاج فرصة حقيقية للاستثمار.. تحتاج أكثر من كونها محطة عبور. 

هنا سواعد سمراء صلبة بحاجة إلى تحريكها في عجلة تنموية تدفع بهذا البلد إلى التقدم ولو خطوات بطيئة.. هي قادرة على التزين والجاذبية إن منحت يد المساعدة لذلك. 
من الأشياء الجميلة فيها القانون.. هنا إرادة القانون تجعل أصحاب النزعات السلوكية الشاذة عن النظم تفكر كثيراً قبل إقدامها على أمر مخالف.

أخبرتني بذلك موظفة كبيرة في ميناء جيبوتي اسمها (الحسناء) قبل إعطائي التأشيرة بأن جيبوتي بلد قانون وهذا ما تأكدت منه مؤخراً.. فضلاً عن رؤيتي لسفن تجارية عملاقة تملئ ميناء جيبوتي وسفن كتلك لا تأتي إلا في ظل نظام أمني قوي.

قبل وصولي كان هناك منطقة يسمونها (أوبخ).. ترسي فيه المراكب الصغيرة القادمة من اليمن لمطابقة الجوازات.. والتأكد من الأشخاص الذين يمتلكون معاملات.. غير أن ما أثار حنقي ضابط هناك باثنين مرافقين ينزلون بعض الركاب والعوائل بحجة أن أوراقهم ناقصة والغاية من ذلك ربما لتدوين أسمائهم في كشوفات النازحين بغية الحصول على مساعدة أكثر.. غير أن أحد من تم تأخيرهم في هذه المنطقة (أوبخ) كان له رأيه بأنهم يحتجزونهم ليوم أو يومين بغية تحريك العمل في فندق هناك نتيجة رداءة الخدمات في المخيم.. مما يضطر البعض إلى سرعة الحجز في فندق وحيد.

وما أن يأتِ مركب آخر قادم من ميناء المخأ بعد يوم أو يومين من احتجازهم حتى يتم السماح لهم بالتوجه إلى جيبوتي.. لذا ترى المراكب القادمة إلى أوبخ لا تمر إلا وقد أخذت معها بعض المحتجزين في مقابل العدد الذي يتم إنزاله تقريباً وهكذا.. هذه المعلومة سمعتها ولم أتأكد منها بعد.. غير أني تأكدت من حقيقة الحجز وكان أمام ناظري.. وقد أخبرت أحدهم أن ينسق لي مقابلة مع محافظ أوبخ.. وقد أخبر أخيه بأن أحدهم يريد مقابلته حول أسباب احتجاز بعض اليمنيين في أوبخ.. فرد الأخ بأن بعضهم لا يمتلكون أوراق كافيه.. وبعضهم لا يمتلكون معاملات إلى دول أخرى فبالتالي يحتجزون في مخيمات للنزوح.
هكذا تبقى الحقيقة دائماً بحاجة إلى تحري أكثر وبذل جهد للوصول إليها.

رجوعاً إلى جيبوتي _ وإلى أناسها الذين يعيشون حياة بسيطة أكثر ما نقول عنها بأنهم يحتاجون إلى مزيد من خدمات أساسية حريٌ بالدول الغنية إنشاء مشاريع فيها كي تتشابك الأياد السمراء مع الملونة مع البيضاء لبناء هذا البلد_ فأن الزائر فيها يجد العزلة التي تعيشها أفريقيا.. كأنما اقتصرت كأميرات الدول المتقدمة على ملامح الطبيعة في أفريقيا والحديث عن نمورها والحيوانات المنقرضة فيها.

لا أعلم ماذا أكتب عن بلد لم أفهم من لغته سوى كلمة ( أوووووب أوووووب) والتي تعني بأن على صاحب الحافلة أن يقف لإنزال أحد الركاب.. ستظل الموسيقى تعزف وسيتداخل معها صوت الشخص المسؤول عن أخذ الأجرة من الركاب أثناء طرق يده بقوة على الجزء الأعلى من باب الحافلة في إشارة إلى طلب راكب النزول.

لذا سأنزل من الحافلة معتبراً هذا المقال جزء مما سأكتبه عنها.. لكنني سأحتفظ بجميل أن هذا البلد استقبل بعض اليمنيين النازحين من الحرب في الوقت الذي نأت الكثير من البلدان عن استقبالهم. 
في الأخير أود أن أشير إلى أن لحظة وصولك إلى ميناء جيبوتي تشعرك بأهمية أن تكون سفارة بلدك حاضرة عن طريق أحد موظفيها لتسهيل الحصول على تأشيرة الخروج والتي يتطلب أمر الحصول عليها ورقة حجز فندقي أو شقه..

والمعتاد أن المتواجدين هناك موظفي السفارة الأمريكية فقط لاستقبال رعاياهم وتدليلهم بكامل اللياقة والأخلاق لتدرك حينها أن دول العالم الثالث لا زالت متأخرة عن احترام آدمية الإنسان وحقه في استشعار أنه محل اعتبار.

(ملاحظة).. الجو قرّب يعتدل ونحن في منتصف شهر تسعه.

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص