الخميس 03 اكتوبر 2024 آخر تحديث: الاربعاء 2 اكتوبر 2024
الوحدة الصومالية.. حلم تهدده مصالح إستراتيجية (تحليل)
الصومال
الساعة 21:37 (الرأي برس - محمود الطاهر)

تثير التخوفات الدولية من عودة الحرب الأهلية المدمرة للصومال مرة أخرى بعد المصالحة بين الأطراف المتنازعة، واختيار برلمان ورئيس جمهورية، نتيجة للمؤشرات التي تلوح في الأفق بين كل من الرئيس الحالي للصومال حسن شيخ محمود، ورئيس الحكومة عبد الولي شيخ أحمد، إضافة إلى الهجمات الخاطفة والسريعة من قبل الشباب المجاهدين الصوماليين ضد أهداف حكومية، فضلا عن الدعوات المطالبة باستقلال شمال شرق ووسط الصومال.

 

غير أن عددا من المحللين السياسيين يرون أن صومال اليوم غير صومال الأمس، وأن قيادتها وأبناءها لديهم رغبة واضحة للانتقال من مرحلة المرض إلى النقاهة ثم إلى مرحلة الشفاء، ثم إلى التطور والتنمية، مستدلين بعودة المستثمرين والشركات التي بدأت تستثمر مئات ملايين الدولارات في عملية إعادة الإعمار لما أهلكته الحرب الأهلية التي زادت عن العشرين عاما.

 

لكن آخرين يعتبرون أن الأوضاع في الصومال لن تستقر على المدى القريب، لكونها عُمِّدت على أن تكون أرض حرب دائمة وتجارب قائمة تمارسها القوى الدولية المهيمنة، التي تسعى لوضع قدم فيها للتسابق على التواجد في البحر الأحمر وخليج عدن، معتبرين أن الاستقرار في الصومال يعارض مصالح الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا، وتركيا، وإيران، وأخيرا إسرائيل التي تشدد على أهمية تدويل البحر الأحمر، وعدم السماح لكل من الجمهورية اليمنية وجمهورية مصر العربية التحكم بمنافذه.

 

وفي خضم ذلك يتخوف السياسيون الصوماليون من النتيجة التي ستفرزها عمليات التدافع الدولي والغربي على الصومال، والتي قد تكون اختطاف الحلم الصومالي الكبير مرة أخرى وإعادة مشروع التقسيم والتفتيت ليصبح أحد معالم الصياغة الجيواستراتيجية الجديدة لمنطقة القرن الإفريقي.

 

وتشير الأحداث الجارية في الصومال إلى أن هناك تسابقا مع الزمن بوتيرة عالية نحو الاستقرار وعودة الدولة، يحلم فيها الشعب الصومالي؛ إلا أن ثمة عوائق قد تقف حجر عثرة أمام عجلة الصومال، يتمثل ذلك في الأزمة السياسية الحالية في البلاد وحركة الشباب والمساعي لتمزيق الصومال، والحدود المشتركة بين كل من إثيوبيا وكينيا.

 

أزمة سياسية

تبدو الخلافات الجارية بين الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء عبد الولي شيخ أحمد “على خلفية تعديل وزاري أجراه الأخير دون الرجوع إلى رئاسة البلاد وهو ما اعتبره الرئيس الصومالي مخالفا للدستور ودعا الوزراء المقالين إلى عدم الانصياع للتعديل”، فتيل لقنبلة سياسية قد تفجر الأوضاع الصومالية من جديد.

 

ويلوم المراقبون رئيس الوزراء الصومالي على التعديلات الوزارية والأمنية في البلاد دون الرجوع إلى الرئيس الصومالي، غير مستبعدين أن ذلك تخطيطا له للاستيلاء على السلطة، وهو ما يعني اندلاع حرب أهلية قد تكون شبيهة بالحرب التي أعقبت انقلاب محمد سياد بري عام 1969، التي تسببت بعدها بحرب أهلية أغرقت الصومال في بحر من الفوضى.

 

لكن سياسيين يرون أن البرلمان الصومالي ووقوف المجتمع الدولي مع الرئيس الحالي قد تحبط مخطط رئيس الوزراء الحالي الذي أعلن استعداده للحوار مع “محمود” نتيجة لتحركات جادة من قبل السلطة التشريعية لسحب الثقة منه نتيجة لما يعتبروها انتهاك للدستور المعمول في البلاد.

 

حركة الشباب

تعد حركة الشباب من العقبات الصعبة التي تهدد استقرار ووحدة الصومال، وترى أن الحكومة الحالية لم تقم على أساس الدين الإسلامي، وإنما جاءت عن طريق القوة العسكرية الإثيوبية وبدعم غربي، ولذا تعتبرها متلبسة “الحق بالباطل”، وأن محاربتها وطردها من البلاد الحل الأمثل لتخليص البلاد منها والحفاظ على الدين الإسلامي.

 

وتقول الحركة إن من أسباب حملتها هي ما يسمى الحرب على الإرهاب الذي كان يقودها أمراء الحرب التسعة الذين اتفقوا مع الأمريكان، كانوا يعملون من قبل على اختطاف الإسلاميين وتسليمهم إلى الإدارة الأميركية عبر مكاتب لها في جيبوتي، من بينهم اثنين اختطفا من منزل آدم عيرو واحد منهم موجود الآن ويشارك في “الجهاد” والآخر مسجون في هيرغيسا، وكذلك ناتج عن التمادي بالمتاجرة بالمسلمين، والدعوات الشعبية التي تطالب بالتخلص من العملاء.

 

أهداف الحركة

وتقول الحركة في أحاديث صحفية متعددة أن السبب الرئيسي في حربها على القوات الحكومية ليس معارضة شخصا بعينه، وإنما لرفضها للمنهج والأساس الذي تبنى عليه تلك الحكومة، مشيرة إلى أن دستورها هو دستور “كفري” مبني على آراء بشر، وكذلك تقسيم البلاد إلى أقاليم تحت حكم فيدرالي، وتتعهد بمقاتلتها “حتى يتوبوا إلى الله ويرجعوا عن الباطل الذي هم فيه”.

 

وانتهجت حركة الشباب حرب عصابات عقب سقوط المحاكم الشرعية في البلاد، نتيجة لما تقوله “تدخل الجيش الإثيوبي بإسناد من قوى غربية، وتعهدت بحرب طويلة المدى على الحكومة الصومالية عبر ضربات استباقية”، لكن مراقبين لا يرون أي تهديد حقيقي من قبل الحركة، ويعتبرون شأنها كشأن الحركات الإرهابية المنتشرة في مناطق عديدة من البلاد العربية، لاسيما وأن الصومال باتت محل اهتمام دولي لمحاولة انتشالها من الفوضى التي استمرت لفترة تزيد عن 20 عاما.

 

مطاردة الحركة

تعهد الرئيس الصومالي بإخراج حركة الشباب من جميع البلدات والمناطق الرئيسية بحلول نهاية العام الجاري، غير أنه قال إنه لن يستطيع استئصالهم، وسيكون بمقدورهم شن هجمات.

 

وأوضح محمود أن الحملة العسكرية ستجبر المتشددين على الخروج من البلدات والأراضي الأخرى والانتقال إلى “مناطق ريفية نائية” بحلول ديسمبر المقبل.

 

وأضاف في مقابلة خلال مؤتمر للمانحين في الدنمرك في 20 نوفمبر “نخطط ألا تكون هناك أراض أو مساحات خاضعة لسيطرة حركة الشباب بحلول الربع الأول من العام المقبل”، وقال “نعلم أن هذه ليست النهاية.. نعرف أن حركة الشباب ستذوب في المجتمع وتواصل حرب المدن لبعض الوقت لكن هذه هي المرحلة التالية من الصراع”.

 

وأكد الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي دعم أولويات الحكومة الصومالية في المجال الأمني، مشيرا إلى قرار مجلس الجامعة العربية في سبتمبر الماضي، المعني بمكافحة الإرهاب، والذي دعا إلى إتباع نهج أكثر شمولية يتضمن كافة الأبعاد السياسية والإيديولوجية والثقافية والقضائية في مكافحة جميع أنواع الجماعات الإرهابية، بما في ذلك حركة الشباب الصومالية وغيرها.

 

وشدد العربي على ضرورة منع كل أشكال الصراعات البيروقراطية التي شلّت الإدارات السابقة، والتي تهدد كافة أرجاء البيئة الأمنية الهشّة في الصومال، مؤكدًا استمرار جهود الجامعة العربية لمساندة أولويات بناء السلام وبناء دولة وطنية في الصومال، معلنًا عن تنظيم الجامعة مؤتمرًا دوليًا تنسيقيًا لتخفيف الآثار السلبية للجفاف في الصومال، وذلك خلال النصف الأول من العام المقبل، مشيرا إلى حق الصوماليين في الحصول على خدمات قانونية مجانية أو ميسورة التكلفة.

 

ويقول مراقبون إن الصومال ستحظى بدعم قوى غربية وعربية لمحاربة الإرهاب لاسيما بعد الحملة الدولية لمحاربة الإرهاب وحظر جماعة الإخوان المسلمين وتضييق الخناق عليهم وإقصاء جماعات إسلامية في أكثر من دولة عربية، غير أنهم لا يتوقعون نجاح الصومال في حربها ضد الإرهاب في وقت قصير كما أعلن عنها الرئيس حسن شيخ محمود في مؤتمر المانحين، معتبرين أن تصريحاته تنم عن طموحاته لكنها تكشف حقيقة خبرته السياسية البسيطة.

 

تمزيق الصومال

خلّف الاحتلال البريطاني والإيطالي والفرنسي للصومال، أرضًا مدمرة وبلادًا ممزقة، وحكومة هشة في القرن الأفريقي، وكان من آثارها استمرار الحرب الأهلية، وظهور دولة جديدة “جيبوتي”، وما زال العدد مرشحًا لظهور دول جديدة منبثقة عن الصومال الأم بحسب المطالب الأولية لكل من زعماء “أرض الصومال، بوند لاند” الذين يطالبون بالاستقلال.

 

تقع جمهورية أرض الصومال أو “صوماليالاند” وتختزل في هذه المساحة وعلى صفحات عديدة الكثير من نموذج أزمة الدولة الحديثة في إفريقيا، أو الدولة بعد خروج المستعمر.

 

في مؤتمر برلين في 1884 تم تقسيم الأراضي إلى أربعة قوى هي “الصومال الشمالية بريطانيا”، “الصومال الجنوبية ايطاليا”، جيبوتي واستعمرتها فرنسا، وفي 1960 نالت استقلالها عاصمتها هرجيسيا، وبعدها بخمسة أيام نالت الصومال الجنوبية استقلالها وعاصمتها مقديشو، وسعى الشماليون إلى الوحدة مع الصومال الجنوبية، وفي أقل من عام على الوحدة بدأ التذمر من الوضع الجديد، وساد الهمس الذي بدا يعلو من اختلالات موازين التنمية، والدعوة إلى إعادة النظر في موازين توزيع السلطة والثروة.

 

بعد ذلك أطيح بالحكومة المركزي، واستولى على السلطة العميد سياد بري “منحدر من قوميات الجنوب، والذي راهن الصوماليون أن يعالج اختلالات الأوضاع إلا أن نمط الإدارة العسكرية للقضايا السياسية ولجوئها إلى الحلول العسكرية دفع صوماليي الشمال إلى تكوين حركة تحرير أرض الصومال في مؤتمر لندن في 1981، واتخذت من الأراضي الشرقية المحايدة لأثيوبيا مقر عملياتها العسكرية، وأنهكت الحرب الحكومة المركزية.

 

وعام 1988اجتاحت القوات الجنوبية بهجوم كاسح كامل المدن الرئيسية في أرض الصومال ما أدى إلى انهيار الحكومة المركزية في مقديشو في 1991 ودخلت الدولة المركزية في فوضى شاملة آثارها مستمرة حتى الآن، بينما أعلنت أرض الصومال استقلالها من جانب واحد تحت اسم جمهورية أرض الصومال الديمقراطية، ولها نظامها السياسي المستقر، والتي تتقاسمها ثلاثة عشائر رئيسية هي الأسحاق والداروود والدر.

 

وإن لم تحصل على شرعية دولية وعضوية في المنظمات الدولية والإقليمية حتى الآن؛ إلا أنها ذات سيادة وعلاقات استراتيجية متينة مع إثيوبيا وجنوب إفريقيا، وساعدها أهميتها الاستراتيجية باحتلالها لسواحل بحرية بامتداد (850 كم) استطاعت أن تحظى بأهمية لدى الاستراتيجيات الأمريكية في محاربة القرصنة في المحيط الهادي، بالإضافة إلى التوقعات النفطية قد تساعدها في دخولها إلى حركة الاقتصاد وقد كانت شركات شيفرون وفليبس واكونوكو وأموكو لها محاولات استكشافية في بوندلان ويساعدها مينائها الرئيسي في ذلك.

 

ويرى محللون سياسيون أن هناك فرقا شاسعا بين أن يتم تقسيم الصومال إلى دويلات صغيرة، لا حول لها ولا قوة وهو ما تسعى إليه بعض الأطراف الخارجية، مستخدمة بعض رؤساء الفصائل، وبين أن تدير الأقاليم شؤونها تحت ظل نظام فيدرالي، شريطة عدم المساس بسيادة الوطن.

 

وحدة صومالية

يتوّق أبناء الصومال إلى وحدة تجمع كيانهم وتعيد قوتهم وأهمية دولتهم الإستراتيجية، لكن ثمة معوقات تحيل دون تحقيق الحلم الذي يبدو أنه لن يتحقق بحسب استنتاج محللون سياسيون للوضع القائم في الصومال.

ويعتقد مراقبون سياسيون أن من يهمه مصلحة بلاده سيكون مع إرادة الشعب والتحاور مع أي حكومة شرعية ليأخذ دوره لبناء وطنه، ومما يرفع قدره بين شعبه، ويخلد ذكره بين الأجيال الحاضرة والمقبلة، لكن ثمة عوائق تقف حائقا أمام الوحدة الصومالية وهي التدخلات الخارجية وموقع الصومال الاستراتيجي فضلا عن كونها مجاورة لكل من أثيوبيا وكينيا اللتان تحتلان أكبر اقليمين في الصومال.

 

ويقول محللون سياسيون إن استقرار الوضع الصومالي رهنته قوى بإقامة الأقاليم الانفصالية، وهو ما يعني مزيدا من تجزئة الجسد الصومالي الواحد.

 

ولا يخفى أن ثمة مطالبات دولية معتبرة تشير إلى ضرورة الاعتراف باستقلال أقاليم مثل أرض الصومال وبلاد بونت لتجاوز أزمة المعضلة الصومالية المعقدة، ومن الواضح أن هناك ثلاث رؤى أساسية تحاول أن تحكم مستقبل الدولة الصومالية، وهي الرؤية الأولى تعبر عن مصالح دول الجوار الأفريقية، وهي بالأساس إثيوبيا وكينيا.

 

فهي ترى أن وجود دولة صومالية قوية يمثل خطرا على مصالحها القومية.. إذ يحتمل أن تسعى هذه الدولة الصومالية القوية إلى استعادة أقاليمها المقتطعة في كل من إثيوبيا وكينيا من أجل تحقيق حلم الصومال الكبير، وعليه فإن رؤية دول الجوار الأفريقية تنطوي على ضرورة استمرار حالة الضعف الاستراتيجي للأقاليم الصومالية.

 

أما الرؤية الثانية فهي تعبر عن مطالب بعض الجماعات الصومالية التي دفع بها اليأس والقنوط إلى الاحتماء بالعشيرة عوضا عن مظلة الدولة الجامعة.

 

ويرى هؤلاء أن إقامة مناطق إقليمية مستقلة أو شبه مستقلة هو الضمان الأفضل لتحقيق حلمهم في الحصول على الثروة والسلطة، ولاشك أن هذا التوجه الجهوي الذي يعلي من النزعة الطائفية والإقليمية يفضي إلى مزيد من التفتيت للصومال.

 

والرؤية الثالثة تطرحها الدول الغربية بزعامة كل من الولايات المتحدة وبريطانيا، والتي تعد الأكثر خطورة لأنها تملك التمويل والدعم المادي والعسكري، كما أنها تعبر عن مصالح استراتيجية بعيدة المدى وتهميش الصومال وأهله لإبعادهم عن امتدادهم العربي والإسلامي وليصبحوا شأناً غربيا خالصا.

 

عن شبكة الإعلام العربية محيط

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر