الثلاثاء 01 اكتوبر 2024 آخر تحديث: الثلاثاء 1 اكتوبر 2024
ليبيا.. حكومات متعددة وبرلمان منقسم ومستقبل مجهول
خريطة توضح الوضع في ليبيا
الساعة 00:57 (الرأي برس - إلهام محمد علي)

كان الشعب الليبي يحلم بمستقبل أفضل عندما ثار  في السابع عشر من شهر فبراير2011 ، ضد الرئيس الراحل معمر القذافي، لكن المتغيرات على الواقع حطمت تلك الأحلام، وغدا الليبيون اليوم  في بلد ينقسم إلى حكومات وبرلمان متعددة ، منهم في الشرق وآخرون في الغرب.

انقسام وفوضى

بعد إسقاط نظام القذافي بدعم دولي لإنهائه منذ ثلاث سنوات، انقسم الداخل الليبي بعد فترة فوضى عارمة لقسمين مباشرين، قسم الدولة “المفترضة” بحكومتها الانتقالية وتمثيلها الدبلوماسي وتحالفاتها الداخلية القبلية والدولية، وقسم الجماعات المسلحة التي لا يجمعها ضابط من أي نوع وتعمل وفقًا لأهداف وغايات مختلفة.

الجماعات المسلحة خارج سيطرة الدولة تمامًا وتحكم فعليًا مناطق صراع بسيطرة تامة منها في ليبيا، وهي ثلاثة أنواع: أولاً: الجماعات المكانية التي تتبع لمدينة ما أو قبيلة ما.

ثانياً: الجماعات الفكرية والتي تنطلق من خلفية عقائدية أو أيديولوجية معينة.

ثالثاً: جماعات أخرى بنسبة أقل تتبع أشخاصًا معينين لهم نفوذ داخلي في ليبيا.

ويوجد الآن في ليبيا 23 كيانًا مسلحًا ، منهم أحد عشر كيانًا مع المؤتمر الوطني العام “حكومة طرابلس التي يرأسها عمر الحاسي” أهمهم (قوات فجر ليبيا، تنظيم أنصار الشريعة، ثوار مصراتة، كتيبة الفاروق، مجلس شورى ثوار بني غازي)، ومن هؤلاء من لا يدعم المؤتمر الوطني العام ،كتنظيم أنصار الشريعة مثلًا، ولكنه يقاتل قوات حفتر، واثنا عشر كيانًا مع مجلس النواب بمدينة طبرق وفيها رئيس الوزراء الليبي المعترف به دوليًا عبد الله الثني، وهي التي فيها قوات رئاسة الأركان التي يدعمها خليفة حفتر، الاسم الشهير المتهم بالانقلاب على شرعية ما بعد الثورة، والذي يدعمه النظام الحاكم في مصر بشكل غير مباشر.

من أهم من يقف مع مجلس نواب طبرق من الفصائل المسلحة (قوات رئاسة أركان الجيش، قوات حرس المنشآت النفطية، كتائب الزنتان، درع الغربية، صحوات المناطق، قوات الصاعقة، كتيبة حسن الجويفي، كتيبة محمد المقريف)، لكن السيطرة الأكبر على موارد البلاد ومقراتها ومدنها للمؤتمر الوطني العام بينما تتمركز حكومة الثني في أقصى شرق ليبيا في (طبرق)، المؤتمر الوطني العام يسيطر بلا اعتراف دولي، وتحالف الثني يقاتل باعتراف دولي ودعم من الجارة الأهم مصر.

داعش ليبيا

و دخلت على الساحة الليبية بجانب كل هؤلاء تنظيم الدولة الإسلامية المعروف باسم “داعش”، وهو التنظيم الوحيد الذي تتفق أغلب هذه الفصائل المتصارعة على أنه بات خطرًا واضحًا يتمدد في ليبيا بانتظام، بينما بايعه بعض أعضاء هذه التنظيمات مثل البعض من تنظيم “أنصار الشريعة”، وتوجد “داعش” في درنة على ساحل البحر المتوسط وبعض المناطق في بني غازي.

ويتضح مما ذكر أعلاه أن في ليبيا الآن حكومتين منفصلتين، إحداهما “حكومة المؤتمر الوطني العام” بقيادة عمر الحاسي والتي تدعمها تركيا وقطر، وأخرى وهي “حكومة البيضاء” بقيادة عبد الله الثني، التي تدعمها الإمارات ومصر قبل أن تنقل عملها لطبرق بعد أن خيرها تنظيم مجلس ثوار ليبيا بين مغادرة المدينة وبين القتل.

حرب بالوكالة

 وعلى جانب أخر، نشرت صحيفة “واشنطن بوست” في أكتوبر الماضي مقالًا بعنوان، (هل ليبيا حربٌ بالوكالة ؟)، تطرقت فيه لتشكيل التحالف الإقليمي الذي يحاول فرض السيطرة على المشهد الليبي المعقد والمتداخل بشدة، هذا التحالف يشكله ثلاثة لاعبين رئيسيين هم مصرو الإمارات و الجزائر.

مصر، وفي عهد ما بعد صعود عبد الفتاح السيسي للحكم؛ أصبحت تنظر إلى ليبيا على أنها خطر داهم يهدد مؤسسات وبنية الدولة المصرية بسبب سيطرة الجماعات الإسلامية المسلحة على المشهد هناك، فضلًا عن تصدير التوتر من النقاط الحدودية شديدة الهشاشة في الغرب مع ليبيا، وهو ما حدث فعلًا في عملية مقتل الـ21 جنديًا في العام الماضي على الحدود المصرية الليبية في ظروف ملتبسة لم يعرف أحد وجه صحتها بدقة حتى الآن.

الإمارات ترى في صعود التيار الإسلامي في ليبيا خطرًا داهمًا عليها فيما بعد، وتخشى الإخوان المسلمين كالعادة مع أنهم في حقبة ما بعد القذافي اتخذوا – تبعًا لأيديولوجيتهم – مسارًا سلميًا مؤمنين بأن خير الطرق للنهضة هو التغيير السلمي حتى مع طبيعة ليبيا الداخلية العنيفة، لكنها ترى تصاعدًا في النفوذ القطري المتغلغل في نظام ما بعد القذافي.

 أما الجزائر فهي تخشى بشدة تصاعد الجماعات الإسلامية المسلحة وسيطرتها مما يؤدي إلى تصدير التوتر للداخل الجزائري، مع مساهمة ذلك فيما بعد في تفكيك القبضة الأمنية الحديدية التي يبسط بها الجيش الجزائري يده على مقاليد الحكم هناك.

فشل حفتر

ونحو هذا الصدد، فشل حفتر في إثارة إعجاب التحالف الإقليمي غير المباشر، مما أدى لإهمال دعمه خصوصًا من جانب الجارة الأهم “مصر”، فالجماعات الإسلامية تنتشر بالطول والعرض في ليبيا، ومجلس نواب طبرق ينزوي باستمرار ولو نُقِلَ عنه الدعمُ والاعترافُ الدوليان لانتهى تمامًا، و”داعش” تصعد باستمرار وتشكل ثقبًا أسود يتوسع بانتظام وبثقة في ليبيا.

وبعد قيام “داعش” بذبح المصريين الأقباط ، خرج اللواء خليفة حفتر داعيًا القوات العسكرية المصرية بالدخول وتوجيه ضربة للتنظيمات المتشددة المسئولة عن مقتل هذا العدد من المصريين.

 وأضاف أنه يدعم التدخل العسكري المصري إن تم بكل قوته، وأن هذه التنظيمات المتشددة مدعومة من تركيا وقطر والسودان وهدفها في النهاية ضرب مصر بالإرهاب بشكل مباشر، ولا يجب أن تكون الحدود عائقًا أمام أي عمل لضرب هذه المجموعات الإرهابية؛ فأي مدينة ليبية كأي مدينة مصرية ولذلك نؤيد التدخل العسكري المصري بقوة.

وخرج عبد الله الثني بنفسه ويؤيد ما فعله حفتر ومبديًا ترحيبه بأي مجموعات مدنية مسلحة تقاتل بجانب الجيش الليبي. عملية حفتر بالطبع كانت تعتمد في أساسها على مجموعات مدنية مسلحة وهم من عرفوا بعد ذلك بـ”الصحوات”، وفي يناير الماضي وقع رئيس مجلس النواب المنحل في طبرق قراره بإعادة خليفة حفتر للخدمة في الجيش الليبي برتبة عسكرية عاملة مع 129 من الضباط المتقاعدين.

المعادلة الصعبة

تبدو هنا الضربة العسكرية الجوية المصرية بداية مفهومة لما سيحدث فيما بعد على الأغلب، ومحاولة التدخل لمعادلة كفة الميزان مرة أخرى وتنفيذ الرؤية المصرية الإماراتية الجزائرية المشتركة هناك، ومنع تصاعد نفوذ جماعات الإسلام السياسي، والأهم السيطرة على “داعش” قبل أن تتمدد أكثر في ليبيا وتؤسس لولاية شمال أفريقيا كما أعلنت من قبل.

من سيسيطر عسكريًا على ليبيا بالطبع ستكون له السيطرة الكبرى على منابع النفط، ثروة البلاد الأولى، مما يؤدي إلى الاعتراف الدولي به آجلًا إن لم يكن عاجلًا، ومن يدعم المسيطر المفترض هناك سيكون له النفوذ الأكبر في الداخل الليبي مما يؤدي لوجود أوراق لعب بيده يضغط بها أيضًا على الجارتين المباشرتين “مصر والجزائر” إن لم ينجح التحالف الإقليمي غير المباشر في بسط سيطرته في ليبيا عن طريق من يدعمهم في الداخل.

وهناك استهجان لحفتر من جانب قطر وتركيا، وفى الفترة الأخيرة ازداد الحديث حول توقع عملية عسكرية تقوم بها مصر والجزائر في ليبيا، وإن كانت القاهرة والجزائر قد قامتا رسميا بنفي نية أي تدخل عسكري

ويبدو أن قطر ستتخلي عن دعم جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا ودعم مصراتة بسبب التسوية التي توصلت لها مع باقي دول الخليج مؤخرا، والتي تقضي بعدم قيام الدوحة بدعم جماعة الإخوان المسلمين في الخارج بشكل واضح.

وعلي صعيد آخر ترغب القاهرة في تثبيت نظام حفتر علي رأس السلطة و التخلص من الإخوان المسلمين، وتشعر بالقلق من وجود الجماعة في السلطة ببلد تشاركه في حدود يبلغ طولها 1200 كم  وتعمها الفوضى، وقد عبرت وسائل الإعلام الرسمية والخاصة عن دعمها لحفتر وكذلك استقبلت القاهرة رئيس الوزراء المؤقت عبدالله الثني و أعلنت القاهرة عن دعمها لبرلمان طبرق واللواء حفتر.

أما دولياً أعلنت روسيا تأييدها لعملية “الكرامة” التي يقودها حفتر في مواجهة الإسلاميين وهو ما يُعتبر خطا ثابتا للسياسة الخارجية الروسية في المنطقة، أما موقف القوي الغربية فهو يتسم بالغموض حيث يبدو أن الدول الغربية ليس متفقة فيما بينها، ففرنسا تبدي تشددا أكثر من غيرها تجاه الإسلاميين، في حين أن بريطانيا تلقي باللوم على كل الأطراف، وكذلك موقف الولايات المتحدة التي تريد أن تستمر في مواجهة الجماعات المتطرفة في ليبيا وفي نفس الوقت عدم معادة الإسلاميين المعتدلين.

وبعد كل هذه الانقسامات والاختلافات من الصعب التنبؤ بمستقبل ليبيا في ظل الفوضى العارمة التي تشهدها ليبيا في الوقت الراهن، فالمشهد الآن ضبابي إلى حدا ما، ولكن الأيام القادمة ستوضح الصورة أكثر للوضع الراهن بليبيا وسيتضح منه ما ستؤول به الأحداث القادمة.

 

عن محيط

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر