الخميس 03 اكتوبر 2024 آخر تحديث: الاربعاء 2 اكتوبر 2024
الصوماليون في إقليم أوجادِن.. بؤساء في زمن الدفاع عن الحقوق والحريات
اقليم اوغادن
الساعة 21:41 (الرأي برس - محمود الطاهر)

في أرض تشققت من كثرة الجفاف والتعطش إلا من الدماء، وفي أجواء تخلو من كل معاني الحياة إلا فيما يمضي ليُقتل ويُنهب ويُسبي ويدك بجبروت الاحتلال الغاشم.. تلك هي أرض أوغادن المنسية.. ضحية ما زالت تنزف ولا أحد يوقفها.. صرخات تنتشر في الأفق لترجع من غير إجابة، كما يرويها المهتمون بالمشهد في هذا الإقليم.

تمييز عنصري.. إقصاء اجتماعي.. وتفاضل قبلي بات سمة متعارف عليها لدى القبائل وأبناء المدن في الصومال الغربي، حسبما يتحدث بذلك الكثير من المضطهدين؛ إلا قليل من الشخصيات التي تتواجد خارج الإقليم لغرض التعليم.

بدأت مأساة أوغادن عام 1948 عندما حل الاحتلال الإثيوبي محل الاحتلال البريطاني لترغم تحت جبروته حتى يومنا هذا شعبا عربيا مسلما سنيا من ثمانية ملايين نسمة.

وقد بلغت نسبة الأمية فيهم إلى 95 %، ويعيش 80% منهم تحت خط الفقر، لا مياه ولا كهرباء.. فهم يعتمدون فقط على مياه الأمطار والآبار حتى بلغتهم الأوبئة والأمراض، ولا توجد في المنطقة كلها إلا مستشفى واحد، وعدد الأطباء في أنحاء المنطقة لا يتجاوز 30 طبيبا.. فمن لم يقتله الرصاص مات معتلا، ومن لم تقتله الأمراض قضى عليه العطش.

يتواجد في أوغادن على مدار السنة أكثر من 100 ألف جندي أثيوبي، يمارسون كل أشكال السلب والنهب والتشريد والاغتصاب، ففي عام واحد يتجاوز عدد المغتصبات 150 فتاة وأرملة مسلمة، وخلال عام 2007 - 2008 بلغ عدد القتلى من المدنيين أكثر من 5 آلاف ولم تتم محاكمة أحد ولو صوريا، وإنما قتلوا بدم بارد، إما رميا بالرصاص أو شنقا أو حرقا في بيوتهم أو تحت التعذيب.. وما زال ذلك حتى الآن بعيدا عن أعين العالم وكاميرات الإعلام.

ولم تكتفي أثيوبيا بممارسة قواتها على الأرض الأوغادنية (الصومال الغربي)، بل وتمادى جاهدا ليطمس الهوية الإسلامية لشعب أوغادن، فغير العلم الوطني ليكون شبيها بالعلم الأثيوبي، وأغلق المدارس وهدم المساجد غير آبه للمسلمين، وكل ذلك دفع الكثيرين من أبناء هذا الشعب المسلم إلى اللجوء إلى الدول المجاورة كالصومال وجيبوتي وكينيا.

تبلغ مساحته نحو 279 ألف كم مربع، كل سكانه مسلمون، وغالبيتهم الساحقة من أصول صومالية، وسلمت سلطات الاحتلال البريطاني إقليم أوغادن إلى إثيوبيا في عام 1954م، بموجب الاتفاقية التي وقعتها بريطانيا مع إثيوبيا عام 1897م.

ويعاني السكان في أوغادن من أحوال غير إنسانية وظروف معيشية متدنية للغاية، هذا غير اضطهاد الإثيوبيون لهم، وتعرضهم للقتل والسجن وسلب الحقوق، وفقا لحقوقيين فضلوا عدم الإفصاح عن هويتهم خوفا من البطش الأثيوبي.

ولمنع تكريس صورة الاحتلال في حق السلطات الإثيوبية، يقوم الجيش الإثيوبي بدوريات لمنع وكالات الأنباء والمنظمات الحقوقية من الاقتراب أو تصوير الأحوال غير الإنسانية في الإقليم.

ويقول النشطاء في إقليم أوغادن إن السلطات الإثيوبية دأبت منذ عام 2010 في استقطاب بعض شيوخ القبائل في الإقليم ودفع الأموال لهم للتعاون معها في إخماد الحركات المطالبة بالاستقلال والعودة إلى ما قبل الاحتلال البريطاني.

ووفقا لعدد من النشطاء فإن السلطات الإثيوبية نجت في اختراق كيان شعب أوغادن، وبثت سموم الاقتتال فيما بينهم والثارات القبلية، ودعم جهات ضد أحرى بالسلاح والمال للتفرقة بين القبائل ونشر الفوضى، لحسابات جيوسياسية.

الصحة

وسط ركام المآسي التي يتحدث فيها سكان أوغادن، تظهر أمراض جديدة خطيرة، لتزيد الوضع قتامه، وكأن الحرب والأوضاع المزرية وحدهما لا تكفيان. ويقول نشطاء إن بعض الأسرة تعاني من أمراض غريبة لا أحد يعرف تشخيصها، ينتهي عادة إلى شلل كامل، وكذلك الحال لدى السيدات الذي يبدأ لديهن مشوار القلق منذ بداية الحمل نتيجة لعدم توفر الرعاية الصحية في الإقليم.

يقولون السكان إنه لا يوجد طبيب في مناطق عديدة في أوغادن.. أقرب مكان إليهن مدينة “ويردير” وإذا وصل السكان إليها بشقة الأنفس لعلاج الأطفال، يعطوهم دواء يتسبب في سقوط أجسادهم كما تقولون.

حياة مهانة تبحث عبثا عن حياة لم يرد لها من يسمونهم بـ”المستعمرين” أن تجد طريقا نحو الطمأنينة والراحة أو حتى العيش كباقي البشر في العالم، يقضون يومهم تحت الأشجار يفترشون الأرض ويلتحفون السماء.. لا هم في عداد الأموات ولا يعتبرون حتى من عداد الأحياء.

التعليم

يعيش آلاف الأطفال في إقليم أوغادن بدون تعليم أساسي ولم توفر لهم السلطات الأثيوبية المدارس المناسبة، ما جعل الآباء يلجأون إلى تكوين “الخلاوا” لتحفيظ القرآن الكريم لأبنائهم، أمر يقوله الأهالي إنه لا يتطلب دعما حكوميا، ويطالبون المؤسسات الدولية بالمساهمة في تحسين أوضاعهم التعليمية.

”الكتاتيب” طريقة تقليدية قديمة لتعليم الصغار أبجديات الكتابة والقراءة ما زالت تثبت مواكبتها أو بالأحرى تحديها للحياة التعليمية العصرية، لاسيما لدى الشعوب الفقيرة والمغلوب على أمرها.

ففي أوغادن حيث الخوف والمجاعة والتخلف التعليمي، تلعب هذه الطريقة دورا فعالا للأسر الناشئة في تعليم دينهم، يعتبرها الآباء فرصتهم الوحيدة لذلك. و”الكتتاتيب” عبارة عن ألواح خشبية يكتب عليها بمداد مصنوع من الفحم، لتبدوا نقوش كأنك تشاهد نحت من العصور القديمة، وهذه الحالة تقتصر على كل الأصول الصومالية المسلمة في إقليم أوغادن، إلا من ارتضى لنفسه أن يكون قريبا للسلطات الأثيوبية، فهو يضمن التعليم الجيد والابتعاث للخارج لاستكمال دراسته العليا.

ووفقا لمعلومات من داخل الإقليم، فإن السلطات الإثيوبية تعمل على مساعدة أسر محددة في التعليم والصحة وإبتعاث أبنائها للدراسة في الخارج مقابل إدلاء بمعلومات عن الحركات الثورية التي تطالب بالاستقلال والحرية وبالعيش الكريم.

وبحسب محللين سياسيين فإن السلطات الإثيوبية استطاعت أن تضم عددا لا بأس بهم من القبائل لصالحها، معتبرين أن ذلك ليس نهاية المأساة في أوغادن، وإنما طريقة جديدة ومدروسة للقضاء على الهوية الإسلامية والصومالية فيه، وهي بذلك تعمل على تطبيق قصة “الأسد والثيران الثلاثة” للتخلص منهم واحدا بعد آخر.

لكن من لم يدلي إلى السلطات الإثيوبية بأي معلومة عن الحركات فإن مصير قريته بأكملها الحرق، وسكانها الشنق، ونسائها الاغتصاب، وفرض حصار شامل على المكان حتى لا يخرج الناس الناجين من الموت إلى أماكن أخرى، ولمنع مساعدتهم بالماء أو الطعام من القرى المجاورة لهم.

وتفرض أثيوبيا حصارا أمنيا، وتسير القوافل الأمنية يوميا إلى الإقليم لاستكشاف أي ضيوف جدد قادمون من العالم الخارجي، كالصحفيين والمنظمات الحقوقية حتى لا ينقلون ذلك إلى مرأى ومسمع العالمين.

ويعاني السكان في أوجادين من أحوال غير إنسانية وظروف معيشية متدنية للغاية، هذا غير اضطهاد الإثيوبيون لهم، وتعرضهم للقتل والسجن وسلب الحقوق.

لمحة تاريخية

إقليم أوغادِن الذي يُعرف باسم الصومال الغربي، وتَعتبره إثيوبيا الإقليم الخامس فيها وتسميه أوغادِنيا، وأغلبية سكانه عرب مسلمون من أصول صومالية.

في عام 1954 قامت إثيوبيا بضم أوغادِن الذي كان جزءًا من الصومال الكبير، وفي الفترة بين عامي 1964 و 1967، اندلعت حرب بين إثيوبيا والصومال حول السيطرة على الإقليم .

وفي عام 1977 تمكن الجيش الصومالي من السيطرة على أوغادِن،وبعد ذلك بعام هَزمت قوات إثيوبيا الجيش الصومالي واستعادت سيطرتها على الإقليم. وفي عام أربعة وثمانين تأسست حركتان هما الحركة الوطنية لتحرير أوغادِن والحركة الوطنية لتحرير الصومال الغربي، وقد أدت هزيمة الجيش الصومالي إلى مطالبة سكان أوغادِن بإقامة كيان مستقل لهم.

وقد شهد أعنف الحروب في عام 1977 عندما حمل سكان الإقليم السلاح تحت قيادة “جبهة تحرير الصومال الغربي” في وجه الجيش الإثيوبي بعد سقوط الإمبراطور هيلا سيلاسي بدعم من نظام الرئيس الصومالي السابق محمد سياد بري الذي أراد إقامة ما يعرف بالصومال الكبير.

واحتل مسلحو الجبهة والجيش الصومالي معظم الإقليم، غير أن إثيوبيا في عهد الرئيس منغستو هيلا ماريام وبدعم من كوبا والاتحاد السوفياتي السابق قامت عام 1978 باستعادة السيطرة على الإقليم وهزمت الجيش الصومالي، كما دعمت في نفس الوقت مسلحي أرض الصومال المنتمين إلى الحركة الوطنية الصومالية وسمحت لهم بإقامة معسكرات على أراضيها.

وخلق فشل المشروع الوحدوي بهزيمة الصومال مشروعا جديدا لدى الصوماليين في إثيوبيا وهو إقامة كيان مستقل عن كل من إثيوبيا والصومال.

وقامت كبرى العشائر الصومالية الإثيوبية “أوغادن” بتأسيس ما يسمى حركة تحرير أوغادن، مما أدى إلى تحفظ العشائر الأخرى على التسمية بحجة أنها توحي بتبعية الإقليم الصومالي كله لعشيرة أوغادن، وبالتالي فإن كل المنخرطين في حركة تحرير أوغادن ينحدرون من نفس العشيرة.

ورفض بعض العشائر مناصرة الحركة، بل فضلت البقاء ضمن الفدرالية الإثيوبية على الاستقلال والتسمي بأوغادن وإعطاء القيادة للعشيرة.

ويكمن مصدر الخلاف بين العشائر الصومالية حسب بعض المراقبين في عدم رغبة عشيرة أوغادن في تسمية الحركة بعبارة ترضي العشائر الأخرى وتزيل شبهة هيمنة عشيرة أوغادن على الحركة من جهة، واعتقاد عشيرة أوغادن أنها على الرغم من كونها كبرى العشائر الصومالية فإنها لم تحظ بالمكانة التي تستحقها من جهة أخرى.

وبعد هزيمة الصومال عام 1978 في إقليم أوغادن المتنازع عليه عمت البلاد اضطرابات مثلت مقدمة للانقلاب على بري وإنهاء حكمه عام 1991، ثم دخلت الدولة في حرب أهلية، ومنذ أواسط الثمانينيات والصومال وإثيوبيا يحتضنان ويدعمان القوى المعارضة لنظام البلد الآخر.

لكن مع سقوط الصومال في دوامة الحرب الأهلية تدهورت الأحوال المعيشية والاقتصادية في أوغادن يصل إلى حد المجاعة، ويؤدي لموت الأفراد والمواشي بشكل يومي، وتُتَهمْ الحكومة الإثيوبية بالقيام بعمليات إبادة جماعية وقتل وحرق القرى وهدم الآبار وعمليات الشنق والقتل، وغيرها من الجرائم البشعة؛ بالإضافة إلى إغلاق الحدود مع كينيا وجيبوتي والصومال لمحاصرة شعب أوغادن.

لا يزال سكان إقليم أوغادن يعيشون تحت وطأة القهر والإبادة الجماعية، وإرغامهم على حياة العصور القديمة رغم تطور التكنولوجيا والتعليم والقراءة، إلا أن وحشية الإنسان، وابتعاد المنظمات الحقوقية العالمية، والدول الداعية لاحترام حقوق الإنسان، حكمت أبناء الإقليم بحياة البؤساء.

المصادر:

* جمعية التعاون الخيرية في أوغادين

* أوغادين أون لاين

* نشطاء وسياسيين وحقوقيين في أوغادن

 

المصدر: شبكة الإعلام العربية محيط

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر