الاثنين 18 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الجمعة 15 نوفمبر 2024
اليمن أنموذجاً: الصراع السياسي على السلطة والثروة سيزداد حدة مولداً عنفا مجتمعيا واحترابا مذهبيا
الساعة 19:24 (الرأي برس/ خاص- قاسم حسين صالح)

 

الصراعات والنّزاعات المسلحة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، تفتح المجال شاسعا أمام سؤال محوري ظلت الإجابة عليه إلى حدود الآن مُبهمة، مفاده؛ متى ستشهد المنطقة انفراجا يذكر؟، وعلى الرغم من أنّ بعض تقارير المؤسسات الدولية والخارجية والمخابرات الأميركية، تفيد بأنّ معالم مستقبل المنطقة ستتبيّن بعد سنتين من الآن إلاّ أنّ تناول المسألة من منظور علم النفس والاجتماع السياسي يشير من جهته إلى أنّ تلك الوضعية التي تتسم بالفوضى ستزداد حدة، وأنه ليس بإمكان أحد تحديد مسار الشرق الأوسط، غير شعوبه إن تعبت من سفك الدماء.

يستند تحليلنا هذا بخصوص اتجاهات الأحداث في العالم العربي إلى ثلاثة تقارير عالمية صادرة عن جهات تخصصية تعتمد على مصادر علمية ودوريات متخصصة وتقارير دولية ومحلية، هي: مؤشر السلام العالمي لمعهد الاقتصاد والسلام الدولي Global Peace Index 2014، وأطلس المخاطر السياسية لعام 2014 لمؤسسة Maple croft، ومؤشر الدول الهشة لعام 2014 لصندوق السلام Fragile States Index، وتتفق هذه التقارير على أن “الأسوأ قد حصل فعلا” وأن الشرق الأوسط بشكل عام، والعالم العربي بشكل خاص، أصبح المنطقة الأكثر عنفا سياسيا والأشد خطرا والأقل سلما واستقرارا على صعيد العالم. وتتفق أيضا على أن المنطقة سوف تستمر، لزمن غير منظور، في انتزاع مرتبة أقل مناطق العالم سلما بعد موجات العنف المتصاعدة والاقتتال الداخلي، وتخلص هذه التقارير إلى أن مقارنة أوضاع دول منطقة الشرق الأوسط وبقية الأوضاع في العالم، تشير إلى أن المنطقة باتت أكثر خطرا وأقل سلما وأقل استقرارا عن مناطق كانت تحتل هذه المرتبة المخيفة مثل أفريقيا جنوب الصحراء وجنوب آسيا على وجه الخصوص.

يحدّد مؤشر السلام العالمي، الذي يصدره معهد الاقتصاد والسلام العالمي في أستراليا، الدول “الأقل سلمية” في المنطقة، وهي: سوريا والعراق والسودان وإيران وليبيا واليمن ومصر ولبنان وإسرائيل… بوصفها المناطق الأكثر خطرا في العالم، مستندا في ذلك إلى عشرة مؤشرات خاصة بأمن وسلامة المجتمع، منها: معدلات الجريمة والنشاط الإرهابي والتظاهرات العنيفة والعلاقات مع الدول المجاورة واستقرار الوضع السياسي والإنفاق العسكري من الناتج المحلي الإجمالي، ومؤشرات أخرى تخص الوفيات الناتجة عن جرائم القتل والنزاعات المسلحة والنزاعات داخل الدولة.

ويعزو تقرير مؤشر السلام العالمي أسباب تراجع معدّلات السلم إلى موجة العولمة التي نبّهت الأقليات إلى ضرورة حصولها على ما حرمت منه من مكاسب لم تتمتع بها في دول الشرق الأوسط، ودور وسائل الاتصال الجماهيري والإنترنت التي عززت مطالب شرائح واسعة من مواطنين كانت تقابل بتجاهل الحكومات العربية بشكل خاص، وتداعيات ما بعد “ثورات الربيع العربي” التي خيّبت آمال الناس وجاءت بنتائج عكسية. وتشير تشارليت انغام، محللة المخاطر السياسية بمؤسسة “مابلكروفت” إلى تصاعد العنف الاجتماعي والصراع السياسي في دول “الثورات العربية” التي ما تزال تلقي بظلالها على المنطقة، بعد أن حولت الشرق الأوسط إلى أكثر مناطق العالم خطورة في عام 2013 والربع الأول من عام 2014؛ فبعد أن كانت سوريا تحتل المرتبة 69 عالميا على مؤشر المخاطر السياسية في عام 2010، صارت تحتل المرتبة الأولى في عام 2014، وترتيبها لا يعكس فقط حجم وحدّة الصراع الذي أودى بحياة ما يزيد عن 150 ألف ضحية إلى غاية شهر مارس 2014، بل يعكس أيضا التفكّك الذي حصل لمكونات المجتمع السوري.

ولا تعنينا هنا الأرقام التي صار ذكرها نوعا من التكرار بقدر ما يعنينا ما يحصل للمجتمع والدولة والاقتصاد من تغيّرات ستتحكم بمسار الأحداث في الشرق الأوسط، فالذي يتمعن في نتائج هذه التقارير العالمية الرصينة يخلص إلى أن (الدولة) أصبحت عاجزة عن القيام بوظائفها الأساسية، وأن محاولات إعادة بناء الدولة في معظم دول الثورات العربية أضحت متعثرة، وأن هيبتها أو مكانتها قد تعرضت لتصدّع في عدد من الدول العربية (سوريا، العراق، اليمن، ليبيا، بشكل خاص)، وأن العلاقة بين الدولة والمجتمع قد تخلخلت، فيما أحدث الصراع السياسي على السلطة والثروة عنفا مجتمعيا واحترابا مذهبيا ودينيا وعشائريا بين المكونات الاجتماعية.

ونشير من جانبنا، وهذا ما لم تتطرق إليه التقارير الدولية الثلاثة، إلى أن المجتمعات العربية تتحكم بها العصبية القبلية وعصبيات أخرى بعضها على شكل تحالفات قبلية توحدها قيم دينية، وأخرى تحالفات تمثل شلة سياسية أدت إلى ظهور (دويلات) عرقية أو طائفية أو تنظيمات دينية متطرفة، كما هو الحال في لبنان وسوريا والعراق، بأحزابه الدينية التي صار لكل واحد منها ميليشيا أو تنظيم مسلح، تفضي كلها بالنتيجة إلى قوة الولاءات للهويات الفرعية على حساب الولاء السياسي للدولة وهوية المواطنة، كما استطاعت القبيلة أن تقف بوجه الدولة لاسيما في الأنظمة القمعية البوليسية التي يهيمن عليها حزب واحد كما هو الحال في السودان وسوريا، ما يعني أن معظم دول الإقليم العربية، التي دفعها فشلها في تأمين حياة كريمة للمواطن وتحقيق أهداف تنموية اجتماعية، اعتمدت على دول خارجية تمنحها الشرعية مقابل تحقيقها مصالح اقتصادية واستراتيجية. وكشف تقرير مؤشر الدولة الهشة، الصادر في يوليو 2014 وتقرير صندوق السلام، الصادر عن منظمة أميركية تعنى بمنع النزاعات، بالتعاون مع مجلة فورين بوليسي (السياسة الخارجية)، عن أن غالبية دول الشرق الأوسط تدخل ضمن فئة الدول الهشة التي تعاني من: اضطرابات سياسية وأمنية ومجتمعية، واستمرارية أوضاعها المتدهورة، وعدم حصول المواطن فيها على كامل حقوقه، فضلا عن استمرار معاناته وفقره، لاسيما في العراق واليمن وسوريا والسودان، واللافت أن تقرير صندوق السلام وصف العراق بأنه ما يزال في دائرة الخطر والفشل في ظل ما يعيشه من أحداث أمنية خطيرة وغياب حكم القانون والنزوح السكاني وهجرة العقول البشرية.

ومن جانب آخر، كشفت التقارير الدولية الثلاثة عن تراجع الثقة الاقتصادية في الشرق الأوسط، باستثناء دول مجلس التعاون الخليجي، استمرت منطقة الشرق الأوسط في تحقيق مؤشرات منخفضة للثقة الاقتصادية، ما يعني أن مواطني هذه الدول غير راضين عن واقعهم المعيشي، وأنهم لا يثقون بأوضاع بلدانهم الاقتصادية في الحاضر وفي المستقبل، فضلا عن أن هذه البلدان أصبحت أقل جذبا للاستثمارات لانعدام الأمن الاقتصادي فيها.

علما أن هذه التقارير أعدّت قبل الانخفاض السريع وغير المتوقع لأسعار النفط، حيث وصل سعر البرميل إلى أقل من ستين دولارا مطلع العام الجديد، 2015، وقد يصل إلى ما دون الأربعين في غضون ثلاثة أشهر، ويخلص تقرير مؤشر الدول الهشة إلى أن غالبية دول الشرق الأوسط تأتي في مقدمة الدول التي تتجه نحو مزيد من عدم الاستقرار، خصوصا في سوريا والعراق واليمن ولبنان.

ومع رصانة هذه التقارير في تحليلاتها السياسية والاقتصادية، فإنه يؤخذ عليها أنها أغفلت العامل السيكولوجي، لاسيما العقل الجمعي للشعوب العربية، المشحون بالماضوية الذي كنّا وصفناه بأنه (مخدّر وخالق أوهام ومثير للفتنة). ولم يلتفت معدّو هذه التقارير، وغالبيتهم المطلقة أجانب، إلى أن “التعصّب” القبلي والعرقي والمذهبي الطائفي بين مكونات المجتمعات العربية له الدور الأكبر في النزاعات المجتمعية، وفي الصراع بينها وبين حكومات هذه الشعوب.

لهذا، فنحن لسنا مع توقّع تلك التقارير بأن مستقبل الشرق الأوسط ستتبيّن معالمه بعد سنتين من الآن، فيما توقُّعنا القائم على منظور علم النفس والاجتماع السياسي، يشير إلى أن النزاعات والصراعات في الشرق الأوسط ستزداد حدة، وأنه ليس بإمكان هذه المؤسسات ولا الخارجية والمخابرات الأميركية تحديد مسار الشرق الأوسط.. إلى أين؟ إلى أن تتعب هذه الشعوب من نزف الدماء.. ويقوى تيار وعي يأتي بحكومات تعيد بناء دولة المواطنة والمؤسسات المدنية.. وهذا يحتاج إلى زمن يزيد عن المدة التي توقعوها بسنين.

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص