الاثنين 18 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الجمعة 15 نوفمبر 2024
قراءة تحليلية في واقع الاقتصاد اليمني من منظور شامل
الساعة 17:18 (الرأي برس ـ خاص ـ ميساء سلطان المقطري)

الانكماش الاقتصاد حاله تنتاب الحياة الاقتصادية نتيجة سياسة متعمدة في غالب الأحيان، يميل معها مستوى الطلب الكلي ليغدو أدنى من مستوى العرض الكلي، مما يؤدي إلى تقليص الفاعليات والتداول النقدي، وارتفاع قيمة العملة الوطنية وكلفة القروض، مع ميل مستوى الأسعار والأجور نحو الانخفاض.

ومهما بدا هذا التعريف شاملاً فإنه لا يستطيع أن يحيط وحده بجميع أوجه الانكماش الاقتصادي، لأن التطور التاريخي لمفهوم الانكماش أو مصطلح الانكماش حديث في الفكر الاقتصادي مثل مصطلح التضخم، ففي المرحلة التي غلبت فيها المدرسة الكلاسيكية كان الانكماش ملحوظاً بوصفه نوعاً من الكساد الاقتصادي يحدث مؤقتاً بانتظار عودة التوازن العفوي بين العرض والطلب، أي بين الإنتاج والاستهلاك إلى حالته الطبيعية. 

لكن دخول الاقتصاد الرأسمالي في أزمات دورية منذ عام 1825 لفت النظر إلى ظاهرة الانكماش بوصفها وجهاً من أوجه الأزمة يظهر قبل الركود، وكان التضخم الذي لحظه الاقتصادي جان بودان في القرن السادس عشر قد غدا في القرن التاسع عشر مألوفاً.

ولما دخل التضخم في الأدبيات الاقتصادية  باتت كلمة الانكماش تعني عملية مقصودة لإزالة التضخم، وقد ارتبط مفهوم الانكماش بمفهوم التضخم ارتباطاً وثيقاً، لكنه بقي ارتباطاً وحيد الطرف.
فالانكماش حلٌ للتضخم، في حين لا يقول أحد بأن الانكماش يجد حلّه في التضخم، بل في عودة التوازن، مع ذلك، فإن الانكماش حالة يمكن أن تصيب الاقتصاد على نحو عفوي، وهو يثير في الفكر الاقتصادي جملة من التعاريف.

وتكمن صعوبة تحديده في طبيعته، وفي كونه مقصوداً أو غير مقصود، وخاصة عندما يختلط بغيره من الظواهر النقدية والاقتصادية، ومهما يكن الأمر فإن الحدود التي يمكن حصر الانكماش فيها هي حدود العرض والطلب الكليين: كلما نزع الأول نحو الارتفاع نسبة إلى الثاني كان هناك انكماش، والعكس في التضخم.

وبغض النظر عن الأسباب التي أدت إلى ذلك. ومن هنا أيضاً كان الانكماش أمراً ملحوظاً في كل الاقتصاديات، ففي الرأسمالية يمكن ملاحظة الانكماش، مثلاً، عندما يفقد اقتصاد السوق توازنه بعد بلوغه نقطة التشغيل الكامل بمفهوم الاقتصادي البريطاني كينز كما يظهر كلما ارتسمت علامات التشاؤم على الحياة الاقتصادية نتيجة لإلغاء احتمالات الربح أو الإفلاس في المشروعات أو تعطيل عوامل الإنتاج أو زيادة نفقات الإنتاج.

وفي الاشتراكية، يظهر الانكماش نتيجة تحديد أهداف للخطط الاقتصادية قاصرة عن استخدام جميع الموارد المتاحة أو لأن الإنفاق الإجمالي أقل من قيمة الناتج الإجمالي.

أما في البلدان النامية، فيمكن أن يظهر الانكماش ردة فعل للسياسة الهادفة إلى رفع معدلات التنمية بأساليب تضخمية، مما لا تستجيب له البنية الاقتصادية الاجتماعية، فيقع الانكماش.

والانكماش والركود يختلف الانكماش عن الركود في أن الانكماش وإن اتسم بتباطؤ الفاعليات، ينتظم في مجموعة من التدابير التي من شأنها إعادة التوازن إلى الاقتصاد، أمّا الركود فهو حالة تجتاح الاقتصاد فيصاب بانخفاض الإنتاج فارتفاع الأسعار ووقوع البطالة.

وتنعكس آثار  ذلك كله على الحياة الاجتماعية، وقد يختلط الركود بالتضخم فيدعى آنذاك بالركود التضخمي وهي الحالة التي تسيطر اليوم على اقتصاديات الدول الرأسمالية، إذ يقترن التضخم النقدي بالركود الاقتصادي. 

ولابد من الاشارة إلى أن النمو يقاس بمعدل الانتاج المحلي الاجمالي وهو مقدار السلع والخدمات خلال فترة زمنية سنة، وأن الركود هو تباطؤ في النمو او تراجعه او توقفه، فيما الانكماش مرحلة ما بعد الركود، أما الكساد هو مرحلة ما بعد الانكماش. 

لخص متخصص في الشؤون الاقتصادية اليمينة آثار سلبية أفرزها الانقلاب الحوثي على الشرعية في الجمهورية اليمنية،  مما أدى إلى الاضرار بواقع الاقتصادي اليمني وضربه في الخاصرة، وفجر مزيداً من الأزمات داخل القطاعين الحكومي والخاص، ألقت بظلالها على أسواق المال وأعمال.
وقال رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي مصطفى نصر في تصريح "الرياض" من صنعاء أمس"، منذ ان اجتاح الحوثيون العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر، وبدء توسعهم للاستيلاء على بقية المحافظات اليمنية.

ومقابل التوسع في المحافظات بدأ الاقتصادي اليمني يدخل في عزلة عن العالم، وبدأت ملامح أثار مخيفة تطفو على المشهد الاقتصادي منها خسارة اليمن اكثر من مليار دولار جراء توقف المساعدات المقدمة لليمن من الدول الشقيقة في الخليج، ومن الدول والجهات والمؤسسات الدولية المختلفة حيث قررت معظم السفارات مغادرة اليمن وتبعتها العديد من وكالات التنمية والمؤسسات المانحة.

وفرضت العديد من التشديدات المالية على التحويلات من وإلى اليمن، وتوقفت الاستثمارات الخارجية في اليمن، وتراجعت المشاريع الجديدة المسجلة خلال الربع الاول من العام الجاري 2015 بنسبة تزيد على 50%.

ونبه نصر إلى تراجع النشاط الاقتصادي اليمني ودخوله مرحلة من الركود الاقتصادي وصلت إلى 70%، افلست العديد من المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وتم الاستغناء عن الالاف من العاملين بقطاعات ومنظمات المجتمع المدني المحلية والدولية بنسبة 90% جراء توقف المنح والمساعدات الخارجية، ومغادرة الكثير من المؤسسات اليمن الدولية اليمن، باستثناء المنظمات المعنية بالإغاثة.

ولفت نصر إلى أن "تراجع الاحتياطي النقدي من العملات الاجنبية إلى 4.3 مليارات دولار، بعد ان كان 5 مليارات مع مطلع العام الجاري 2015، لن يقف عند ذلك الحد، بل متوقع ان تتراجع أكثر، جراء تنامي الخسائر في الايرادات النفطية التي تشكل المصدر الرئيس للموازنة بمبلغ 1 مليار دولار، إضافة إلى تراجع العائدات الضريبية .

ووصف نصر الوضع الاقتصادي هناك بقوله "الوضع الاقتصادي في اليمن صعب للغاية، وما تقوم به المؤسسات الرسمية الحالية يتمثل في دفع المرتبات فقط، لكن جميع النفقات المرتبطة بالبرنامج الاستثماري والنفقات التشغيلية متوقفة، وإذا ما استمرت الاوضاع الراهنة 

ومن خلال ما نراه حاليا الساحة الاقتصادية من تقارير اقتصادية تشير الى تعرض اليمن للانكماش الاقتصادي والتي بدورها تسبق مرحلة الكساد الاقتصادي، نتساءل كيف يمكن ان نصف الوضع الاقتصادي بالانكماشي في ظل ارتفاع الاسعار والذي تجاوز 50% منذ بداية الحرب.

وربما نتفق اننا لسنا في مرحلة نمو وان نمو متوقف واننا نمر في مرحلة من مراحل الركود الاقتصادي، اما بالنسبة للانكماش فإننا نعلم ان الانكماش هو زيادة في العرض يقابله انخفاض في الطلب يؤدي الى انخفاض الاسعار نتيجة عزوف المستهلكين عن الشراء.

وبالتالي نقصان الطلب مع زيادة العرض يودي الى انخفاض الاسعار، فكيف يمكن ذلك في ظل وضع اقتصادي محاصر برا وبحرا وجوا، مع أنه من المعلوم ان اليمن تواجه حصار شديد ادى الى قلة في العرض، إضافة الى رغبة المستهلك بالحصول ع المواد الاستهلاكية ومتطلبات الحياة مما يؤدي الى زيادة الطلب نحوها وهنا هل يمكن تلخيص الوضع الاقتصادي اليمني بعكس وجهة نظر صندوق النقدي الدولي وتصريحه اننا ننمر بمرحلة انكماش طبيعية نتيجة توقف النمو بسبب الحرب، والقول اننا نمر بمرحلة من مراحل الركود التضخمي والذي تناولها الكاتب السياسي (ايان)  عام 1965، حيث قال ((لدينا تضخم من جانب وتوقف لنمو في الجانب الاخر وبالتالي نحن نعاني من الركود التضخمي)) علما بان هذا النوع من انواع التضخم مرتبط بالحروب مثلما حدث في يوغسلافيا عام 1993م عندما ارتفعت الاسعار الى 20% وبشكل يومي، وهنا لا ننفي وقوع الاقتصاد اليمني بالانكماش وذلك لتوقف النمو.

ولكن كيف يمكن الربط بين الانكماش الاقتصادي والتضخم في آن واحد، إذ ان الكساد الكبير في امريكا عام 1929م ادى الى تراجع الاسعار بنسبة 25%وانخفاض الناتج المحلي الاجمالي الى 30%، وهذا من المعلوم ان مرحلة الكساد الاقتصادي هي مرحلة تأتي بعد الانكماش الاقتصادي مباشرة.

ولذلك فإن توقعات صندوق النقد الدولي بالنسبة لليمن غير مبشرة بخير وذلك ان عاد فهو يعود الى برامج الاصلاح الاقتصادي والمالي والذي يطبقه الصندوق في الجمهورية اليمنية والمبني ع تحقيق مصالح الصندوق وتسديد الديون وفوائدها وتحقيق بعض المصالح الاقتصادية المسيسة في اليمن.

وخير مثال ع هو النهج الماليزي والذي رفض الاعتماد على هذه البرامج وصرح في اكثر من مره مهاتير( سياسات الصندوق متخبطة ونصائحه لماليزيا لم تكن صحيحة وان لو كانت ماليزيا اتبعت نهج الصندوق والبنك كانت افلست تماما والتنمية هي بناء بنية تحتية سليمة وصلبة وجذب مناخ استثماري آمن)، وبالتالي انتقاد مهاتير ونجاح ماليزيا دليل ع ان سياسة الصندوق وبرامجه في الدول النامية فاشلة.

* تحضر الدكتوراة في المجال المصرفي والمالي، في المعهد القومي- تعز.

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص