الاثنين 18 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الجمعة 15 نوفمبر 2024
إلى متى سيظل الاقتصاد اليمني محكوم بالصدمات ؟؟
الساعة 00:10 (الرأي برس/ ملف خاص- نبيل الشرعبي)

يجد المتتبع لمراحل نشوء الاقتصاد اليمني، أنه كان وما زال اقتصاد محكوم بالصدمات التي شكلت تهديدا كبيرا، خاصة بعد تردي الأوضع الأمنية التي تلتأحداث ما بعد عام 2011 نتيجة هروب رؤوس الاموال وتراجع النشاط التجاري والصناعي.
إضافة إلى تدهور القطاع الاستثماري في بلد مزقته الانتماءات والولاءات الضيقة بعيدا عن الوطن الام ما ادى الى اضعاف الاقتصاد بشكل عام وانهاك ميزانياته السنوية بشكل كبير.

عائق للتقدم
وهكذا فإن المتتبع لواقع الاقتصاد اليمني يدرك تماما انه على المحك في ظل الأزمات وغياب الاستقرار الأمني الذي يعانيه وهو ما شكل عائقا حقيقيا امام أي تقدم للحركة الاقتصادية والتنمية.
 اضف إلى ذلك أن البيئة الاقتصادية في اليمن تشكل عاملا طاردا للاستثمارات الأجنبية والمحلية، جراء تطور الصراعات التي غدت تمثل عامل طرد لرؤوس الأموال سواءَ المحلية أو الأجنبية.
وفي وضع يوصف بالأخطر في تاريخ اقتصاد منهك حتى الوقت الراهن، صارت التحذيرات تتصاعد محذرة من كارثة إنزلاق هذا الاقتصاد، والوصول إلى مرحلة العجز التام، زادت حدة التحذيرات والتأكيد على دخول هذا الاقتصاد مرحلة الموت السريري.
 ففي شباط/ فبراير العام الحالي حذر تقرير لمنظمة اليونيسيف التابعة للأمم المتحدة من أن الاقتصاد اليمني أصبح على حافة الانهيار، وأن نسبة من هم تحت خط الفقر بلغت 60% من عدد سكان البلاد البالغ 26 مليونًا، محذرة من تعاظم نسبة الفقر الذي يهدد حياة الكثير من اليمني.
أيضا ًفي شباط /فبراير من العام الماضي 2014، أظهر تقرير للبنك المركزي اليمني أن دخل البلاد من صادرات النفط تراجع 37% عن العام الذي قبله بما يعادل 1.67 مليار دولار، في حين أنفقت الحكومة 2.2 مليار دولار على واردات الوقود لتغطية النقص.

مراحل كارثية
وشهد الاقتصاد اليمني خلال الأربعة سنوات الماضية مراحل كارثية أتت على الأخضر واليابس، فبعدما شهد الاقتصاد خلال العشر السنوات الأولى من الألفية الثالثة تحسنا نسبيا بطيئاً وصل فيه معدل النمو الاقتصادي في بعض الأحيان الـ 4%.
ومنذ بداية الأزمة السياسية الحالية في بداية العام 2011، حيث وصل الدين العام في حينها إلى 5.7 مليار دولار وحجم الاحتياطي العام من النقد الأجنبي إلى ما يقارب الـ 8 مليار دولار.
 كما أنه كانت هناك التزامات للمانحين بتقديم 7 مليار دولار مشروطة بتقديم برامج تنموية تستوعب تلك المنح، حرص النظام السابق أن يفاقم ذلك الوضع من خلال عدم قدرته على تقديم رؤية استراتيجية واضحة لمشاريع تنموية تستوعب المنح المقدمة، مما جعل المانحون في حالة شك كبيرة من عدم جدية الطرف اليمني في التعاطي مع المنح المقدمة.
أضف إلى ذلك بأنه على الرغم من حجم المشاريع الاستثمارية الواعدة التي كانت حينها محط انظار الكثير من المستثمرين الدوليين، والتي كان من المزمع ان يصل رأس مالها المبدئي لأكثر من عشر مليار دولار، الا أنها واجهت مشاكل وامور بيروقراطية عدة أرغمت المستثمرين عن الأحجام عن ضخ أموالهم في مشاريع أراد البعض ان يكونوا شركاء فيها دون أدنى حق.
 علاوة على أنه كان لصفقات النفط والغاز المشبوهة والشركات الاستثمارية التي كان من المقرر أن تعمل على تشغيل المنطقة الحرة بعدن أبلغ الأثر في غياب الثقة بالطرف الوطني، كونه يعمد دوماً على وضع العراقيل للحصول على مكاسب شخصية بحته.
أيضا من تلك العوامل هو أنه خلال الشهور الأربعة الأولي من احداث فبراير 2011، عمد النظام السابق على السحب غير المسؤول من الاحتياطي العام من النقد الأجنبي، مستنزفا ما يقارب الثلاثة مليارات دولار لتغطية فعاليته المتمثلة بدعم مناصريه وشراء المزيد من اسلحة قمع المتظاهرين.

ضربات موجعة
 وما أن لاحت بوادر الانفراج بتسليم السلطة إلى الحكومة الانتقالية واستلام الرئيس عبدربه منصور هادي مقاليد الحكم، حتى بدأت الضربات الموجعة في جسد الاقتصاد اليمني تشتد بقوة تارة بضرب خطوط الكهرباء، وتفجير أنابيب النفط وغيرها من الأعمال الإرهابية والتي خطط لها بالأساس لأفشال حكومة الوفاق بشكلها العام.
وبذاك شل ما تبقى من معالم اقتصاد متهالك، للأثبات للشعب اليمني انهم كانوا احسن حالاً قبل ذلك وهذا هو جزاء من يتطاول في الانقلاب على الحاكم.
 وتتوالي الأزمات تباعاً بالمرور بالبلاد في مأزق ونكبات أتت على ما تبقى من معالم الاقتصاد المتهالك، حتى توقفت عجلة التنمية في غالبية مشاريع الدولة وتعثرها، ورحيل رأس المال الأجنبي في معظم القطاعات، وزيادة معدلات التضخم إلى 20% وارتفاع معدلات البطالة إلى أرقام قياسية لم تشهدها البلاد من قبل والنمو الاقتصادي السلبي العام إلى ما دون -10%.
 والمثير للتساؤل أن هذا يحدث والبلاد تعيش حالة من الغليان السياسي غير المسؤول، إما نتيجة مكايدات سياسية أو لتحقيق مكاسب على الأرض أو للحصول على ميزات تنافسية أكثر تؤهل فريق بعينه لقيادة دفة البلاد، بغض النظر عما أذا كانت تلك القوى تملك الأدوات والشروط المؤهلة لذلك أم لا.

الاقتصاد الأضعف
ويعد اليمن من اضعف الدول النامية اقتصاديا ويعد اقتصاده الأضعف في شبه الجزيرة العربية وتشكل المساعدات والمعونات الدولية مصدرا اساسيا لرفد الاقتصاد اليمني رغم توافر الموارد الطبيعية الا ان غياب الاستثمارات وانتشار افة الفساد حال ان تستفيد البلاد من هذه الثروات.
كما يمثل الفقر في اليمن مشكلة مزمنة ومتفاقمة، وصاريتطلب اليمن 11.9 مليار دولار لمعالجة مشاكله الاقتصادية الملحة، وفي مقدمتها مشكلة الفقر التي بلغت مستويات قياسية في الوقت الذي تتعثر به جميع المشاريع الإنسانية بسبب بطء تمويل خطة الاستجابة الإنسانية.
 ويعد اليمن بتعداد سكانه الكبير- وفقاً للبنك الدولي- من الدول الأشد فقراً في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث يعيش نحو44 في المئة من السكان تحت حاجز الفقر، وتتجاوز نسبة البطالة بينهم 35 في المئة. 
وتؤكد بعض المصادر أن نسبة الفقر تصل إلى 53 في المئة، كما ترفعها مصادر أخرى إلى 70 في المئة، في حين يصل معدل البطالة بين الشباب إلى 60 في المئة، مما يشير إلى أن البلد سيحتاج إلى سنين طويلة لإصلاح أزماته الاجتماعية والاقتصادية.
 ووفقاَ لأراء خبراء وتقارير دولية، يعاني الاقتصاد اليمني منذ زمن بعيد سوء توزيع بالثروة وهو ما اسهم في تراجع مستوى المعيشة لدى الافراد وانتشار الفقر والبطالة ناهيك عن المجاعات المنتشرة في مناطق متفرقة على امتداد البلاد.
وتشير الإحصاءات الحكومية إلى ان الوضع الأمني المتدهور ادى إلى خسائر في الاقتصاد والموازنة العامة حيث قدرت هذه الخسائر بنحو 7 مليارات دولار، وقد ارجع الخبراء ذلك للاعتداءات المستمرة على البنى التحتية والمرافق الحيوية مثل خطوط أنابيب النفط الرئيسة وشبكات الكهرباء، بين عامي 2012 و2014، كما أصابت الخسائر شركات القطاع الخاص.
واحتلت اليمن المرتبة الـ154 من بين 185 دولة في تقرير التنمية البشرية لعام الصادر عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة 2014، منخفضة من المرتبة الـ160 التي احتلتها في العام 2013، ووضعت الأمم المتحدة اليمن بالمستوى المنخفض في التنمية البشرية.
وتشير تقارير صادرة عن الأمم المتحدة إلى أن نحو 44 في المئة من اليمنيين يعانون الجوع من إجمالي سكان اليمن، ويتجه الكثير منهم نحو التسول لإنقاذ حياة أطفالهم. حيث يشير 
وتكشف تقارير رسمية يمنية، أن عدد المتسولين في اليمن بلغ 1.5 مليون متسول حتى عام 2010، فيما يحصل نصف سكان اليمن على الغذاء اليومي "ديناً".
 فيما يحتاج نحو 13.1 مليون مواطن إلى مساعدات إنسانية عاجلة ولا يحصل 6.4 ملايين يمني على الرعاية الصحية الكافية؛ بسبب الفقر الذي زادت معدلاته بسبب تراكمات النظام الفاسد الذي تعمد إفقار الشعب واستنزاف خزينة الدولة ونهبها.
وبهذا غدا اليوم اليمن البلد الذي يصنف بانه الافقر في منطقة الجزيرة العربية واقتصاده يسير في نفق مظلم سيخلق كوارث وتشويه للاقتصاد وتدمير للمقدرات الاقتصادية بشكل يصعب معالجته.
وأدت هذه الأزمة إلى تراجع المانحين عن تقديم المساعدات والإيفاء بالتعهدات في ظل ضبابية الوضع الأمني والسياسي في البلاد وكان اخرها اعلان البنك الدولي تجميد عملياته في البلاد والبالغة قيمتها 900 مليون دولار.

نتائج بائسة
وللعلم كان قد ختم الاقتصاد اليمني عام 2014، بنتائج اقتصادية بائسة، وصفت بالأقسى على اليمنيين، عززه تدهور الأوضاع الأمنية والسياسية، مما ساهم في ضعف أنشطة القطاعات الإنتاجية كافة، الأمر الذي جعل المشهد الاقتصادي قاتماً ويتصف بالسلبية أكثر من أي وقت مضى.
وقدر الجهاز المركزي للإحصاء معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي لعام 2014 بنسبة 2.82 في المئة، ودفع هذا النمو الضعيف قيمة الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لعام 2014 إلى الانخفاض عن مستواه في عام 2010 بما نسبته 9.1 في المائة.
هذا ويشهد قطاع النفط في اليمن تراجعاً كبيراً؛ بسبب الوضع الأمني وسوء صيانة البنى التحتية وتراجع الاستثمارات في التنقيب.
وتؤكد الإحصائيات الحديثة أن احتياطي اليمن من النفط والغاز زاد بشكل كبير إذ يبلغ احتياطي النفط في اليمن 10.4- 12 مليار برميل، أما احتياطي الغاز فيبلغ 18.2 تريليون قدم مكعب.
 في حين يبلغ الإنتاج الحالي من النفط نحو 328 ألف برميل يومياً فقط، انخفض إثر التفجيرات المستمرة لخطوط التصدير، ويساهم النفط بنسبة تصل إلى 30 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، وأكثر من 75 في المئة من ميزانية الحكومة.
ووفقاً لأحدث البيانات الرسمية، تقدر خسارة اليمن جراء هبوط أسعار النفط من 115 دولاراً للبرميل إلى 60 دولاراً بنحو 5 مليارات دولار؛ أي نحو 50 في المئة من العائدات، مما يشكل خطورة ليس على عائدات الخزينة العامة من الموارد والعملات الأجنبية بل والأوضاع الاقتصادية في البلاد.
وزاد من حدة الوضع ان وصلت الديون الخارجية لليمن إلى 7.255 مليارات دولار وفقاً لتصريحات أدلى بها مسؤولو البنك المركزي اليمني.
وحسب أحدث تقرير للتنافسية العالمي، جاءت اليمن في المرتبة الـ142 في؛ أي قبل دولتين من المرتبة الأخيرة فقط من الدول التي شملها مسح المنتدى الاقتصادي وشمل 144 دولة.
وتشير آخر دراسة لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية إلى أن شح التمويلات الخارجية سيتسبب في استمرار تأثر مايزيد على 10.5 مليون مواطن يمني بانعدام الأمن الغذائي.
 وسيصاب نحو 850 ألف طفل تحت سن الخامسة بسوء التعذية الحاد وأكثر من 8.4 مليون فقير من الرعاية الصحية الأساسية ونحو 13 مليونا آخرين من مياه الشرب وخدمات الصرف الصحي.
وفوق كل ماذكر من مشاكل تواجه الاقتصاد اليمني تؤثر الاضطرابات على المنطقة المحيطة والتدخلات الاقليمية في اليمن، وما يزيد الاوضاع تعقيدا هو التخوف من تأثر مضيق باب المندب، وهو ممر مائي يصل البحر الأحمر بالمحيط الهندي ويعد منفذا أساسيا لقناة السويس وممرا مهم لشتى دول العالم، وهو الامر الذي قد يلهب المنطقة بصراع طويل وربما يرتقي الى المواجهة العسكرية.

ناقوس الخطر
وتدق المنظمات الدولية ناقوس الخطر بأن هناك ما يزيد عن 16 مليون يمني بحاجة للمساعدات الغذائية ( أي ما يقارب 500 مليون دولار شهريا)، ومثل هذا المبلغ لتغطية بقية هذه الخدمات الضرورية للصحة والطاقة والمياه وغيرها.
ويحدث هذا كله، والفرقاء السياسيين في حشد وتعبئة عامة للحرب (لإعادة أمجاد داحس والغبراء) وكل يستنجد بقوى إقليمية تسانده، وكأنها الخلاص لمشاكله وأن بيدها العصا السحرية لحل مشاكله.
وفي ظل هكذا وضع بات يقترب اليمن من شفا الكارثة الاقتصادية بسبب الصراعات الداخلية الدائرة بين فئات الشعب اليمني والدعم الخارجي لتأجيج هذه الصراعات والحروب، ما أوقع البلاد في قبضة الفساد والجهل والجوع والمرض.
 وصار يعيش أكثر من نصف الشعب اليمني تحت خط الفقر المدقع، بل ضرب الجوع أطنابه في طول البلاد وعرضها، رغم ما حبا الله به اليمن من ثروات وخيرات واحتياطات من النفط والغاز.

جهود للانقاذ
وعلى ما تقدم لابد من بذل جهود حثيثة لانقاذ الاقتصاد اليمني من السقوط في الهاوية ويمكن ان يكون ذلك عبر وضع حد للانفلات الامني والصراع الذي بدأ يأخذ طابع الحرب الاهلية.
 وكذلك لابد أن يمتلك اليمن خطة متينة ومدروسة للبناء والسير في دروب التنمية، وهو ما يأمل الكثير من المراقبين ان تحققه عمليات “عاصفة الحزم” التي تقودها المملكة العربية السعودية بمشاركة عدد من الدول العربية.
وصار اليمن اليوم يقف على مفترق طرق فيما يتعلق بالاوضاع الاقتصادية والسياسية ويجب ان لايغفل العالم وخصوصا دول الجوار اليمني اهمية الوضع في البلاد.
 لان استمرار الوضع على ماهو عليه قد يقود البلاد الى انهيار اقتصادي مرعب وبالتالي تكون الاراضي اليمنية بيئة خصبة للجماعات المتطرفة والارهابية نتيجة الفقر والبطالة.

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص